الخميس، يناير 21، 2010

أوباما وأولوية ضوابط الحكم على برنامج الحاكم

صبحي غندور


لم تكن "الإنجازات" حتماً هي معايير اللجنة التي قررت منح باراك أوباما جائزة نوبل للسلام، فترشيحه للجائزة حصل في أيامه الأولى بالبيت الأبيض (شهر فبراير 2009)، إنّما حمل منح هذه الجائزة معنى "إدانة ذات مفعول رجعي" للإدارة السابقة كونها كانت "إدارة حرب" فجاء أوباما للرئاسة ببرنامج معاكس لها، ونال بسبب ذلك "جائزة السلام".

مضى عام على وجود إدارة أوباما في الحكم ولم تحدث متغيّرات جذرية في السياسة الأميركية، فهل مَرَدُّ ذلك أوباما شخصياً أم الظروف والإمكانات التي يعمل من خلالها؟ السؤال مهمٌّ لأنّه يرتبط بحجم الآمال الكبيرة التي وضعتها شعوب كثيرة على فوز أوباما. فالفارق شاسع بين خيبة الأمل بالشخص كمبدأ وبين تفهّم الظروف المحيطة به مع استمرار الأمل بتغيير نحو الأفضل.

كتبت في العام الماضي عن الرئيس أوباما، بعد فوزه بالانتخابات، أنّه سيكون "قائد سيّارة جيد" لكنه سيبقى محكوماً ومنضبطاً ب"قوانين السير الأميركية" وبالطرق المعبّدة سلفاً أمامه للسير عليها، وفي السرعة المحدّدة له، وبضرورات التزامه ب"إشارات الضوء" وتنقّلها المتواصل من الأخضر إلى الأصفر فالأحمر!.

يبدو الآن، بعد عام على ذلك، أنّ "الضوء الأحمر" هو الأكثر استعمالاً على طرقات عمل الرئاسة الأميركية! فرغم صدق نوايا الرئيس أوباما يواجه برنامجه الداخلي صعوبات عديدة، بينما لا يزال الكثير من توجّهات التغيير في السياسة الخارجية التي كان يدعو إليها مجرّد خطب وكلمات.

لقد كانت إدارة بوش، بلا أيّ شك، بمثابة كابوس على العالم كلّه وعلى العرب تحديداً، لكن لم يكن من المفروض الاستيقاظ من هذا الكابوس للوقوع في "أحلام اليقظة" والأوهام بأنّ إدارة أوباما ستحمل معها الخلاص والسلام لأزمات المنطقة والعالم.

صحيحٌ أنّ تغييراً إيجابياً قد حدث فعلاً على الصعيد الدولي في ظلّ إدارة أوباما، بوقف سياسة إدارة بوش الإنفرادية الدولية وبعدم المراهنة على نظرية "الحروب الاستباقية" لتحقيق أجندات خاصة كانت موضع نقد حتى من داخل الحزب الجمهوري نفسه، لكنّ ما حدث في الولايات المتحدة من انقلاب ثقافي سمح بوصول مواطن أميركي أسود، ابن مهاجر إفريقي يحمل اسم حسين، إلى سدّة "البيت الأبيض"، لم يكن أيضاً انقلاباً سياسياً في الشؤون الخارجية الأميركية. فالولايات المتحدة بغضّ النظر عن الشخص الذي يحكمها ستبقى حريصةً على دورها القيادي في العالم وعلى حماية مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية في الشرق والغرب، وعلى استمرار وجودها الفاعل ودورها المميز في الشرق الأوسط.

وما يُسجّل لباراك أوباما أيضاً في سنته الأولى بالحكم هو اعتماده لنهج الاعتدال ضدّ فكر التطرّف الذي ساد طيلة إدارة بوش السابقة، ففي نهج أوباما إمكانات كثيرة لإضعاف فكر التطرّف والعنصرية في عموم العالم.

لكن هذا "النمط الأميركي الثقافي اللاعنصري المعتدل" الجديد واجه تحدّيات داخلية كثيرة في السنة الأولى من حكم "البيت الأبيض"، أبرزها الشعور العنصري الدفين في المجتمع الأميركي مقابل ما عليه أوباما من أصول إثنية أفريقية، ودينية إسلامية (لجهة والده)، ثم برنامجه السياسي والاجتماعي المتناقض مع برنامج اليمين المحافظ الأميركي، إضافةً إلى الانقسام السياسي التقليدي في أميركا بين "ديمقراطيين" و"جمهوريين" وما في كلِّ معسكر من برامج صحّية واجتماعية واقتصادية مختلفة، وتأثيرات هامّة لشركات كبرى ومصالح ونفوذ "قوى الضغط" الفاعلة بالحياة السياسية الأميركية.

مشكلة أوباما الآن هي ليست مع خصومه وخصوم حزبه التقليديين فقط، بل هي أيضاً في داخل "المعسكر" الذي ساهم بوصوله إلى سدّة الرئاسة. فأعداد كبيرة من المستقلين وجيل الشباب الأميركي كانت معه من أجل تغيير شامل ولوقف حروب أميركا الخارجية، وهي أمور لم تحدث طبعاً في فترة العام الأول. كذلك بالنسبة للأوضاع الاقتصادية حيث كانت توقّعات الناخبين لأوباما أكبر من الممكن فعله لتحسين الاقتصاد الأميركي.

العوامل ذاتها التي ساعدت على فوز أوباما بانتخابات الرئاسة هي المسؤولة الآن عن تراجع شعبيته. فحجم سيّئات إدارة بوش وشموليتها لأوضاع أميركا الداخلية والخارجية، كانت لصالح انتخاب أوباما، لكن عدم القدرة على إزالة هذه السيئات حتى الآن أضعف ويُضعف من قوّة التيار الشعبي المساند للإدارة الحالية.

لقد شكّلت شخصية أوباما خلال الحملة الرئاسية الانتخابية رمزاً لمزيج يجمع الأميركيين ولا يفرّقهم، يوحّد ما بينهم ولا يزيد في انقسامهم اجتماعياً وسياسياً وعرقياً. فأوباما الشاب المنتمي إلى الطبقة الوسطى والمدافع عن مصالحها، هو ابن مهاجر إفريقي يرمز إلى عشرات الملايين من المهاجرين الجدد إلى أميركا، وهو ابن أب مسلم أسود وأم مسيحية أميركية بيضاء اللون، وقد جمع بين مستوى عالٍ جداً من الدراسة الأكاديمية في أشهر جامعات أميركا وبين التطوّع والتفاعل العملي مع المحرومين من العلم والعمل. فانتصار أوباما كان رمزاً إلى المستقبل الذي يطمح إليه الجيل الأميركي الجديد. هذا الجيل الذي لم يجد في سنوات إدارة بوش إلا الحروب والفساد والانهيار الاقتصادي والانقسام الاجتماعي، وكلّها حالات تهدم الحاضر وتعيق بناء المستقبل.

لذلك كانت الآمال الأميركية كبيرة حين فاز أوباما بسدّة الرئاسة، تماماً كما كانت آمال شعوب عديدة في العالم بأن يكون فوزه بدايةً لعصر جديد في العالم. لكن أوباما هو رئيس أميركي للأمّة الأميركية وما لها من مصالح وأولويات في العالم، وما عندها من مؤسسات وقوى ضاغطة تصنع القرار في واشنطن.

أمّا بالنسبة للقضايا العربية فستضطرّ إدارة أوباما إلى التعامل معها بأسلوب مختلف عن إدارة بوش بمقدار ما تكون عليه المنطقة العربية من توافق على رؤية مشتركة لأزماتها المشتركة. فلن نرى، ما لم يحصل تغيير في الواقع العربي الراهن، تغييراً إيجابياً في السياسة الأميركية.

إنّ المشكلة، أولاً وأخيراً، هي في المراهنات العربية على الخارج و"متغيّراته" وفي انعدام القرار العربي بوضع رؤيةٍ عربية مشتركة، وكأنَّ النظام الإقليمي العربي مرتاح لهذا الواقع العجوز طالما أنَّه يحافظ على استمرار النظم والمصالح الخاصَّة الموروثة فيها!.

فالمشكلة ليست بواقع حال السياسة الأميركية في الشرق الأوسط فقط. المشكلة أصلاً هي في استمرار المراهنات على تغيير في الخارج بينما يبقى الجمود والركود سمة لازمة للمنطقة العربية وحكوماتها وسياساتها.

إنّ الحكومات العربية مدعوّة ليس فقط لوقف الصراعات بينها بل أيضاً لبناء رؤية عربية مشتركة، تتضمّن خططاً عملية لقضايا عديدة مشتعلة الآن في المنطقة ومحيطها. رؤية تحدّد الضوابط في الحركة السياسية والدبلوماسية، والسقف في التنازلات، وتجمع بين نهج التفاوض وحقّ المقاومة. رؤية تفرز بين العدوّ والخصم والصديق فلا تنجرّ الأوطان أو الأمّة إلى معارك هامشية تخدم الأعداء وتخسر فيها الأصدقاء. رؤية تتضمّن أساليب "الترغيب" و"الترهيب" معاً، فلا يبقى العرب في موقع الراغب بالسلام مع إسرائيل فقط بينما لا تكلّ إسرائيل عن ممارسة أسلوب "الترهيب" والمزيد من الإرهاب على العرب. رؤية عربية تُعبّر عن أوضاع دستورية سليمة تسمح بالتغيير السياسي السلمي وبحقّ الشعوب في صناعة مستقبل أفضل، فلا تلجأ إلى العنف، ولا تراهن على الانقلابات العسكرية، ولا تكتفي بالدعاء وحده على الحاكمين الفاسدين أو الظالمين!.

ليست هناك تعليقات: