الأحد، يناير 17، 2010

الدرس التركي ، للعرب وحماس خاصة

د. أديب المقدسي


سؤال هام يطرح نفسه في هذا الفضاء الشرق أوسطي المأزوم .
هل يمكن توظيف هزيمة العنجهية والغرور الذي يميز نهج اسرائيل ، أمام الدبلوماسية التركية ، كعامل سياسي دبلوماسي في العلاقات العربية مع اسرائيل؟
لا اريد ان أطرح مواقف بعيدة عن واقع ما يجري في الشرق الأوسط . هناك حقائق لم يعد مجال لتجاهلها بحجة انها معادية لمصالح الشعب الفلسطيني او الشعوب العربية .
هل من شيء يسر البال ؟
كذلك لا يمكن الاعتماد على التخيلات والهرطقات السياسية. ولا يمكن ان نطمر رأسنا في الرمال، تمثلا بالنعامة .. والتصرف وكأن اسرائيل معزولة في الشرق الأوسط ، او غير قائمة الا بتعريفات غبية ، مثل الكيان الغاصب ، او الصهيوني ، او فلسطين 48 وغيرها من التعريفات التي تتوافق مع مشاعرنا ، بينما هي الدولة الوحيدة التي تتمتع بنظام دولة ثابت ليبرالي دمقراطي ، واقتصاد قوي شديد التنوع أثبت في الأزمة الدولية الاقتصادية الأخيرة انه من أفضل اقتصاديات العالم ، ومستوى علمي وتكنلوجي من الأرقى عالميا ، وخدمات للمواطنين من الأفضل في مضامينها التي تقدمها الدول المختلفة لمواطنيها. واستمرار الوهم ان اسرائيل في سبيلها للإختفاء ، ربما بقبعة اخفاء عربية لم يكتشفها بعد زعيم الهراطقة والاعجازات "العلمية" الوهمية زغلول النجار .
لا يمكن تجاهل ان مستوى التعاون العربي ، المذل .. مع اسرائيل ، أضحى يشكل صيغة سياسية واقتصادية شرق أوسطية ، وهو تطبيع عميق الجذور ، لا يدفع ثمنه الا الشعب الفلسطيني . وكل الاتفاقات العربية ، وعلى رأسها المقاطعة العربية ، أضحت فتحاتها أوسع من فتحات الأوزون ، وتزداد اتساعا ، لدرجة ان فتحات الأوزون قد تغلق ، وفتحات المقاطعة العربية لن يغلقها الا الختان من جديد ، وباغلاق محكم يمنع حتى خروج الفضلات ، ولتخمج ( تتعفن ) في بطن بلاد العروبة ، التي أضحت خارج التاريخ البشري بفضل أنظمتها وعقليات التوريث والاستبداد والمحافظة على التخلف وكأنه انجاز قومي نسبق فيه سائر بلاد المعمورة
. السؤال ، هل من فرصة للأنظمة العربية ، التي تبادلت سفراء مع اسرائيل ، او تطورت بينها وبين اسرائيل علاقات تتجاوز التمثيل الدبلوماسي التقليدي ، لإتخاذ مواقف تصون كرامة دولها ومواطنيها ، وأحيانا قادتها ؟
ما نشهده تراجع متواصل افيغدور ليبرمان ، وزير الخارجية المهووس والمتطرف والعنصري ، اتخذ مواقف مذلة ومهينة لمصر والشعب المصري والرئيس المصري على الخصوص . وعندما نصب على رئاسة الخارجية الاسرائيلية ، توقعت موقف مصري حاسم يرفض التعامل مع ليبرمان قبل ان يعتذر رسميا وعلنا عن كل ما تفوه به بحق مصر ورئيسها. وارى ان رئيبس حكومة اسرائيل مسؤول ضمنيا عن وزير خارجيته ومواقفة السابقة واللاحقة ، فباي عقل تستقبل مصر رئيسا عين له وزير خارجية يخطط لقصف السد العالي واغراق مصر ، ويهين رئيسها ، رمز كرامتها بأبسط المفاهيم ...؟
بدل ذلك بدأنا نلمس المناورات المصرية لتنظيف من لا ينظف من أوساخ العنصرية والعداء. هل شطبت مصر ، او نسيت ، او تتناسى ، دعوة ليبرمان المجنونة لقصف السد العالي؟ وتهجمه المهين على مبارك ..؟ هذه جريمة لا تغتفر في السياسة الدولية ، او في علاقات بين دولتين وقعتا اتفاق " سلام " بعد حروب طاحنة ، وهذا "استضراط " مهين للدولة التي باعت العالم العربي كله في سبيل انهاء النزاع بينها وبين اسرائيل بشكل منفصل عن سائر الدول العربية ، بل وجرت الأردن ودولا عربية أخرى لبناء علاقات دبلوماسية او غير دبلوماسية شكليا وليس بجوهرها، وأفرغت الموقف العربي من قدراته السياسية ، على الأقل ، ولا أقول العسكرية ، لأني ضد كل أشكال الحروب ، وأؤمن ان الموقف السياسي في عالمنا ،المدعوم بقوة اقتصادية وعلمية كفيل بتغيير موازين القوى وفرض الحلول. ومن هنا اسرائيل في قوتها العلمية والاقتصادية ، ونجاحها السياسي بتحييد أكبر قوة عربية ، واهم جبهة مواجهة عربية وأطولها ( الأردن) ، والسماح بإعادة العراق الى القرون الوسطى ، ولا اقول هذا دفاعا عن صدام ، بل عن المجتمع العراقي والشعب العراقي ، الذي كان يبشر بقوة اقتصادية وعلمية ناشئة ومتطورة ، كان من المتوقع ان تفرض عامل سياسي وعلمي جديد وهام في الصراع العربي الاسرائيلي ، ليس لصالح اسرائيل ، التي انفردت بإنشاء قوة لا يمكن الا لمختل عقليا ان يظن انه قادر على مواجهتها عسكريا في ظروف عالم عربي مفكك ، وبلا كرامة وطنية . والمعيار ان الدولة التي تعين وزير خارجية من هذا الفصيل الليبرماني ، هي دولة تتجاوز بلا اهتمام وباحتقار ، كل الخطوط الحمراء في علاقتها مع أهم دولة صديقة لها في الشرق الأوسط ، والتي تعطيها مساحة استراتيجية اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وأمنية ، أضحت شريانا هاما لدولة اسرائيل ، ليس فقط في سياستها الشرق أوسطية ، بل في تعزيز قدراتها الشاملة ، وتحويل استثمارات هامة للمجالات العلمية والاقتصادية بغياب تحديات عسكرية مصيرية من الجبهة المصرية. وأيضا في استعمال اساليب الحصار ضد الشعب الفلسطيني المبتلي بمنظمات غبية لا تقرأ الخارطة السياسية الا بما يتمشى مع فكرها المغامر ومع اوهامها السياسية انه يمكن اقامة دويلة فلسطينية دينية اصولية في غزة ، تكون قاعدة للتوسع نحو الضفة الغربية ثم كل التراب الفلسطيني . وتمنح اسرائيل كل المبررات لاستمرار عدوانها وقمعها المتواصل ضد الفلسطينيين خاصة ، والدول العربية الأخرى عامة ، كيف يمكن ان نفسر اللقاء المتلفز بين خالد مشعل الحمساوي والشيخ حسن نصرالله الايراني ، والتصرحات النارية ، لمن اختفوا من ساحة القتال في العدوان الاسرائيلي "الرصاص المسكوب" ، بعد ان جردوا سائر المنظمات الفلسطينية وخاصة رجال حركة فتح من سلاحهم وقمعوهم بالحديد والنار والسحل في الشوارع؟
جمال عبد الناصر ترك ميراثا أُهمل ، بأن من يريد ان يحارب للتحرر يجب ان يسلح كل الشعب، وحماس جردت الشعب من سلاحه. وسحلت كل القوى التي تعرف كيف تقاتل، ليس دفاعا عن حماس ، انما عن شعبها الفلسطيني .
ان ما جرى في لقاء مشعل مع نصرالله هو ثرثرة سياسية متطرفة تثري وتدعم المبررات الاجرامية الاسرائيلية لإستمرار القمع الاسرائيلي واستمرار سياسة الاستيطان والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ،وبتغطية ممتازة من حكام دولة غزستان ، دولة الانفاق ، التي لا تملك حماس بديلا غيرها لدولتها المزعومة. هذا هو الحل القومي الذي تقدر عليه حماس. دولة انفاق وتهريب ومغامرات عسكرية لا تطول زلمها ، او كما استهتر احد قادة حماس في برنامج تلفزيوني ، من سقوط 1400 قتيل في غزة ، لأن غزة عوضت عدد السكان بأكثر من الراحلين بالضعف ، ويكفي الضحايا ان حماس تعتبرهم شهداء . لا يا سادة مختبئين كالفئران رعبا وخوفا ، نتنازل لكم عن الشهادة ... خذوها مباركة لكم من كل قلوبنا !!

لست من مؤيدي السياسات المصرية ، منذ كامب ديفيد .. ولكني لا يمكن ان ارى بالأنفاق بديلا عن الحلول الممكنة ، واولها اعادة السيادة للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة . حماس هي أفضل تبرير لإستمرار التنكر والحصار الاجرامي الاسرائيلي ، واستهتار اسرائيل بالمواقف الدولية التي تميل الى وقف الحصار ووقف الاستيطان والبدء بطرح جاد للقضية الفلسطينية ، وليس سرا انه لم تتوفر مثل شروط هذا الطرح في السابق.
من حق مصر ان تضمن أمنها الداخلي ، لأن حماس انتهكت هذا الأمن بأنفاق التجارة التي يربح منها قادتها ملايين الدولارات الوسخة من عرق ودم الشعب الفلسطيني .. وبسبب تهريبات السلاح الذي يصل لايدي مشبوهة في مصر أيضا لا يختلف فكرها عن حماس ، وتحويل الحدود المصرية الى فوضى عارمة لا ضابط لها . والأهم ان الأنفاق تخدم سياسة اسرائيلية مبرمجة لإستمرار حصار غزة ، وابقائها نموذجا للعقلية الفلسطينية التي لا يمكن الوصول معها الى اتفاق . بدون انفاق لن تجرؤ اسرائيل على استمرار هذا الحصار . الانفاق أضحت مصلحة عليا لتجار حماس . هل هذا هو الحل الحمساوي للشعب الفلسطيني في دولته الحمساوية ؟
لماذا اربط بين تركيا ومشكلة انفاق حماس ؟
انفاق حماس توفر كل المبررات لإستمرار العنجهية والتلاعب القذر في مصير الشعب الفلسطيني .
لا يمكن ان يستمر حرمان الشعب الفلسطيني من الغذاء والدواء ، الا بوجود مبررات ، هي ان انفاق حماس تشكل الشريان للغذاء والدواء وعلى الدول والشعوب ان تنام بلا وجع ضمير على مصير مليون ونصف انسان ، قبل ان يكونوا فلسطينيين هم بشر ، اذن الأنفاق لتهريب الغذاء والدواء هي لمصلحة اسرائيل ، فقط أنفاق السلاح تقصف ، وهذا لا تعلنه حماس .. والمنطق يقول ان اغلاق انفاق حماس ليس لصالح اسرائيل ، وحتى الظن ان السلاح الذي يهرب سيغير التوازن الاستراتيجي بين غزستان واسرائيل هو ظن هزلي ويليق بالمصابين بالعجز العقلي.
ولكن ما العمل والفكر الحمساوي الأصولي ، كغيره من الفكر الأصولي ، يفتقد للمنطق العقلاني ، ويفتقد للرؤية السياسية السليمة ، ويفتقد للفهم البسيط لحقائق الشرق الأوسط خاصة والعالم عامة ، ويعيشون على اوهام اصولية بان النصر لا يتعلق بأسباب القوة ، بل بأسباب ربانية ؟ ولو صح هذا الأمر لما كان من نصيب العرب والمسلمين ، الهزائم المرة في كل ما يخططون ويتصرفون منذ مائة سنة على الأقل ، وهُم الشعب الأكثر تدينا وماضوية على وجه البسيطة ؟ وارى ان ازدياد انتشار الفكر الأصولي يجر بأعقابة ارتفاع في التخلف والهزائم والضياع .
ويبدو انه الفرق بين دولة يحكمها اسلام معتدل واقعي ، بنت لنفسها قوة اقتصادية وطورت مجتمع عقلاني ، لا يرى بالعلمانية عدوا ، بل شريكا لا بد منه يجب الاستفادة من عقلانيته ، وبين دول تحكمها وتسيرها الهرطقات الدينية البعيدة عن فهم حقيقة عالمنا المعاصر ، والغارقة بتفاهات الفتاوي ضد المختلفين دينا لدرجة ان "أعظم العلماء !" القرضاوي ، يحرض ، في فتوى ضد شجرة الميلاد واحتفال المسيحيين العرب بعيد الميلاد ورأس السنة ، بالدعوة الى مقاطعتهم وكراهيتهم ، وربما يفسرها البعض : تصفيتهم واخلاء المجتمعات العربية منهم .. وهذا يتحقق بالفعل أيضا .
مثل هذا "العالم" لا ينفع ليكون أكثر من مؤذن في جامع قرية معزولة !!
المسيحيون هم الفصيل القومي العربي الذي يشهد له تاريخه بالمواقف الوطنية والتضحيات ، وكانوا أصحاب الدور الأهم في احياء اللغة العربية ونشر الثقافة والفنون والعلوم وتعميق الوعي الوطني ، ولا يمكنني تصور واقع العالم العربي اليوم ، بدون جهودهم الجبارة والمتواصلة حضاريا ، منذ أيام بغداد الرشيد المتنورة وحتى اليوم .
حماس تبتعد عن النهج الصحيح لإدارة الصراع القومي ، وتظن ان فكرها الهرطقي هو البديل ، وليتهم يتعلموا من نظام تركيا الاسلامي .
تركيا على تصرف دبلوماسي انتفضت لكرامتها. لا ضرورة لإطلاق "الألعاب النارية" ( صواريخ حماس وسائر المنظات الاصولية ) التي تسقط قتلى فلسطينيين وتوقع دمارا فلسطينيا أكثر مما تضر اسرائيل ، وتقدم لها على طبق من فضة أفضل المبررات لإستمرار سياساتها العدوانية التنكرية والقمعية، بل وتخدم فكرها العسكري الذي طور "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ ، وستصبح سلاحا مطلوبا يزيد اسرائيل غنى وأهمية عسكرية وليس العكس، اذ لفتت انتباه دول العالم المختلفة لهذا الإنجاز العلمي العسكري الاستراتيجي الهام ، وعلى رأسهم الولايات المتحدة ، وهل ننسى ان طائرات اسرائيل بدون طيار هي الأفضل والأكثر مبيعا في العالم ؟ حتى روسيا تشتري هذه الطائرات . وربما يجب منح العرب جماعيا جائزة نوبل لتطوير الأسلحة الاسرائيلية ، لأنهم بغبائهم قدموا كل المبررات لهذا التطوير، واكتفوا بأن هذه العلوم وجدها زغلول النجار قبل ان يعرفها الغرب. . ولكنها محفوظة بالسر والصون !!
شكرا لحماس !!.
ونعود الى البدء ...
هل يتعلم العرب الدرس السياسي من هزيمة العنجهية الاسرائيلية ؟ الم يكن الاعتذار لتركيا ، نافذة لفهم ان اسرائيل تحتاج مصر والأردن والعالم العربي أكثر مما تحتاج دولا من خارج المنطقة على المدى البعيد وربما القريب أيضا..؟
حماس ضرورية لإستمرار النهج العدواني والقمعي، نهج التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني .
الادارة الأمريكية ملت من اسرائيل . هذه حقيقة اعلنها اليهودي ألأمريكي ( إسرائيلي ايضا ) مدير طاقم البيت الأبيض .
ونحن نتمسك بكل المواقف والتصرفات التي تسهل تبرير العنجهية والقمع الاسرائيلي .
اسرائيل لم ولن تملنا !!


د. أديب المقدسي – أكاديمي فلسطيني في الولايات المتحدة
dr.amaqdisi@gmail.com




ليست هناك تعليقات: