السيد محمد علي الحسيني.
لکل بلد عربي خصوصيته واوضاعه المميزة التي تجعلها مختلفة عن غيرها، مثلما لکل انسان طبعه و ميله الخاص به، وليس صحيحا ان نعتبر البلدان العربية کلها(للسبب القومي)متشابهة ومتطابقة مع بعضها وان مايصح على تطوان في المغرب يصح على اللاذقية في سوريا أو المنامة في البحرين، إذ أن لکل مدينة من هذه المدن خصوصياتها واوضاعها المختلفة عن الاخرى کما وليس من الصحيح أيضا ان نقول بأن العراقي واللبناني والليبي والجزائري مثلا متشابهين تماما، وذلك أمر يدرکه أبسط الناس.
المد القومي الذي اجتاح الوطن العربي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، صحيح جدا انه "أي التيار الناصري" وحد الاحساس القومي لدى العرب من المحيط الى الخليج العربي، لکنه لم يتمکن من توجيه وتقنين هذا الاحساس بإتجاه علمي وموضوعي مبني على اساس متين يخدم قضايا و امور الامة العربية وانما ابقى الامر ضمن النطاق العاطفي ـ الانفعالي من دون أن يدرکوا أن الهيجان العاطفي والحماس غير العادي ليسا بکافيين لکي يرسما أو يضعا الخطوط العريضة لبرنامج يؤسس لمشروع قومي واضح الاهداف والرؤى. ولو ألقينا نظرة على مافعله بسمارك رئيس وزارء بروسيا من أجل توحيد المقاطعات الالمانية او ما فعله غاريبالدي مع أتباعه من أجل الوحدة الايطالية، لتيقنا من أن القائد صاحب الرؤية والذهنية الثاقبة هو من يوظف الحماس الجماهيري والقومي بإتجاه يخدم مشروعا متکاملا وواضحا وهذا مافعله کل من بسمارك و غاريبالدي في حين أبقاه عبدالناصر غير مکتملا.
الاشکالية الکبيرة التي وقع فيها التيار الناصري، کانت تتجلى بکونه يرى کافة أقطار الوطن العربي إمتداد للحالة المصرية ومن هنا فقد جائت الاخطاء الفادحة التي صنعها لنفسه ومنها تدخله في الصراع اليمني وکذلك تإييده لثورة 14 تموز 1958 في العراق ومن ثم إختلافه مع الرئيس العراقي آنئذ الزعيم عبدالکريم قاسم وکذلك تإييده لإنقلاب 18 تشرين في العراق أيضا والذي دبره المشير عبدالسلام عارف ضد البعثيين في عام 1963، وهي مواقف إنعکست بصورة سلبية على مصر ورسم علامات استفهام حول نظام الرئيس جمال عبدالناصر کما انه من المفيد الوقوف عند الوحدة المصرية السورية في عام 1958 و تنصيب جمال عبدالناصر رئيسا لدولة الوحدة لکن الوحدة تمزقت عام 1961 بعد أن رفض السوريون زعامة عبدالناصر واعتبروه کأمر مفروض من الخارج! وکل هذه الحالات تدل على أن التيار الناصري کان يراهن على الاحساس القومي والاندفاع والحماس للمسألة القومية من دون أن يعي أن هذا الاحساس امر يفقد بريقه واهميته من دون صهره داخل أبعاد عقلية ومنطقية مناسبة وهو ماتجلى واضحا في مواقف السوريين واليمنيين والعراقيين مثلا من آراء و مواقف جمال عبدالناصر.
لکننا، لسنا نقف عند هذا الحد، وانما نلوم التيار الناصري لکونه لم يسعى لصياغة نظرية عمل تمهد لمشروع واقعي يخدم القضية العربية وانما بقى متقوقعا في بوتقة حماسية إنفعالية يقودها ويسيرها فهم عسکري من اساسه.
وفي عام 1963، الذي شهد تسلم حزب البعث العربي الاشتراکي لمقاليد الحکم في بلدين عربيين"العراق في 8/2/1963، و سوريا في 8/3/1963"، إندفع نظامي الحکم الجديدين في کل من بغداد ودمشق بإتجاه القاهرة وووقعت البلدان إتفاقية 17 نيسان للوحدة بين البلدان الثلاثة وهو إتفاق حمل بذور الفشل منذ اللحظة الاولى لتوقيعه حيث إنه کان من الهشاشة بحيث لم يرقى الى مستوى الوحدة بين سوريا و مصر عام 1958 والتي طبقت على الاقل على أرض الواقع أما هذه الاخيرة فقد ظلت حبرا على ورق. وقد يتسائل البعض عن جدوى إسهابنا في طرح موضوع الوحدة وما علاقة ذلك بقضية التوازن الاستراتيجي التي نحن في صددها في هذه السلسلة من المقالات، فإننا نقول ان هنالك علاقة قوية ووثيقة بين الامرين لأن البلدان الثلاثة التي تحدثنا عنها کانت تمثل الزوايا الثلاثة الاساسية لمثلث العروبة و للواقع العربي ولا زالت تؤثر بصورة أو بأخرى على الواقع العربي وان هذه البلدان الثلاثة کانت من البلدان العربية المهمة وصاحبة الشأن في مضمار العلاقات السياسية والاقتصادية والعسکرية على الصعيد الدولي وکانت لها تأثيراتها القوية (سلبا او إيجابا) في صياغة التوازن الاستراتيجي الاقليمي والدولي بسياق يخدم الامن القومي العربي والمصالح العربية العليا وقطعا ان هذه البلدان الثلاثة وبسبب من مواقفها الفکرية السياسية المناهضة للولايات المتحدة الامريکية واسرائيل، فقد کان على الدوام مستهدفة من قبل دول الغرب بشکل عام والولايات المتحدة بشکل خاص وهذه البلدان مع إحترامنا الشديد وتقديرنا العميق لما قدمته من جهد لخدمة المشروع القومي العربي، لکنها للأسف لم تکن موفقة في التخطيط لسياسة تستند اساسا على منهج علمي ـ واقعي وتحاول تخطي بعض الحالات الشاذة في العلاقات الدولية (کعلاقات دول الغرب بإسرائيل) من أجل ذلك، بل وانها وبخلاف ماکان مطلوبا منها بحکم المنطق والواقع سارت بطريق معاکس الاتجاه وهو ما اوقعها في اخطاء وجعل العرب هم الذي يدفعون ثمن تلك الاخطاء من خلال منح العرب مرکزا ثانويا في التوازن الاقليمي (من منظور الرؤية الدولية) وهنا تجدر الاشارة الى أن الدول العربية التي کانت تحتفظ بعلاقات حسنة مع الغرب وبحکم التشتت العربي الرسمي وتبعثره على جبهتين متباينتين، ولکون هذه الدول لم تکن موافقة إطلاقا وبأي شکل من الاشکال ان تفرط بالحق العربي ولا بشبر من أرض فلسطين (کما کانت تحاول دولا أو احزابا عربية ان توحي بذلك) فإنه لم يکن من السهل عليها فرض أجندة أو مجرد رؤى عربية على الخطوط العامة والاساسية للسياسة الدولية خصوصا وان الغرب ومن خلفه صنيعته اسرائيل کان يدرك جيدا عمق الاحساس القومي لدى القادة العرب بشکل عام فيما يتعلق بالمسائل ذات البعد القومي وان مواقف الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز من قضية القدس بشکل خاص وقضية فلسطين بشکل عام کانت حقيقة ماثلة للأعداء قبل الاشقاء والاصدقاء ومن هنا فإن تحرك هذه الدول قبالة الغرب کان أيضا يمر من ممرات معقدة جدا وصعبة الاجتياز، لکن العامل الاهم من ذلك هو انه لم تکن هنالك ثمة رؤية عربية محددة متفق عليها بين الدول العربية کقاسم مشترك أعظم فيما يتعلق بالموقف من القضايا المصيرية يمکن استخدامها وتوظيفها کخطة عمل سياسية في المحافل الدولية وانما کان الامر برمته عبارة عن مجموعة خطوط ومسارات متضاربة وغير واضحة بالنسبة للسياسة الدولية التي تتعامل بفن الممکن لکن هنا لم يکن هنالك أي ممکن بل کان الخط العام للخطاب اما کل شئ او لاشئ!
*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
لکل بلد عربي خصوصيته واوضاعه المميزة التي تجعلها مختلفة عن غيرها، مثلما لکل انسان طبعه و ميله الخاص به، وليس صحيحا ان نعتبر البلدان العربية کلها(للسبب القومي)متشابهة ومتطابقة مع بعضها وان مايصح على تطوان في المغرب يصح على اللاذقية في سوريا أو المنامة في البحرين، إذ أن لکل مدينة من هذه المدن خصوصياتها واوضاعها المختلفة عن الاخرى کما وليس من الصحيح أيضا ان نقول بأن العراقي واللبناني والليبي والجزائري مثلا متشابهين تماما، وذلك أمر يدرکه أبسط الناس.
المد القومي الذي اجتاح الوطن العربي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، صحيح جدا انه "أي التيار الناصري" وحد الاحساس القومي لدى العرب من المحيط الى الخليج العربي، لکنه لم يتمکن من توجيه وتقنين هذا الاحساس بإتجاه علمي وموضوعي مبني على اساس متين يخدم قضايا و امور الامة العربية وانما ابقى الامر ضمن النطاق العاطفي ـ الانفعالي من دون أن يدرکوا أن الهيجان العاطفي والحماس غير العادي ليسا بکافيين لکي يرسما أو يضعا الخطوط العريضة لبرنامج يؤسس لمشروع قومي واضح الاهداف والرؤى. ولو ألقينا نظرة على مافعله بسمارك رئيس وزارء بروسيا من أجل توحيد المقاطعات الالمانية او ما فعله غاريبالدي مع أتباعه من أجل الوحدة الايطالية، لتيقنا من أن القائد صاحب الرؤية والذهنية الثاقبة هو من يوظف الحماس الجماهيري والقومي بإتجاه يخدم مشروعا متکاملا وواضحا وهذا مافعله کل من بسمارك و غاريبالدي في حين أبقاه عبدالناصر غير مکتملا.
الاشکالية الکبيرة التي وقع فيها التيار الناصري، کانت تتجلى بکونه يرى کافة أقطار الوطن العربي إمتداد للحالة المصرية ومن هنا فقد جائت الاخطاء الفادحة التي صنعها لنفسه ومنها تدخله في الصراع اليمني وکذلك تإييده لثورة 14 تموز 1958 في العراق ومن ثم إختلافه مع الرئيس العراقي آنئذ الزعيم عبدالکريم قاسم وکذلك تإييده لإنقلاب 18 تشرين في العراق أيضا والذي دبره المشير عبدالسلام عارف ضد البعثيين في عام 1963، وهي مواقف إنعکست بصورة سلبية على مصر ورسم علامات استفهام حول نظام الرئيس جمال عبدالناصر کما انه من المفيد الوقوف عند الوحدة المصرية السورية في عام 1958 و تنصيب جمال عبدالناصر رئيسا لدولة الوحدة لکن الوحدة تمزقت عام 1961 بعد أن رفض السوريون زعامة عبدالناصر واعتبروه کأمر مفروض من الخارج! وکل هذه الحالات تدل على أن التيار الناصري کان يراهن على الاحساس القومي والاندفاع والحماس للمسألة القومية من دون أن يعي أن هذا الاحساس امر يفقد بريقه واهميته من دون صهره داخل أبعاد عقلية ومنطقية مناسبة وهو ماتجلى واضحا في مواقف السوريين واليمنيين والعراقيين مثلا من آراء و مواقف جمال عبدالناصر.
لکننا، لسنا نقف عند هذا الحد، وانما نلوم التيار الناصري لکونه لم يسعى لصياغة نظرية عمل تمهد لمشروع واقعي يخدم القضية العربية وانما بقى متقوقعا في بوتقة حماسية إنفعالية يقودها ويسيرها فهم عسکري من اساسه.
وفي عام 1963، الذي شهد تسلم حزب البعث العربي الاشتراکي لمقاليد الحکم في بلدين عربيين"العراق في 8/2/1963، و سوريا في 8/3/1963"، إندفع نظامي الحکم الجديدين في کل من بغداد ودمشق بإتجاه القاهرة وووقعت البلدان إتفاقية 17 نيسان للوحدة بين البلدان الثلاثة وهو إتفاق حمل بذور الفشل منذ اللحظة الاولى لتوقيعه حيث إنه کان من الهشاشة بحيث لم يرقى الى مستوى الوحدة بين سوريا و مصر عام 1958 والتي طبقت على الاقل على أرض الواقع أما هذه الاخيرة فقد ظلت حبرا على ورق. وقد يتسائل البعض عن جدوى إسهابنا في طرح موضوع الوحدة وما علاقة ذلك بقضية التوازن الاستراتيجي التي نحن في صددها في هذه السلسلة من المقالات، فإننا نقول ان هنالك علاقة قوية ووثيقة بين الامرين لأن البلدان الثلاثة التي تحدثنا عنها کانت تمثل الزوايا الثلاثة الاساسية لمثلث العروبة و للواقع العربي ولا زالت تؤثر بصورة أو بأخرى على الواقع العربي وان هذه البلدان الثلاثة کانت من البلدان العربية المهمة وصاحبة الشأن في مضمار العلاقات السياسية والاقتصادية والعسکرية على الصعيد الدولي وکانت لها تأثيراتها القوية (سلبا او إيجابا) في صياغة التوازن الاستراتيجي الاقليمي والدولي بسياق يخدم الامن القومي العربي والمصالح العربية العليا وقطعا ان هذه البلدان الثلاثة وبسبب من مواقفها الفکرية السياسية المناهضة للولايات المتحدة الامريکية واسرائيل، فقد کان على الدوام مستهدفة من قبل دول الغرب بشکل عام والولايات المتحدة بشکل خاص وهذه البلدان مع إحترامنا الشديد وتقديرنا العميق لما قدمته من جهد لخدمة المشروع القومي العربي، لکنها للأسف لم تکن موفقة في التخطيط لسياسة تستند اساسا على منهج علمي ـ واقعي وتحاول تخطي بعض الحالات الشاذة في العلاقات الدولية (کعلاقات دول الغرب بإسرائيل) من أجل ذلك، بل وانها وبخلاف ماکان مطلوبا منها بحکم المنطق والواقع سارت بطريق معاکس الاتجاه وهو ما اوقعها في اخطاء وجعل العرب هم الذي يدفعون ثمن تلك الاخطاء من خلال منح العرب مرکزا ثانويا في التوازن الاقليمي (من منظور الرؤية الدولية) وهنا تجدر الاشارة الى أن الدول العربية التي کانت تحتفظ بعلاقات حسنة مع الغرب وبحکم التشتت العربي الرسمي وتبعثره على جبهتين متباينتين، ولکون هذه الدول لم تکن موافقة إطلاقا وبأي شکل من الاشکال ان تفرط بالحق العربي ولا بشبر من أرض فلسطين (کما کانت تحاول دولا أو احزابا عربية ان توحي بذلك) فإنه لم يکن من السهل عليها فرض أجندة أو مجرد رؤى عربية على الخطوط العامة والاساسية للسياسة الدولية خصوصا وان الغرب ومن خلفه صنيعته اسرائيل کان يدرك جيدا عمق الاحساس القومي لدى القادة العرب بشکل عام فيما يتعلق بالمسائل ذات البعد القومي وان مواقف الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز من قضية القدس بشکل خاص وقضية فلسطين بشکل عام کانت حقيقة ماثلة للأعداء قبل الاشقاء والاصدقاء ومن هنا فإن تحرك هذه الدول قبالة الغرب کان أيضا يمر من ممرات معقدة جدا وصعبة الاجتياز، لکن العامل الاهم من ذلك هو انه لم تکن هنالك ثمة رؤية عربية محددة متفق عليها بين الدول العربية کقاسم مشترك أعظم فيما يتعلق بالموقف من القضايا المصيرية يمکن استخدامها وتوظيفها کخطة عمل سياسية في المحافل الدولية وانما کان الامر برمته عبارة عن مجموعة خطوط ومسارات متضاربة وغير واضحة بالنسبة للسياسة الدولية التي تتعامل بفن الممکن لکن هنا لم يکن هنالك أي ممکن بل کان الخط العام للخطاب اما کل شئ او لاشئ!
*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق