الاثنين، يناير 25، 2010

المعارضة اليمنية، المشهد مختلف من الخارج

نقولا ناصر


(الانتظار والحياد اللذان تتميز بهما مواقف اللقاء المشترك اليمني المعارض قد جعلت دوره في الحياة السياسية يتآكل تدريجيا)


عندما تتحدث حكومات أجنبية (مثلا، السفير البريطاني تيم نور لوت في مؤتمره الصحفي الأخير في المركز الثقافي البريطاني بصنعاء) عن "الفساد المستشري" في اليمن وكونه "من أفقر دول الشرق الأوسط" ووجود "أعلى معدل للبطالة" فيه في المنطقة، ويدعو رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في الأول من الشهر الجاري إلى اجتماع دولي حول اليمن تستضيفه لندن أواخر الشهر، بموازاة مؤتمر مماثل حول أفغانستان ينعقد في اليوم نفسه، ومثل هذه الحكومات تفعل منظمات حقوق إنسان دولية، فإن المراقب العربي المتتبع لهذه الأحاديث والحلول "الخارجية" المطروحة لحل الأزمة اليمنية ، جملة أو كل أزمة من أزماتها على حدة، يتساءل عن دور المعارضة اليمنية وحلولها وعما إذا كان لديها ما تقوله أكثر مما يقوله "الأجانب"، و"المعارضة" المقصودة هنا طبعا هي تلك المعارضة "الشرعية" الممثلة في البرلمان كما تتجسد في أحزاب "اللقاء المشترك".



وعندما يقول "الأجانب" في الوضع والحكم اليمني مثل ما تقول فيه المعارضة الوطنية أو أكثر فإن قولهم بالتأكيد لا يكون لوجه الله ولا يمكن تبرئته من الغرض السياسي الواضح المتمثل بتسليط الأضواء على مسوغات "داخلية" للتدخل الأجنبي الخارجي في شؤون اليمن الداخلية، وتضخيم هذه المسوغات إعلاميا على ألسنة رسمية وحكومية أجنبية يؤكد بما لا يدع مجالا لأي شك وجود قرار خارجي بمثل هذا التدخل، إذا اعتبر المراقب من سيناريوهات مماثلة مهدت للاحتلال الأميركي للعراق وسقطت فيها "المعارضة العراقية" سقوطا جردها من الحد الأدنى لأي صدقية وطنية وحولها بوعي أو دون وعي إلى أداة للتدخل والاحتلال.



وبالرغم من المعارضة اليمنية الرسمية والشعبية الواسعة المعلنة للتدخل الخارجي، (باستثناء الصوت النشاز للحركة الانفصالية في الجنوب التي دعت الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي سالم البيض إلى مخاطبة مؤتمر لندن، من منفاه، باسمها من أجل تأييد انفصال الجنوب اليمني عن الوطن الأم) فإن مؤتمر لندن والجدل الدائر في الإدارة والكونغرس الأميركي حول اليمن ثم زيارة الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة العسكرية المركزية الأميركية لصنعاء مؤخرا وغير ذلك هي مؤشرات قوية إلى أن التدخل الأجنبي قد بدأ فعلا في اليمن، ونفي براون وبترايوس لأي تدخل كهذا إنما يؤكده أكثر مما ينفيه وليست تصريحات الرجلين عن الاقتصار على "دعم" اليمن سوى غلالة شفافة بالكاد تحجب نوايا بلديهما وخططهما.



ولا يمكن لأي غيور على اليمن أن يدعي معرفة بشعاب مكة فيه أكثر من أهله، أو أن يدعي حرصا أكثر عليه، وبخاصة أكثر من المعارضين منهم، لكن المشهد من الخارج يرى الأضواء مسلطة على "معارضة أخرى"، تظهر تمردا حوثيا في الشمال ثم حركة انفصالية في الجنوب وأخيرا "القاعدة"، معارضة أكثر حضورا، ويبدو أنها تنجح باضطراد في سحب القاعدة الجماهيرية المفروض أن تكون معارضة اللقاء المشترك هي القائدة لها، بقدر ما تقلص الدعم الشعبي للحكم نفسه، بينما لا يستطيع أي مراقب أن يجادل في أن اتساع هذه المعارضة "الأخرى" هو دليل فشل المعارضة "الشرعية"، وبينما اتساعها ثم لجوءها إلى العنف المسلح المتمرد على الشرعية والساعي علنا إلى الاستقواء بالخارج هو دليل فشل الحكم والمعارضة على حد سواء.



إن عدم دعوة "اللقاء المشترك" إلى مؤتمر لندن يشير إلى ضعف دوره أكثر مما يشير إلى حرص حكومة براون على التعامل الرسمي مع الحكومات فقط، إذ لا يعقل أن تكون حكومات أجنبية أحرص على اليمن من "اللقاء"، كما أن الحكومة اليمنية تضعف صدقية معارضتها للتدخل الأجنبي بموافقتها على حضور هذا المؤتمر في وقت تعلن فيه رسميا معارضتها لأي تدخل "عربي" ولو في شكل مؤتمر مماثل.



فالحكومة اليمنية التي أعلنت تأجيل مؤتمر الحوار الوطني الموسع الذي دعا إليه الرئيس علي عبد الله صالح إلى الثلاثين من الشهر الجاري، أي إلى ما بعد انفضاض مؤتمر لندن بيومين، هو مؤشر إلى أن هذه الحكومة ما زالت غير مدركة تماما للأهمية الحاسمة التي يمكن أن تلعبها الوحدة الوطنية للقوى الشرعية في التوصل إلى برنامج خلاص وطني يخرج اليمن من أزمته الراهنة التي تهدد الحكم والمعارضة له على حد سواء، إذ كان أحرى بها أن تجري الحوار الوطني أولا ثم تفرض أجندته على المؤتمرين في لندن لا العكس.



كما أن رفض اللقاء المشترك للمشاركة في هذا الحوار بحجج مثل الإصرار على مشاركة كل القوى فيه وضرورة الالتزام الكامل بنصوص اتفاق 23 شباط / فبراير 2009 مع الحكومة، هو رفض يشي بعدم إدراك مماثل، بالرغم من وجاهة الأسباب التي يسوقها، واللقاء في موقفه هذا كأنما يدفع الحكومة دفعا إلى الاستعانة ب"التدويل" الذي اتهم "اللقاء" الحكومة بالسعي إليه بحثا عن "التأييد" بعد أن ضن عليها بتأييده.



ولم يعد أي مراقب "خارجي" يشك في أن تأليف "جبهة وطنية" من الحكم والمعارضة تضع "الشرعية" اليمنية في مواجهة موحدة ضد كل تفرعات الأزمة التي تهدد كل الشركاء في هذه الشرعية قد باتت استحقاقا ملحا غير قابل للتأجيل لم تعد أي حجج للحكم أو للمعارضة مقنعة كفاية لتسويغ تأجيله.



وإذا كانت العقبات التي يتهم "اللقاء" الحكم بوضعها أمام تأليف مثل هذه الجبهة واضحة للعيان، فإن مواقف اللقاء التي تمثل عقبات مماثلة ليست بالوضوح نفسه، ويأتي في مقدمتها ما وصفه الكاتب العربي فيصل جلول ب"قاعة الانتظار" التي تقف فيها المعارضة اليمنية، ثم "الحياد" الذي تقفه هذه المعارضة في الأزمات اليمنية، ومما لا شك فيه أن الانتظار والحياد اللذين تتميز بهما مواقف اللقاء المشترك قد جعلت دوره في الحياة السياسية يتآكل تدريجيا، وإذا كان "الانتظار ليس استراتيجية صالحة"، كما قال جلول، فإن الحياد في المفاصل الرئيسية للأزمة سيكون مقتلا سياسيا بالتأكيد، مثل الحياد بين الوحدة وبين الانفصال، وبين القاعدة وبين الدولة، وبين التمرد المسلح وبين الحكم.



لأنه، على سبيل المثال، من يسعى إلى الانفصال بذرائع سياسية أو اقتصادية أو غيرها فإن هذه الذرائع لن تكون مقتصرة على حكم دون آخر كون الأوضاع السياسية والاقتصادية متحركة لا ثابتة بغض النظر عن الحكم القائم ومن يجد حلا في الانفصال من حيث المبدأ اليوم فإنه سوف يسعى إلى الحل نفسه بغض النظر عمن يحكم سواء كان علي صالح أم اللقاء المشترك أو غيرهما.



فمن حيث المبدأ، يجب أن تكون أي حرب من أجل الدفاع عن وحدة اليمن هي حرب كل الوحدويين في اليمن، وأي حرب دفاعا عن الشرعية هي حرب كل المستظلين بهذه الشرعية، وأي حرب ضد أي تمرد مسلح على الدولة هي حرب كل من له مصلحة في بقاء دولة في اليمن، وأي حرب ضد الإرهاب هي حرب كل من يعارض الإرهاب مبدئيا ويتضرر منه، فوحدة الوطن والشرعية الديموقراطية فيه وسلامة دولته وسلمه الاجتماعي خطوط وطنية حمراء لا يقبل أي منطق وطني أن يترك الفضل في الدفاع عنها لفريق وطني بينما الفرقاء الآخرون متفرجون على الحياد بانتظار أن ينقشع غبار الحرب عن مغنم سياسي على حساب الحكم، أي حكم، كون تلك الخطوط الحمر هي الباقية وكل أنظمة الحكم زائلة إن عاجلا أو آجلا.



ومشهد المعارضة اليمنية من الخارج يراها تعقد المؤتمرات رفضا للانفصال ودعما للوحدة لكنه يراها أيضا تتماهى مع الحراك السياسي لحركة الانفصال في الجنوب تماهيا يشوش أي خط فاصل بينهما، ويقرأ بيانات أحزابها عن "العصابة المارقة" ذات "الفكر الضال" التي تمثل "وباء سرطانيا" في شمال الوطن ثم يسمعها تدعو إلى "وقف الحرب فورا" ضدها، ويتابع تصريحات قادتها ضد أساليب القاعدة ثم لا يراها إلا تركز على الضحايا "المدنيين" في حرب الدولة على القاعدة.



لقد فسر محللون أجانب "عدم فاعلية" المعارضة بتداخل المصالح وتبادلها بين أطراف فيها وبين إما الدولة أو أطراف "المعارضة الأخرى" لها، وهذه ظاهرة يعرف اليمنيون صحتها أكثر من أي مراقب للمشهد اليمني من الخارج، لكنها ظاهرة من المتوقع أن تتسع أكثر طالما ظل الانتظار والحياد هما الموقف المميز لمعارضة اللقاء المشترك، غير أنها ظاهرة تهدد بانفلاش هذه المعارضة وتفككها مع مرور الوقت إذا ظل حالها كما هو عليه دون أي مراجعة جذرية وشاملة تقود إلى تغيير نوعي فيها.



* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: