الجمعة، يناير 15، 2010

العرب وايران


السيد محمد علي الحسيني


لم تكن العلاقات العربية الإيرانية في يوم من الأيام طبيعية بل كانت على الدوام علاقة صراع ونزاع، على الرغم من فترات هدوء، بسبب السعي الإيراني الدائم للسيطرة على المنطقة العربية سواء عبر الحروب والاحتلال العسكري او عبر إذکاء حالات التمرّد ودعم الأحزاب في الدول العربية المختلفة. هذا السعي بدأ باكراً جداً ومنذ حين حاولت إيران السيطرة على المنطقة العربية بدلا من السلطنة العثمانية ولكنها خسرت معركة جالديران عام 1514. وبعد سقوط الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 ) وحلول الاستعمار الأوروبي للدول العربية واصلت إيران مساعيها لقضم أجزاء من الأرض العربية فاحتلت في العام 1925 إقليم الأحواز العربي على الساحل الشرقي للخليج العربي. وعندما استلم رضا شاه الحكم في ايران حاول تغيير الأبجدية العربية للغة الفارسية ولكنه فشل.وبعد تولي محمد رضا شاه ( بهلوي ) العرش الإيراني في العام 1941 بدأت مرحلة جديدة من الصراع وخصوصاً مع قيام الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين، فكانت إيران الداعم الأساسي لإسرائيل في المنطقة على حساب الحق العربي، حتى أنها انتهجت سياسة نفطية معادية لسياسة الملك فيصل في المملكة العربية السعودية الذي كان يربط بين سياسة إنتاج النفط لديها وبين الصراع العربي الإسرائيلي، لتعزيز الموقف العربي، في حين كانت سياسات الشاه تبدي اهتماماً كبيراً بالدعم الذي كان يتلقاه من الولايات المتحدة لمؤازرة إسرائيل. وبعد أربع سنوات على هزيمة 1967 واحتلال إسرائيل لاراضٍ عربية شاسعة، وتحديدا في العام 1971 احتل الجيش الإيراني الجزر الإماراتية الثلاث، أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وهي ذات موقع استراتيجي في قلب الخليج العربي.

سقط نظام الشاه في العام 1979 ليحل محله نظام الخميني الذي حمل معه منذ البدايات تناقضاً حاداً في التعامل مع العرب، فمن جهة حول إيران من الصداقة مع إسرائيل إلى العداء معها، ومن جهة ثانية حافظ على احتلاله للأرض العربية، تماماً كعهد الشاه.

ولو تمعنّا في الأمر لوجدنا أن العداء لإسرائيل كان الذريعة للدخول على خط الصراع العربي الاسرائيلي ولعب دور فيه يصب في نهاية المطاف في المصلحة الإيرانية.

إن أخطر ما خرج به النظام الإيراني الناشىء شعار تصدير الثورة وكان الهدف الأول المنطقة العربية من البوابة العراقية التي يجعل سقوطها لو حصل آنذاك إيران في قلب منطقة الخليج العربي. ومن العراق انتقل التدخل الإيراني إلى سائر الدول العربية في الخليج والمشرق والمغرب.

في العراق بدأت طهران باكراً بتأسيس حركات ومليشيات وأحزاب لتكون أدواتها في تنفيذ مخططاتها الرامية إلى زعزعة أمن واستقرار العراق, ومن أبرز تلك الحركات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وجناحه العسكري فيلق بدر کما أنها اخترقت معظم الأحزاب الشيعية العراقية الأخرى وجعلتها بصورة أو بأخرى خاضعة لنفوذها. وقد أدى نشوب الحرب العراقية الإيرانية إلى إفشال مخططات قلب النظام بالقوة، إلى أن وجد الإيرانيون فرصتهم السانحة في العام 2003 فنسّقوا مع إدارة جورج بوش لتسهيل احتلال العراق وقد عبر عن ذلك صراحة مرشد الثورة علي خامنئي في تصريحه المعروف والذي قال فيه :"لقد نقضت أمريكا ما اتفقنا عليه". واليوم يعاني هذا البلد من انقسام عميق تساهم في تغذيته طهران من خلال القوى الموالية لها.

في دول الخليج العربي برز أن لإيران سياسة ذات أطماع واضحة في السيطرة والهيمنة على الشريان الحيوي في الوطن العربي والعالم. وذلك من خلال الادعاءات الإيرانية في أحقيتها بالبحرين والجزر الإماراتية الثلاث ووصف الخليج العربي بالخليج الفارسي. وعندما حاولت دول مجلس التعاون الخليجي فتح حوار مع إيران وحضر الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد أول قمة للمجلس، كان أول ما طالب به هو إلغاء تأشيرة الدخول للإيرانيين إلى الدول الست بهدف تغيير ديمغرافيتها. ومن جهة ثانية تعتبر طهران أن أمن الخليج يجب أن تتولاه الدول المطلَّة عليه، أي إيران نتيجة لتعاظم قوتها العسكرية.

في سائر الأقطار العربية حددت إيران الخميني وخامنئي علاقاتها بها منذ البداية بمواقف تلك الدول من حربها مع العراق ونتيجة لذلك كانت إيران أكثر انفتاحاً في علاقتها مع سوريا وليبيا.إلا أن علاقاتها تكاد تصل حدّ القطيعة مثل العلاقة مع مصر أو بروتوكولية مثل العلاقة مع الاردن. وتنفيذاً لمبدأ تصدير الثورة كان لها دور في دعم الجماعات الإسلامية في الجزائر مثلاً أو في دعم جماعة الحوثي في اليمن. كما برز دور إيران على الساحتين الفلسطينية واللبنانية بصورة الداعم لمقاومة حماس في فلسطين, وكذلك لمقاومة حزب الله في لبنان،إلا أن موقف إيران كان بالضدّ من المقاومة الوطنية العراقية مع كونها تقارع المحتلّ الأميركي.

إن سياسة تصدير الثورة الإيرانية ما زالت مستمرة على الرغم من هذه الثورة باتت موضع شك داخل إيران نفسها، وبينت الأحداث المستمرة منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة حجم التمرّد والانتفاضة على النظام القائم وعلى التناقض الواضح بين منطق الثورة ومنطق الدولة. ولكن على الرغم من ذلك تستمر طهران بدعم أحزاب وحركات مناهضة للانظمة العربية بهدف زعزعة استقرارها، وتدير " المنظمة العالمية لحركات التحرير الإسلامية " ومركزها قم عدد من هذه القوى ومنها : حزب الدعوة العراقي، جبهة العمل الإسلامي ,وحركة أحرار البحرين، المنظمة الثورية لشبه الجزيرة العربية في السعودية، حزب الله في كل من لبنان والكويت والسعودية والعراق والبحرين وفلسطين، جماعة الحوثي في اليمن، جيش الحراس ومنظمة النصر في أفغانستان، كما تدعم أحزاباً مناوئة في كل من مصر والجزائر وتونس والسودان والمغرب

ليست هناك تعليقات: