الأحد، فبراير 22، 2009

نحو مرجعية اسلامية عربية

محمد علي الحسيني

ترتبط مسألة التشيع عند قطاع عريض من الشارع الشعبي العربي بجذور غير عربية و ينظر الکثير الى التشيع أساسا على أنه إبتداع من خارج الواقع العربي لأهداف و أغراض محددة وقد طرحنا في لقاءات صحفية و إذاعية و مقالات سابقة لنا مسألة أصالة الجذور العربية للتشيع و اوضحنا بأن التحويرات و التطويرات و الاضافات اللاحقة التي ألحقت بالتشيع کانت فرعية و جانبية و کانت مجرد تابع للأصل الرئيسي الذي ولد و برز و ترعرع عربيا.

والذي دفع الکثيرين للوصول الى هکذا قناعة هو الدور البارز الذي لعبه العديد من العلماء الشيعة المنحدرين من أصول فارسية عبر مراحل عديدة من التأريخ، لکن السعي لإستقراء واقعي و دقيق و بعيد عن کل أشکال العصبية و التعصب يدفعنا لتسليط الاضواء على المرحلة الصفوية و تلك المرام و الاهداف السياسية التي تغلب عليها ابعاد قومية محددة سيما وان الشاه اسماعيل الصفوي کان صاحب مشروع سياسي ـ فکري خاص به رکز فيه أيما ترکيز على ضرورة منح إيران دورا و حجما أکبر من الذي تملکه حيال الدولة العثمانية وسعى الشاه اسماعيل من خلال الضغوط التي مارسها على رجال الدين الشيعة الفرس لدفعهم بسياقات معينة تخدم طموحاته و تطلعاته لخلق إمبراطورية فارسية تعيد الامجاد الغابرة، ومما لاشك فيه أن الشاه اسماعيل قد تمکن و بشکل لا يقبل الجدل من أخضاع المرجعية لتطلعاته السياسية ذات الطابع القومي وهذا الامر قد إنسحب بصيغة أو أخرى على مراحل تأريخية أخرى متقادمة مما ولد غشاوة و ضبابا ساهم في الالتباس و الحيرة للاقرار بخصوص العديد من المسائل المهمة و الحساسة، ومثلما أن السلاطين العثمانيين قد عملوا کل مابجهدهم من أجل إبراز العنصر الترکي کمرجعية أساسية في عملية القيادة و عملوا على إضعاف أو تهميش الدور العربي لأخواننا من أهل السنة، فإن الامر ذاته قد حصل على الصعيد المقابل حيث جرت عملية سياسية ـ عقائدية خاصة کان الهدف الاهم فيها هو إضعاف الدور العربي على صعيد المرجعية و جعله مجرد تابعا أو ظل فرعي، وفي کلتي الحالتين فإن الخاسر الاکبر کان العرب حملة الرسالة الاساسيين و أصحاب القضية الاصليين، لکن إخضاع المسألة الدينية للطموحات القومية کما جرى مع الدولتين العثمانية و الصفوية قد ساهم و بشکل غير عادي في تحريف الکثير من المسلمات و البديهيات الاسلامية ـ العربية و تجسيدها في أشکال و أنماط و محتويات تقترب أحيانا من تشويه مقصود سيما وان في الحالتين(الفارسية و الترکية)قد تم الترکيز و بشکل إستثنائي على العديد من المسائل التي تبين قصور العرب و تخلفهم في عملية قيادة الامة الاسلامية وهو أمر أبعد ما يکون عن الحقيقة و محض إفتراء و تلاعب بالحقائق التأريخية الناصعة إذ أن المسلمين العرب الذين حملوا الرسالة المحمدية النبيلة الى أصقاع الارض المختلفة و هدوا الامم و الشعوب المختلفة الى نور التوحيد و کرموهم بهذا الدين الحنيف، لم يلعبوا دورا سلبيا في إخضاع تلك الاصقاع لمبادئهم السامية و إنما وجدت تلك الامم و الشعوب نفسها مبهورة و مأخوذة بهذه الافکار و الطروحات السامية التي تلبي الطموحات الانسانية ومما لاشك فيه أنها قد فوجئت بتلك المعاملة الانسانية التي لم يشهد التأريخ لها مثيلا وهو أمر ساهم في إهتداءها للإسلام.

إننا لسنا نشکك في أسلمة أخواننا من الفرس والترك لکننا نشير و بشکل واضح لا لبس فيه الى تلك المراحل التأريخية التي لعبت فيها بعض الشخصيات التأريخية دورا سلبيا تجاه الزعامة و الريادة العربية للمشروع الاسلامي والذي ولد و ترعرع و نشأ في بيئة و أجواء عربية تغلب عليها کل السمات و الطباع الانسانية، لکن الطموحات السياسية الضيقة لبعض من الشخصيات قد عملت على التشکيك في الشکل و المحتوى الايجابيين للدور العربي و سعت للصعود على حسابه و على حساب الحقائق التأريخية ومن هنا فإننا في المجلس الاسلامي العربي ندعو و بکل قوة الى إعادة التأکيد على الدور العربي على صعيد المرجعية الاسلامية وانهم الاجدر بقيادة الامة الاسلامية صوب شطئان الخير و النجاة. وان المزيد من اليقظة و الحذر فيما يتعلق بقضية التأکيد على مرجعية اسلامية عربية رشيدة سواء سنية کانت أم شيعية، تکاد تکون من الاولويات الملحة التي من المهم وضعها على رأس قائمة الاهتمامات العربية خصوصا وان الساحة الاسلامية تشهد إجتهادات في تأويل بعض القضايا المهمة و الحساسة رغم أنه من الممکن أن تکون بعضها أشبه بشطحات سطحية بعيدة أشد البعد عن روح و جوهر الاسلام وهي لاتخدم شأنا عربيا کما خدمت و تخدم شؤونا و أجندة إقليمية و حتى دولية ومن هنا فإن التأکيد على إبراز الدور العربي في المرجعية الاسلامية على مختلف الاصعدة أمرا حيويا في منتهى الاهمية وهو بمثابة صمام الامان للکثير من المسائل البالغة الاهمية و الخطورة کمسألة الامن القومي العربي.

* الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
alsayedalhusseini@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: