الأربعاء، يناير 13، 2010

مقارنة بين أردوغان و"أبو الغيط

راسم عبيدات

.....المرة تلو المرة يثبت الزعيم التركي رجب طيب أردوغان،أنه يستحق لقب رجل العام عربياً وفلسطينياً،فأردوغان هذا رغم أن بلاده تربطها علاقات ومصالح كثيرة وحتى ذات طابع إستراتيجي مع أمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل،إلا أن هذا الرجل ما يجعله لا يرتعب أو يخاف على تلك المصالح والعلاقات،عندما يوجه انتقاداته الحادة إلى المواقف الإسرائيلية وسياساتها العدوانية تجاه شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية، هو أن هذا الرجل منتخب ديمقراطياً ولديه قاعدة جماهيرية عريضة،وشاهدنا ذلك بشكل واضح وجلي،كيف استقبلت الجماهير التركية رئيس وزرائها استقبال الأبطال،عندما أنسحب من منتدى دافوس الاقتصادي،احتجاجا على كلمة الرئيس الإسرائيلي"شمعون بيرس" والتي أشاد فيها بالحرب العدوانية على القطاع،بما فيها قتل النساء والأطفال الفلسطينيين،وبالتالي فهو لا يعبر عن موقفه وأرائه فقط،إنما يعبر عن نبض الشارع التركي،بعكس الزعامات العربية التي قال عنها الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب"بالدبابيس والصفع هذه الدمى واقفة"،فهي تعرف أن وجودها وتربعها على عروشها وكراسيها،ليس بفضل الجماهير العربية التي لا تترك وسيلة أو أسلوبا أو طريقة،إلا واستخدمتها من أجل قمعها وإذلالها،بل مدينة بوجودها وبقاءها للدعم الخارجي،الذي يحرص على وجودها خدمة لأهدافه ومصالحه.

ولو قارنا بين مواقف هذا الرجل وموقف وزير الخارجية المصري"أبو الغيط" من قضايانا العربية وفي قلبها القضية الفلسطينية،لوجدنا الفارق الكبير بين من يمتلك قراره المستقل ويعبر بشكل حر وواضح عن إرادته السياسية،وبين من لا يمتلك لا قرار سياسي ولا إرادته السياسية،بل يردد ويطبق وينفذ ما تمليه عليه القوى الخارجية المعادية لشعوبنا وأمتنا العربية،وفي المقدمة منها أمريكا وأوروبا الغربية التي هو مدين لها بالبقاء في منصبه وكرسيه،فإردوغان حمل إسرائيل المسؤولية عن حربها العدوانية التي شنتها على قطاع غزة في كانون أول/2008،ولم يتورع عن اتهامها بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين العزل في تلك الحرب،وبالمقابل وجدنا أن "أبو الغيط" كانت أساريره مبتهجةً،وهي يجلس إلى جانب وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة"تسيفي ليفني" في العاصمة المصرية،وهي تهدد بضرب وسحق المقاومة الفلسطينية في القطاع،وأيضاً أردوغان سعى بكل قوة من أجل وقف تلك الحرب العدوانية على شعبنا في قطاع غزة،في حين كانت مصر وبالتحديد"أبو الغيط" يريدون من شعبنا الاستسلام من أجل وقف تلك الحرب،والتي لم يتورع عن القول بأن المقاومة الفلسطينية وبالذات حماس هي المسؤولة عنها،وأردوغان انسحب من مؤتمر دافوس الاقتصادي احتجاجا على خطاب بيرس فيه،عندما أشاد بما حققه جيشه من إنجازات في القطاع في تلك الحرب،وقال له بأن قتل الأطفال ليس بالبطولة أو الشجاعة،في وقت بقيت القاهرة مفتوحة أبوابها لكل مجرمي الحرب الإسرائيليين.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد فتركيا سيرت قوافل إغاثة شارك فيها برلمانيون أتراك الى شعبنا المحاصر في قطاع غزة،وبالمقابل كانت مصر وعلى رأسها "أبو الغيط" تمنع وتعرقل دخول تلك القوافل الى قطاع غزة،بل لا تتورع عن قمعها واعتقال المشاركين فيها،وفي الوقت الذي لا يكف فيه أردوغان في كل فرصة أو مناسبة،إلا ويهاجم فيها قادة إسرائيل ويفضح ويعري سياساتهم العدوانية ضد شعبنا الفلسطيني،خرج علينا "أبو الغيط" في اجتماعه في القاهرة مع وزراء أوروبيين وعرب ليمتدح ويشيد ب"نتنياهو" وتوجهاته السلمية،وحاول أن يسوق بضاعة فاسدة،بأن "نتنياهو" على استعداد للعودة إلى حدود عام 67 والقبول بمناقشة موضوعة القدس واعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية،ومقابل ذلك كان يمارس ضغوطاً على السلطة الفلسطينية،ويطلب منها العودة للمفاوضات والتخلي عن شرط وقف الاستيطان،واستبدالها بشروط جديدة،يسهل على "نتنياهو" قبولها،وحتى وهو يعمل عراب ل"نتنياهو" ومن خلفه الإدارة الأمريكية،لم ينال ذلك رضا واستحسان "نتنياهو" وخرج ليقول بأن ما قاله "أبو الغيط" ليس له أساس من الصحة،وأنه لا عودة لحدود الرابع من حزيران،وأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل،بما يكشف كذب ودجل "أبو الغيط"،في حين وجدنا أن أردوغان شدد وصعد من لهجته وإنتقاداتة لإسرائيل،وقال بأنها لم تنفذ أكثر من مئة قرار دولي،وتضع نفسها فوق مقررات الشرعية الدولية،مما آثار حنق إسرائيل وغضبها،تجاه تصرفات رئيس الوزراء التركي،بالإضافة لبث التلفزيون التركي لأكثر من مسلسل،يصور فيها قتل الجنود الإسرائيليين للمدنيين الفلسطينيين بدم بارد،وكذلك تصوير أجهزة مخابراتها بأنهم خاطفو أطفال وقتلة،وهذا دفع الحكومة الإسرائيلية وبالذات وزارة الخارجية إلى استدعاء السفير التركي في تل أبيب من قبل نائب وزير الخارجية الإسرائيلي،والتعامل معه بشكل خارج عن كل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية،وبما يشتم منه محاولة إذلاله هو وحكومته،الأمر الذي دفع أردوغان بعد وقت قصير من تلك الحادثة إلى مهاجمة إسرائيل وسياساتها وممارساتها العدوانية تجاه شعبنا المحاصر في القطاع،ناهيك عن استدعاء السفير الإسرائيلي في أنقرة،وتوبيخه ومطالبته بأن تقدم إسرائيل اعتذارا عن ما قامت به من تصرف،تتعمد فيه إهانة سفيرها،والتعامل معه بشكل وقح وخارج عن الأعراف الدبلوماسية .

في الوقت الذي شاهدنا فيه حكومة "أبو الغيط"،رغم ما قامت به إسرائيل في كانون أول/ 2008،من عدوان سافر على شعبنا في القطاع،أستمر لمدة اثنان وعشرين يوماً،واستخدمت فيه كل أشكال وأنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً،وقتلت المئات من الأطفال والنساء عمداً وارتكبت جرائم حرب،حسب تقرير الأمم المتحدة،أو ما يعرف بتقرير"غولدستون"،فهذا لم يكن كافيا لحكومة "أبو الغيط" ليس لطرد السفير الإسرائيلي ،كما فعل الرئيس (العربي) الأمريكي اللاتيني "هوغو تشافيز"،بل وحتى لم يجري توبيخه على تلك الجرائم وعمليات القتل المتعمدة.

إن هذه المواقف الشجاعة والجريئة لرئيس الوزراء التركي"أردوغان"،تجعلنا نقول كشعوب عربية عامة وشعب فلسطيني خاصة،نريد "أردوغاناً" عربياً ،فنحن على المستوى الرسمي العربي نفتقد لمثل هذا القائد،فهذا يستحق لقب رجل العام 2009 ليس لتركيا،بل للأمة العربية من محيطها لخليجها،ومن العار والمخزي،أن تكف هذه الأمة العريقة عن الإنجاب لقادة عظام،بحجم "أردوغان"،ولتنجب لنا "مخاصي" يتربعون على عروش ممالكهم وإقطاعياتهم،همهم الأول والأخير توريثها لأبنائهم،حتى لو كان مجموعة من "الهبل والمعاتيه"،وشعوباً تقبل بمثل هذا الذل وتلك القيادات،أيضاً لا تستحق الحياة.

وعلينا أن نتعلم من حكومة الاحتلال،التي تفخر بقادة أجهزتها الأمنية،وفي المقدمة منهم "داغان مئير" رئيس الموساد ( الاستخبارات الخارجية،الذي اختارته القناة التجارية الثانية في التلفزيون الإسرائيلي كرجل العام 2009 في إسرائيل،على ما قدمه من إنجازات لحكومة إسرائيل،حتى لو كانت على شكل جرائم حرب وقتل عمد بحق أبناء شعبنا الفلسطيني والعربي من مدنيين ومقاومين.

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: