الثلاثاء، يناير 12، 2010

عادل إمام يتحدى الخيال التركي


د. فايز أبو شمالة
عناصر من الموساد الإسرائيلي يهاجمون سفارة تركيا في إسرائيل، ويأخذون السفير التركي وعائلته رهائن، هذه مشاهد خيالية، وردت في المسلسل التركي الذي أغضب إسرائيل، فعمد نائب وزير خارجيتها "داني أيالون" إلى استدعاء السفير التركي، وتأنيبه على ما يعرض في بلاده من مسلسلات خيالية لا تمت إلى الواقع بصلة. وتعمد نائب وزير الخارجية إن يرسل رسالة شديدة اللهجة إلى الأتراك من خلال تحقير سفير بلادهم، فاستدعاه إلى مكتبه الفاخر، وأجلسه أمامه على كرسي صغير، دققت في المشهد الذي عرض على موقع صحيفة يدعوت أحرنوت، فلم أجد كثير فرق بين الخيال الذي ورد في المسلسل التركي عن اختطاف السفير، وبين الواقع الذي يهان فيه السفير التركي في مكتب "داني إيالون"، وكأنه مختطف!.
إسرائيل تتهم المسئولين الأتراك بأنهم وراء مثل هكذا مسلسلات تتأثر بالتصريحات السياسية، ولا تريد أن تفهم أن الفن تعبير عن واقع، والواقع العربي، والتركي، والإنساني بشكل عام، ارتقى بحسه الفني، ووجدانه، إلى حد التعبير الشفاف عن الكراهية لكل قاتل، ومجرم، ومغتصب، ومتكبرٍ، وظالمٍ، وعدواني، ولم يعد يدفن الفن رأس الواقع في الرمال، ولم يعد الممثل يضحك على عقل الناس كما فعل الممثل الهزلي "عادل إمام" بدعوته للكتاب والصحفيين والممثلين المصريين والمثقفين للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية، والمؤتمر الجماهيري، الذي يقام‏ على مسرح الزعيم,‏ لتشديد الحصار على غزة، والتنديد بالمقاومة الفلسطينية، وحركة حماس التي صارت تهدد الأمن القومي المصري. لقد رفض المصريون التجاوب مع هذه الدعوة، وهذا مؤشر على واقع بدأ يتغير، ولاسيما أن دعوة الهزلي "عادل إمام" لم يحضرها من عدد خمسة آلاف ممثل وممثلة في مصر، إلا اثنان فقط، هما: "محمد هنيدي" و"لبلبة"، ومن بين عشرة ألاف كاتب عضو في نقابة الصحفيين، وإتحاد كتاب مصر لم يحضر إلا واحد هو: "يوسف معاطي"، ولم يشارك من عدد 2500 فنان تشكيلي أي أحد.
قبل أكثر من ألفين وخمسمائة سنة، كان المسرح في بلاد الإغريق يقدم مسرحيات هادفة مثل: عقدة "أوديب" للكاتب "سيفوكليكس" التي تركت أثرها الدامي في النفس البشرية، لقد مكنت تلك الثقافة الملتزمة قبل ألفين وخمسمائة سنة من بلورة شخصيات قيادية تاريخية مثل "الإسكندر المقدوني" فإذا وصلنا إلى القرن الواحد والعشرين، والتفتنا إلى مهازل "عادل إمام" وأمثاله وهم يقدمون لعشرات السنين مسرحيات بلا مضمون، وبلا قيمة فينة، ولا هدف لها إلا إفراغ الإنسان من انتمائه الصادق لتاريخه العربي الإسلامي، وخلق جيل يائس بائس ضعيف غارق في الوهم، يسهل السيطرة عليه، والقبض على روحه.
لقد انكسر عهد "عادل إمام"، كأنه فقاعات هواء تنفجر، تطاير كي يندثر، والأمة تشرف على نهضة فكرية، وثقافية، وفنية، تطلق العنان لخيال يشق الدرب، ويخصب الأرض لنمو شخصيات عربية قيادية تحاكي واقعاً يحلم بالكرامة، وتجاري خيالاً يطمح إلى المجد.
fshamala@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: