الجمعة، فبراير 20، 2009

الحياة السياسية الحزبية العربية، هل تنتقل من الجعجعة الى الفعل ؟

نبيل عودة

*الخطاب السياسي للأحزاب العربية معزول عن الهموم اليومية للجماهير * انتخاب حنين زعبي انجاز تاريخي للتجمع * رفع شأن المرأة ، يعطي دفعة قوية للتغيير *
حين أنظر الى واقعنا ، كمواطنين عرب فلسطينيين في اسرائيل ، وطروحاتنا السياسية ، واسلوب تعاملنا مع هذا الواقع ، الذي لم يعد يحتاج الى براهين حول ما نواجهه من سياسات سلطوية تمييزية ، اصاب بالحيرة .. اصاب بصعوبة في استيعاب منهج التفكير الذي يوجه أحزابنا وقياداتنا البرلمانية والحزبية والبلدية ومختلف اللجان والمؤسسات والهيئات.
لا أتهمهم بالقصور في طرح مشاكلنا . العكس هو الصحيح . يملأون اعلامنا المحلي والاسرائيلي عامة ، والفضائيات العربية دائما ، بطروحات صحيحة حول واقعنا ومطالبنا. السؤال ، هل ينتبهون لفحوى خطابهم السياسي ، واهمية تجنيد اوساط يهودية عقلانية ودمقراطية الى جانب مطالبنا ، بدل ان ندفع أوساطا متزايدة لأحضان ليبرمان الفاشي وأشكاله ؟
السؤال الذي يطرح نفسه تفرضه الظروف غير العادية التي نواجهها اليوم بعد ما اتفق على تسميتها بحرب غزة. أين نقع جغرافيا من الناحية السياسية ؟
التصريحات التي ملأت اعلامنا ربما جلبت فائدة للأحزاب العربية ( هل يشمل الحزب الشيوعي نفسه ضمن الأحزاب العربية ؟ يبدو ان الجواب ايجابي . لو وصف الحزب الشيوعي والجبهة بقائمة عربية في فترة القيادة التاريخية للحركة الشيوعية ، والتي أقيمت الجبهة بفترتها ، لقامت ضجة كبيرة لتصحيح التسمية ، ورفض وصم الحزب والجبهة بصبغة قومية منفردة ، والإصرار على الصيغة الأممية كحزب وجبهة يهودية عربية ، عربية يهودية . يبدو ان هذه التسمية لم تعد قائمة الا شكليا ، وترعب الطامحين داخل هذا التنظيم ، في الوصول الى البرلمان . ) .
أجل تقلص التصويت العربي للأحزاب اليهودية .. وأرى بذلك علامة ايجابية. وللأسف ان واقع التصويت في اوساط ابناء الطائفة المعروفية ما زال يراوح مكانه .. ولا بد من الانتباه لهذه الحالة غير المقبولة .
الأحزاب العربية أعلنت انتصارها.. لا أعرف ما هي معايير الانتصار . لو أكتفوا بتعبير النجاح ، لكانوا أكثر واقعيين . الانتصار يعني تغيير جذري لواقع قائم . ما الذي تغير في واقع جماهيرنا العربية ؟ هل هزمنا سياسة الاضطهاد القومي ؟ هل انجزنا المساواة الكاملة..؟ هل بدأت تتحول بلداتنا من فنادق مبات للعمال الى بلدات انتاجية يقصدها العمال من مختلف المناطق للعمل والارتزاق؟ هل أنجزنا اقامة جامعة عربية في اسرائيل ، تفتح الأبواب امام الاف الطلاب العرب وغير العرب للدراسة الأكاديمية واجراء الابحاث متعددة الأهداف وتطوير مجتمعنا وبنيتنا التحتية العلمية والاقتصادية ؟هل فرضنا على السلطة في اسرائيل الإقرار بالحقوق القومية لشعبنا الفلسطيني ، باقامة دولته المستقلة ، على اساس حدود الرابع من حزيران 1967 ؟
اولا ، قبل التوسع بالموضوع ، لا بد من اشارة هامة جدا ، وهو وصول أول امراة عربية عن طريق حزب عربي الى البرلمان في اسرائيل. هذا الانجاز الذي حققه حزب التجمع الوطني يستحق التقدير الكبير ، وستكون نتائجه كما آمل ، بالغة الأهمية على اعادة برمجة تفكيرنا الاجتماعي من قضايا المرأة والمساواة في الحقوق المدنية والاجتماعية للنساء العربيات ، واحداث دفعة هائلة في مكانة المرأة العربية .
حقا ميرتس سبقتنا في ادخال امرأة عربية ، ثم تبعها حزب العمل . ولكن الفرق الجوهري اليوم ، هو وصول امرأة عربية متحررة من سياسات التبعية لأحزاب يهودية ، ما يشغلها بعيد عن حقوق المرأة العربية.رغم اني ارى بايجابية كاملة ما قامت به عضوا الكنيست العربيتان السابقتان .
المحزن ان الحزب الشيوعي الذي تميز برفع الشعارات التاريخية المبدأية الصحيحة حول المرأة ، يتخلف في هذا المجال.. ودائما يرشح المرأة في أول مكان غير مضمون .
ويناقض نفسه ، ويفوته قطار الأولوية ، وهذه نقطة بالغة الأهمية على مستقبل التنظيم ... وسيكون لذلك انعكاسات على الواقع السياسي والحزبي العربي في اسرائيل ، اذا أحسنت عضو الكنيست العربية حنين زعبي في جعل قضايا المرأة العربية تحتل جوهر نشاطها البرلماني ، وأعتقد ان نشاطها في اطار جمعية اعلام ، كان نشاطا مثمرا وتجربة تطبيقية سياسية هامة ، أكسبتها آليات وخبرات ضرورية لنقل دورها الى قضايا حارقة ، مهملة نسبيا ، قضية المرأة في اسرائيل عامة ، والمرأة العربية على وجه الخصوص . وقد حان الوقت لجعل هذا الموضوع ، رأس حربة في نضالنا الاجتماعي والسياسي أيضا.
يجب عدم الاستهتار بهذا الانجاز السياسي . أقول ذلك رغم المساحة الواسعة التي تبعدني سياسيا عن حزب التجمع . ولكني لن أتردد في منح صوتي لهم في انتخابات قادمة ، على اساس نجاح عضو الكنيست زعبي في جعل قضية المرأة رأس حربتها البرلمانية . وغني عن القول ان رؤيتي الفكرية والسياسية ، لا ترى امكانية تطور مجتمع مدني حضاري في ظل بقاء المرأة في مرتبة متأخرة عن الرجل.. واستمرار التمييز ضدها من ابناء جلدتها ايضا ، وليس من السلطة فقط.
ولا بد من ملاحظة : تابعت تصريحات الأخت حنين زعبي في معركة الانتخابات ، ولم أشعر براحة من توجيه جهودها الاساسية في نقد قائمة الجبهة والحزب الشيوعي.وكنت وما زلت على ثقة ان الموضوع الاساسي من ممثلة نسائية عربية يجب ان يتركز على قضايا المرأة .
لا أقول ذلك دفاعا عن حزب او نقدا لحزب ، انما مجرد رؤية لحالة برلمانية طال انتظارنا لها. ويستحق التجمع التقدير الكبير لقراره الصحيح في وضع امرأة عربية في مكان مضمون لأول مرة في حزب عربي.
هذا انجاز تاريخي يستحق التقدير والانتباه .ومبروك لكل نساء شعبنا هذا الانجاز!!
نعود الى موضوعنا الأساسي.
المرحلة التي نمر بها ليست مرحلة عادية.. أو روتينية، بكل المقاييس.الجماهير العربية ما زالت تعاني ، وبشكل متزايد ، خاصة الآن ، في ظل الأزمة الاقتصادية الكونية .. من أزمة اقتصادية واجتماعية تزداد حدة .. والوسط العربي في اسرائيل يقع كله تقريبا في الأعشار الدنيا من السلم الاقتصادي – الاجتماعي.
البطالة بدأت تشتد والفقر آخذ بالاتساع ، وكالعادة ، ستكون جماهيرنا العربية الأكثر تضررا. الفقر يزداد في مجتمعنا بنسب أكبر من ازدياده في المجتمع اليهودي. . ويمكن الحديث عن تركز فقر رهيب في الوسط العربي.
مشاكل الاسكان تشتد وتصبح أكثر حدة .. العنف يتسع .. والاجرام ينتشر ويتحول الى آفة مستعصية على الحل في المستقبل المرئي .. وربما الأبعد أيضا .
بات من الصعب الحديث عن ترابطنا القومي.. وعن تآلفنا الاجتماعي.. روابطنا القومية الاجتماعية تتفكك . الطائفية تتفشى بشكل لا سابق لنا به .العائلية حدث ولا حرج ، حولت بعض بلداتنا الى ساحات حرب وقتال وضحايا ..
ان الوعي القومي الذي كان يبدو وطيدا وملزما يخلي مكانه أكثر وأكثر للتشرذم الطائفي والعائلي. واكاد أقول ، ويدي على قلبي .. اننا نفتقد تدريجيا الى الهوية القومية والاجتماعية الجماعية ، وهذا ملموس بقوة في الأوساط الشابة والأجيال الصاعدة.
وارجو ان ينصت قادة الأحزاب للإنتقاد .. وان يقللوا من الجعجعة الصاخبة والطحن القليل. ان خطابكم السياسي في مضمونه الأساسي أصبح عاجزا عن تعبئة كوادر أحزابكم .. فكيف ستؤثرون على مجتمعكم باتجاهات ايجابية ؟ صحيح ان أحداث غزة أعطت دفعة سياسية وطنية .. ولكن النجاح الجماهيري في مظاهرات الاحتجاج لم يكن بسبب خطاباتكم السياسية ، بل بسبب الألم والغضب لما جرى في غزة.
انطلقت في نفس الوقت أصوات لم تقدم غير المزيد من الانعزال للعرب في اسرائيل . ان سياسة الانعزال تهددنا بالمزيد من الفقر والتشرذم. والوضع في بلداتنا العربية هو بارومتر لهذه الأصوات النشاز التي تطلق الزعيق بلا تفكير.. عشرات المطاعم أغلقت او ستغلق بسبب غياب السياحة اليهودية. هذا ليس انتصارا ، بل انتحارا. السياحة الداخلية ثؤثر أيضا على المرافق الاقتصادية المختلفة ، فنادق ، مطاعم ، محلات تسوق، مواصلات وغيرها الكثير ... هل من المستحيل طرح موقف يدين العدوان على غزة ،ونتظاهر ونحافظ على الحياة الطبيعية للوسط العربي ، دون ظواهر صبيانية الحقت الضرر بنا ودمرت ممتلكات عامة تخصنا، وأرعبت كل من كان يفكر بدخول بلداتنا حتى لا يتعرض للإعتداء؟ هل من الطبيعي هذا الانفلات الصبياني في شوارعنا ، وحرق صناديق سحب الأموال ، ورجم البنوك بالحجارة ومحاولات حرقها ، وحرق حاويات القمامة واطارات السيارات ، والاعتداء على محلات لأنها بملكية شركات يهودية ، رغم انها تشغل مئات العمال العرب؟
السؤال الذي يقلقني ، أين قيادات الأحزاب العربية من حالة التسيب في شوارعنا ، تحت مظلة الاحتجاج؟ وهل الاحتجاج يعني الانتحار الذاتي والانعزال المدمر لحياتنا واقتصادنا؟ هل تتوقعون سياحة من المريخ ليستطيع أصحاب المصالح في البلدات العربية الترزق واعالة عائلاتهم ، وتشغيل عشرات العمال من نفس البلدة ؟
كنا نتظاهر في الماضي أيضا ، ولم تكن شعاراتنا أقل عنفا وثورية ، ولم نكن أقل جرأة واندفاعا اذا اقتضى الأمر .. ولكننا كنا مسؤولين عن تصرفاتنا وعن الحفاظ على الانضباط في الشارع والالتزام بانجاح المهمة النضالية ، وعدم التعرض بلا مبرر للصدام مع الشرطة .. وعن صيانة نظافة بلداتنا من الغوغائية والتسيب. وعن ضمان استمرار التعامل مع الوسط اليهودي ، الذي لا مفر لنا منه، وتجنيد عناصر يهودية عقلانية ودمقراطية الى جانب نضالاتنا.. ولم نكن أقل بطولة ، بل كانت بطولتنا بانضباط وتحكيم العقل .. وبتنسيق وبمنع للتصرفات العشوائية المضرة بنضالنا أولا !!
ما أراه ان أحزابنا ، رغم طروحاتها القومية ، معزولة عن الهموم اليومية للجماهير العربية. وتحول كل تحرك الى نشاط اعلامي أولا لخدمتها في الانتخابات المقبلة. بمثل هذه العقلية ستبقى قضايا مجتمعنا الجوهرية ، ساحة للمنافسة على تسجيل نقاط تنفع للإنتخابات ولا تنفع في انجاز المطالب.
وآمل ، على الأقل ، ان يكون طرح قضايا المرأة العربية .. أبعد من سياسة التنافس ، وأقرب الى الجوهر الملح .. لأني على قناعة ، ان رفع شأن المرأة في مجتمعنا ، سيقود الى اعطاء دفعة قوية ،للتغيير الاجتماعي الوطني الذي نصبو اليه.

نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com


ليست هناك تعليقات: