السيد محمد علي الحسيني
خلافات الايديولوجية و الفکرية بين الانظمة السياسية في کل من مصر و العراق و سوريا بسبب الصراع على أخذ زمام قيادة الامة العربية، مع کل الذي أدعته الاطراف السياسية في تلك البلدان الثلاثة، فإنها خلفت آثارا بالغة السلبية على التوازن الاستراتيجي الاقليمي و الدولي ورجحت کفته لغير العرب. الامر اللافت للنظر، أن هذه الدول الثلاث،
شرعت بإعداد مبررات و مسوغات التعرض لغيرها من الدول العربية و حتى ان التهويل و المبالغة بهذا السياق قد بلغ حدا بحيث وصلت الى حد تخوين بعضها البعض وهو ما دعى لإختلاط الامر على قطاعات عريضة من الجماهير مثلما اتاحت فرصا ذهبية لأعداء العروبة و الاسلام کي يدفعوا العرب في عملية التوازن الاستراتيجي الاقليمي و الدولي الى مرتبة أوطأ بکثير من إستحقاقهم الحقيقي، لکن المشکلة هي ان السياسة في احايين عديدة کمنحدر سريع لايمکن لکل من شاء أن يحافظ على توازنه و مکانته کي لايتزحزح عنها وهذا ما کان تحديدا واقع الحال في عقدي الستينات و السبعينات من القرن العشرين بالنسبة للعرب.
ان ما يؤسف له کثيرا، ان الانظمة العربية في کل من مصر و سوريا و العراق، والتي کانت ليل نهار تتحدث بالقومية العربية و الامن القومي و التوازن الاستراتيجي في ميزان القوى مع أعداء الامة، لم يکن يهمها شئ مثلما کان يهمها موضوع جعل ميزان التوازن بينها و بين غيرها من الدول العربية المناوئة أو المخالفة لها لصالحها!
قطعا ان الکيان الصهيوني و ايران زمن الشاه و ترکيا، کانت مستفيدة بشکل واضح من هذا إنشغال العرب ببعضهم البعض ونحن واثقون من ان الکيان الصهيوني لم يجشم نفسه عناء الانشغال برش المزيد من الزيت على نار الخلافات العربية العربية ذلك إنها کانت من العمق و الضراوة بحيث لم تکن بحاجة ولو الى قطرة زيت إضافية أخرى!
ان ضراوة الصراع التنافسي العربي العربي قد استهلك مستويات کبيرة من الجهدين المادي و المعنوي الذي کان يجب ان يوجه بإتجاه مخالف تماما، وبدلا من ان توظف هذه الامکانيات العربية في عملية الصراع العربي الصهيوني فقد وظفت لإستخدامها في عملية من شأنها منح المزيد من القوة للکيان الصهيوني على الصعيدين الاقليمي و الدولي والانکى من کل هذا، أن منظري و محللي و مفکري هذه البلدان کانوا على الدوام يکتبون و يتحدثون عن أهمية و خطورة التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني بشکل خاص و الدول الاخرى بشکل عام من دون ان ينتبه أو يتنبه احدا منهم الى ان المسألة التي يتحدثون عنها يتم إنتهاکها و تجاوزها من قبل أنظمة عربية تشکل خط المواجهة الامامي مع العدو الصهيوني.
وفي الوقت الذي کان فيه الجهد المادي العربي(ولاسيما في البلدان التي أشرنا إليها آنفا)، کان منصبا على الجانبين العسکري و الامني، وکان هنالك في نفس الوقت قصورا واضحا في الجوانب الاقتصادية بأبعادها الصناعية و الزراعية ولم تکن هنالك اساسا بنى تحتية يمکن إعتبارها تشکل عمقا استراتيجيا، فإن الجانب العسکري بحد ذاته کان يعاني من القصور مثلما کان الجانب الامني يعاني من مشاکل و ازمات کبيرة. لم تکن هنالك صناعات عسکرية ولو خفيفة بحيث تدفع هذه الدول للإستغناء عن استيراد احتياجاتها بهذا الخصوص من الخارج، کما کانت مصادر توريد السلاح محددة وکانت لهذه البلدان الموردة للسلاح أجندتها الخاصة في المنطقة و التي ترتبط اساسا بحفظ مسألة التوازن الاستراتيجي بينها و بين القوى الدولية الاخرى صاحبة الشأن في على الساحة الدولية. کما ان الجانب الامني أيضا کان يعاني الامرين من جراء هشاشته مقارنة مع نظرائه من الدول الاخرى و أغلب الظن ان هشاشة الجانب الامني لدى هذه الدول کان بسبب إنصراف غالبية الجهد العربي لأمور تتعلق بمراقبة المواطنين و القوى السياسية المناوئة لها و لعمليات الترصد و المواجهة مع الدول العربية الاخرى وان إکتشاف الجاسوس الاسرائيلي(ايلي کوهين) في سوريا بالصدفة وعن طريق السوفيات وليس عن طريق الاجهزة الامنية السورية، يعطي أکثر من دلالة و إشارة سلبية على اداء هذا الجانب. وقطعا، ان القصور الواضح للاداء الاقتصادي في المجالات الصناعية و التجارية و الزراعية قد دفعت لإنخفاض واضح في النمو الاقتصادي وهو امر له دلالاته السلبية على الکثير من الاصعدة ولو جمعنا کل الذي سردناه آنفا و إضفنا إليه أيضا قصور التحرك السياسي العربي على مختلف الاصعدة(رغم ان العامل السياسي مرتبط بقوة بالعوامل الاخرى)، فإن وخامة الوضع العام کان يتجلى بوضوح للمتابع و المراقب. ويقينا ان أية دول تمتلك هکذا مقومات و تمر بمثل هکذا ظروف و ملابسات، سوف لن تکون في المستوى اللازم الذي يؤهلها کي تأخذ مکانها التنافسي على الصعيد الدولي و تحفظ لها موقعا جيدا في عملية التوازن الاستراتيجي ولئن کان هذا هو حال العرب طوال العقود الاخيرة من الالفية الماضية، فإنه ليس بالامکان التخمين بأن المحصلة المستقبلية للعقود القادمة من الالفية الثالثة بعد الميلاد، سيطرأ عليها تغيير کبير، بيد اننا في نفس الوقت لن نکون تشاؤميين بالمرة و نجزم بأن ليس هنالك من تباشير تزف لنا بشرى تغيير هذه الوضعية السلبية للعرب وهذا ماسنأتي عليه في آخر قسم من بحثنا هذا.
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
خلافات الايديولوجية و الفکرية بين الانظمة السياسية في کل من مصر و العراق و سوريا بسبب الصراع على أخذ زمام قيادة الامة العربية، مع کل الذي أدعته الاطراف السياسية في تلك البلدان الثلاثة، فإنها خلفت آثارا بالغة السلبية على التوازن الاستراتيجي الاقليمي و الدولي ورجحت کفته لغير العرب. الامر اللافت للنظر، أن هذه الدول الثلاث،
شرعت بإعداد مبررات و مسوغات التعرض لغيرها من الدول العربية و حتى ان التهويل و المبالغة بهذا السياق قد بلغ حدا بحيث وصلت الى حد تخوين بعضها البعض وهو ما دعى لإختلاط الامر على قطاعات عريضة من الجماهير مثلما اتاحت فرصا ذهبية لأعداء العروبة و الاسلام کي يدفعوا العرب في عملية التوازن الاستراتيجي الاقليمي و الدولي الى مرتبة أوطأ بکثير من إستحقاقهم الحقيقي، لکن المشکلة هي ان السياسة في احايين عديدة کمنحدر سريع لايمکن لکل من شاء أن يحافظ على توازنه و مکانته کي لايتزحزح عنها وهذا ما کان تحديدا واقع الحال في عقدي الستينات و السبعينات من القرن العشرين بالنسبة للعرب.
ان ما يؤسف له کثيرا، ان الانظمة العربية في کل من مصر و سوريا و العراق، والتي کانت ليل نهار تتحدث بالقومية العربية و الامن القومي و التوازن الاستراتيجي في ميزان القوى مع أعداء الامة، لم يکن يهمها شئ مثلما کان يهمها موضوع جعل ميزان التوازن بينها و بين غيرها من الدول العربية المناوئة أو المخالفة لها لصالحها!
قطعا ان الکيان الصهيوني و ايران زمن الشاه و ترکيا، کانت مستفيدة بشکل واضح من هذا إنشغال العرب ببعضهم البعض ونحن واثقون من ان الکيان الصهيوني لم يجشم نفسه عناء الانشغال برش المزيد من الزيت على نار الخلافات العربية العربية ذلك إنها کانت من العمق و الضراوة بحيث لم تکن بحاجة ولو الى قطرة زيت إضافية أخرى!
ان ضراوة الصراع التنافسي العربي العربي قد استهلك مستويات کبيرة من الجهدين المادي و المعنوي الذي کان يجب ان يوجه بإتجاه مخالف تماما، وبدلا من ان توظف هذه الامکانيات العربية في عملية الصراع العربي الصهيوني فقد وظفت لإستخدامها في عملية من شأنها منح المزيد من القوة للکيان الصهيوني على الصعيدين الاقليمي و الدولي والانکى من کل هذا، أن منظري و محللي و مفکري هذه البلدان کانوا على الدوام يکتبون و يتحدثون عن أهمية و خطورة التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني بشکل خاص و الدول الاخرى بشکل عام من دون ان ينتبه أو يتنبه احدا منهم الى ان المسألة التي يتحدثون عنها يتم إنتهاکها و تجاوزها من قبل أنظمة عربية تشکل خط المواجهة الامامي مع العدو الصهيوني.
وفي الوقت الذي کان فيه الجهد المادي العربي(ولاسيما في البلدان التي أشرنا إليها آنفا)، کان منصبا على الجانبين العسکري و الامني، وکان هنالك في نفس الوقت قصورا واضحا في الجوانب الاقتصادية بأبعادها الصناعية و الزراعية ولم تکن هنالك اساسا بنى تحتية يمکن إعتبارها تشکل عمقا استراتيجيا، فإن الجانب العسکري بحد ذاته کان يعاني من القصور مثلما کان الجانب الامني يعاني من مشاکل و ازمات کبيرة. لم تکن هنالك صناعات عسکرية ولو خفيفة بحيث تدفع هذه الدول للإستغناء عن استيراد احتياجاتها بهذا الخصوص من الخارج، کما کانت مصادر توريد السلاح محددة وکانت لهذه البلدان الموردة للسلاح أجندتها الخاصة في المنطقة و التي ترتبط اساسا بحفظ مسألة التوازن الاستراتيجي بينها و بين القوى الدولية الاخرى صاحبة الشأن في على الساحة الدولية. کما ان الجانب الامني أيضا کان يعاني الامرين من جراء هشاشته مقارنة مع نظرائه من الدول الاخرى و أغلب الظن ان هشاشة الجانب الامني لدى هذه الدول کان بسبب إنصراف غالبية الجهد العربي لأمور تتعلق بمراقبة المواطنين و القوى السياسية المناوئة لها و لعمليات الترصد و المواجهة مع الدول العربية الاخرى وان إکتشاف الجاسوس الاسرائيلي(ايلي کوهين) في سوريا بالصدفة وعن طريق السوفيات وليس عن طريق الاجهزة الامنية السورية، يعطي أکثر من دلالة و إشارة سلبية على اداء هذا الجانب. وقطعا، ان القصور الواضح للاداء الاقتصادي في المجالات الصناعية و التجارية و الزراعية قد دفعت لإنخفاض واضح في النمو الاقتصادي وهو امر له دلالاته السلبية على الکثير من الاصعدة ولو جمعنا کل الذي سردناه آنفا و إضفنا إليه أيضا قصور التحرك السياسي العربي على مختلف الاصعدة(رغم ان العامل السياسي مرتبط بقوة بالعوامل الاخرى)، فإن وخامة الوضع العام کان يتجلى بوضوح للمتابع و المراقب. ويقينا ان أية دول تمتلك هکذا مقومات و تمر بمثل هکذا ظروف و ملابسات، سوف لن تکون في المستوى اللازم الذي يؤهلها کي تأخذ مکانها التنافسي على الصعيد الدولي و تحفظ لها موقعا جيدا في عملية التوازن الاستراتيجي ولئن کان هذا هو حال العرب طوال العقود الاخيرة من الالفية الماضية، فإنه ليس بالامکان التخمين بأن المحصلة المستقبلية للعقود القادمة من الالفية الثالثة بعد الميلاد، سيطرأ عليها تغيير کبير، بيد اننا في نفس الوقت لن نکون تشاؤميين بالمرة و نجزم بأن ليس هنالك من تباشير تزف لنا بشرى تغيير هذه الوضعية السلبية للعرب وهذا ماسنأتي عليه في آخر قسم من بحثنا هذا.
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق