السبت، يناير 30، 2010

سلاح فلسطيني أخطر من النووي

نقولا ناصر

كشف وزير الحرب في دولة الاحتلال الإسرائيلي إيهود باراك يوم الثلاثاء الماضي عن سلاح فلسطيني استراتيجي يتمثل في "عدم التوصل إلى اتفاق إسرائيلي – فلسطيني وترسيم الحدود بين الجانبين" قائلا إن هذا السلاح "بالنسبة لإسرائيل أخطر من حيازة إيران لقنبلة نووية"، ومع ذلك يبدو المفاوض الفلسطيني متضامنا مع دولة الاحتلال وكل "شركاء السلام" الإقليميين والدوليين في الإصرار على تجريد عرب فلسطين من السلاح الوحيد المتبقي لهم.

فعدم ترسيم الحدود بين المواطنين الفلسطينيين وبين المستوطنين اليهود "في أرض إسرائيل التاريخية" هو "التهديد الأخطر على مستقبلنا وليس القنبلة الإيرانية" لأنه "في حال قام بين نهر الأردن والبحر (المتوسط) كيان واحد فإنه سيكون بالتأكيد غير يهودي" يقود إما إلى "دولة ثنائية القومية" أو إلى "دولة أبرتهايد"، كما قال باراك في سياق محاضرة شاملة ألقاها في مؤتمر "المركز الإسرائيلي للإدارة" بجامعة "بار ايلان"، مضيفا أن "الزمن لا يعمل في مصلحتنا" وأن لنا "مصلحة عليا" في "حل الدولتين".

ومع ذلك فإن هذا هو على وجه التحديد الحل الذي تعتبره القيادة المفاوضة لمنظمة التحرير الفلسطينية "المشروع الوطني" للشعب الفلسطيني.

وفي إطار "تهالك" باراك ثم تهالك هذه القيادة على هذا الحل لا يعود مستغربا أن لا يقتنع "شركاء السلام" العرب والدوليين برفض هذه القيادة لاستئناف المفاوضات وان يتحول جميعهم تقريبا إلى عامل ضغط عليها لاستئنافها، فباراك ذهب إلى شرم الشيخ يوم الأربعاء الماضي ليشجع مضيفه الرئيس المصري حسني مبارك على الايغال في ما ذكرت التقارير الإعلامية إنه ضغوط مصرية على كلا طرفي الانقسام الفلسطيني وما ذكرت التقارير نفسها بأنه شكوى منها ينقلها رئيس القيادة المفاوضة محمود عباس إلى القادة العرب في السعودية وغيرها.

ولا يعود مستغربا أن ينضم الرئيس الروسي إلى هذه الضغوط بحث عباس على استئناف المفاوضات عندما التقى الرجلان في منتجع سوتشي يوم الثلاثاء الماضي ليعلنا اتفاقهما في ختام اللقاء على استئنافها، ليتساءل المراقب عما إذا كان المفاوض الفلسطيني قد أبقى لنفسه أي خيار غير الرضوخ لضغوط الشركاء الذين ارتهن قراره السياسي لهم بحجة سقوط كل أسلحته الأخرى، التي يسقطها طوعا بسبب هذا الارتهان تحديدا، بينما باراك يعلن عن سلاح ما زال الفلسطيني يمتلكه وهو أقوى من القنبلة النووية الإيرانية وأخطر منها على دولة الاحتلال.

ولذلك لا يعود مستغربا كذلك أن يعلن المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل عن عودته إلى المنطقة في جولة جديدة قريبا، مقترحا خلال جولته الأخيرة أن يقوم بدبلوماسية المكوك بين المتفاوضين بعد أن ترك في عهدة هذه القيادة اقتراحا "وعدت بدراسته" لاستئناف مفاوضات على مستوى وزاري أدنى من التفاوض بين القيادات.

إن ما أعلنه رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس مؤخرا عن اجتماعات له مع عباس وكبير مفاوضيه صائب عريقات وعن زيارة عريقات لبيريس في مكان إقامته "كل بضعة أسابيع" ثم الإعلان عن مشاركة رئيس حكومته سلام فياض "شخصيا" مساء الثلاثاء المقبل إلى جانب باراك في مؤتمر هرتزليا بتل أبيب، إنما هي مؤشرات إلى أن هناك مفاوضات سرية تجري وأن المفاوضات العلنية ليست إلا مسألة وقت وأن شروط هذه القيادة المعلنة لاستئناف المفاوضات هي للاستهلاك المحلي تذكر بشروطها التي سبقت مؤتمر أنابوليس عام 2007، خصوصا بعد أن خذل كل شركاء السلام هذه القيادة بعد أن راهنت عليهم في دعم شروطها.

والمفارقة المفجعة لا تكمن فقط في أن هذا "المشروع الوطني" قد تحول إلى غطاء "شرعي" فلسطيني لاستفحال الاستيطان السرطاني اليهودي الذي يقوض الأساس المادي لحل الدولتين طوال عقدين من الزمن تقريبا منذ اختيار القيادة المفاوضة لهذا الحل كمشروع وطني ومنذ اختيارها للتفاوض كاستراتيجية وحيدة لتحقيقه بقدر ما تكمن أيضا في أن الوريث الشرعي لقيادة أول حركة سياسية فلسطينية تتبنى حل الدولتين بتبنيها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 قبل أكثر من ستين عاما، وهي على وجه التحديد الحزب الشيوعي الفلسطيني (العربي – اليهودي)، يجد جماهيره اليوم في دولة الاحتلال نفسها مهددة بالترحيل الجماعي تحت شعارات "يهودية" دولة الاحتلال، وتبادل الأراضي، والتبادل الديموغرافي وغيرها من إفرازات "المشروع الوطني" الفلسطيني لحل الدولتين.

لا بل إن عضو الكنيست محمد بركة القيادي في الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، وريثة ذاك الحزب الشيوعي، لا يجد أي غضاضة وطنية في قبول دعوة من رئيس أكثر كنيست عنصرية ضد العرب في تاريخ دولة الاحتلال، للانضمام إلى وفد يقوده رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، العدو اللدود لحل الدولتين، لحضور الاحتفال يوم الأربعاء الماضي بتخليد الذكرى السنوية الخامسة والستين لتحرير معسكري اعتقال نازيين في بولندا، دون أي مراعاة للمشاعر الوطنية أو حتى الإنسانية لمليون ونصف المليون من مواطنيه الفلسطينيين المحاصرين في أكبر معسكر اعتقال تقيمه دولة الاحتلال في العالم اليوم بقطاع غزة، أو مراعاة مشاعر ناخبيه أنفسهم الذين كانوا يحتجون على تجريد زميله العربي الفلسطيني في الكنيست، سعيد نفاع، من حصانته البرلمانية على خلفية محاكمته بتهمة السفر لسوريا قبل ثلاثة أعوام ويحتجون في الوقت نفسه على الحكم بسجن رئيس الحركة الإسلامية في دولة الاحتلال الشيخ رائد صلاح بتهمة التحريض ضد تهويد القدس الشريف التي يجمع عرب فلسطين على كونها عاصمة الدولة الفلسطينية، أي دولة فلسطينية، أو مراعاة الحصار الذي تفرضه حكومة دولة الاحتلال وبرلمانها على القيادة الفلسطينية نفسها التي تلتقي معه على "حل الدولتين".

ويبدو واضحا تماما أن الخلاف بين هذه القيادة وبين باراك وحكومته هو "نزاع" على ترسيم الحدود وليس صراعا بين استراتيجيتين، وبالتالي فإنه قابل للتفاوض والمساومة في إطار الاتفاق الذي لم يعد يوجد أي شك فيه على مبدأ "تبادل الأراضي"، وإن كان هذا الاتفاق لم يوثق بعد في أي اتفاق رسمي موقع، باستثناء التوقيع شبه الرسمي لأمين عام اللجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبد ربه على وثيقة مبادرة جنيف سيئة الصيت، وهو الاتفاق الذي شجع دولة الاحتلال على اتخاذه مدخلا لابتزاز مزيد من التنازلات من مفاوض المنظمة للمطالبة أيضا ب" التبادل الديموغرافي" الذي يمثل سياسة رسمية معلنة لوزير خارجية دولة الاحتلال المستوطن في إحدى المستعمرات اليهودية بالضفة العربية،أفيغدور ليبرمان، وثلاثة عشر من قادة حزبه "إسرائيل بيتنا" الأعضاء في الكنيست.

لكن الأهم من كل ذلك هو أن السلاح الأخطر من القنبلة النووية الذي أشار باراك إليه يعطي مصداقية لاستراتيجية المقاومة الفلسطينية التي تراهن على أن الزمن لا يعمل في مصلحة دولة الاحتلال، كما قال باراك نفسه، بقدر ما يفقد استراتيجية التفاوض الفلسطيني أي مصداقية بقيت لها.

* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*


ليست هناك تعليقات: