السبت، يناير 23، 2010

د. عبدالله المدني: غياب ديمقراطية القرار وراء فشل وحدة العرب





الزمان

قال الدكتور الكاتب والباحث والمحاضر الأكاديمي في العلاقات الدولية البحريني الدكتور عبدا لله المدني إن أحد أهم أسباب فشل مشاريع الوحدة العربية في العصر الحديث، أنها لم تنطلق من قناعة صلبة ورغبة حقيقية لدى أطرافها، بقدر ما كانت محاولة إما للهروب من أزمات داخلية أو للهروب من تحديات خارجية.
وأشار الدكتور المدني إلى أن الأدلة في هذا المقام كثيرة، فمثلا الوحدة السورية ـ المصرية 1958 تحققت في ظل قلق العسكر في سوريا من التحركات التركية وقيام حلف بغداد باعتبارهما يمثلان تهديدا لهم، فسارعوا إلى الارتماء في أحضان النظام المصري، مضحين بالديمقراطية السورية الناشئة لصالح نظام الحزب الواحد. وقد وجد نظام عبدا لناصر في القاهرة في تلك الخطوة فرصة لمد نفوذه شعبيته ونشر أيديولوجيته القومية العربية، فرحب بها على الفور، دونما دراسة أو تفكير أو تأمل.

وأضاف أن مشروع الإتحاد الثلاثي 1963 بين العراق وسوريا ومصر لم يعش طويلا، كيلا نقول أنه مات في مهده، إذ كان محاولة من حزب البعث في أعقاب وصوله إلى الحكم في دمشق وبغداد لاحتواء الشارع الناصري، ودغدغة مشاعر التيار الوحدوي القومي عبر الإدعاء بأنه استفاد من تجارب الماضي ويحاول إصلاح أخطاء تجربة الوحدة في عام 1958 . ومشروع اتحاد الجمهوريات العربية 1973 بين مصر السادات وسوريا الأسد وليبيا القذافي، جاء تحت ضغوط النظام الليبي المهووس بكلمة (الوحدة)، وكوسيلة منه لتعزيز دوره ومكانته على الساحة الإقليمية. ويمكن قول الشيء نفسه حول الوحدة الليبية- التونسية التي لم تعش سوى يومين، بل التي من فرط الاستعجال فيها، كتب ميثاقها على أوراق الفندق الذي نزل به الزعيم الليبي معمر القذافي في جزيرة (جربة) التونسية في أواخر السبعينات.

نجاح أوروبا... وبطبيعة الحال، فإننا في السياق نفسه يمكننا طرح السؤال بصيغة أخرى هي: لماذا فشلت مشاريع الوحدة العربية، ونجح مشروع الوحدة الأوروبية؟، على الرغم مما يفصل دول المشروع الأخير من عوامل اللغة والثقافة والتاريخ الدموي والإثنيات المتنوعة، مثلما يتردد كثيرا في الأدبيات العربية. وأبسط إجابة على هذا السؤال هو غياب ديمقراطية القرار في بلادنا العربية وتجذرها في البلاد الأوروبية. وحينما نتحدث عن ديمقراطية القرار، فإننا نعني وجود دولة القانون والمؤسسات الدستورية والامتثال لمبدأ فصل السلطات امتثالاً حقيقياً. ففي ظل حالة كهذه، فإنه من الصعب والنادر أن يظهر الحاكم الفرد القادر بجرة قلم أو عبر الاحتكام للقوة المسلحة أن يقيم مشروعا وحدويا أو يحطمه ساعة ما يشاء، ومن النادر والصعب أن تبنى مشاريع الوحدة وهياكلها ومؤسساتها وتسمية القائمين عليها دون المرور بالتصويت في مجالس الشعب المنتخبة انتخابا حرا وديمقراطيا، فإن حدث وشاب التصويت شك، طرح الموضوع أو الشق المختلف عليه في استفتاء جماهيري، على النحو الذي حدث أكثر من مرة في دولة أو أكثر من دول الإتحاد الأوروبي حيال بعض الملفات الشائكة.
وقد يقول قائل إن دول الخليج العربية قد أسست كيانا وحدويا هو (مجلس التعاون الخليجي)، وأن هذا الكيان قد نجح وصمد أمام كل العواصف، على الرغم من غياب العامل الديمقراطي الذي تحدثنا عنه.
هنا نسارع إلى توضيح أن (مجلس التعاون الخليجي)، على الرغم من نجاحه في الصمود أمام العواصف الكثيرة، ونجاحه في إقامة أطر التكامل في أكثر من مجال ما بين أعضائه الستة، فإن ميثاقه المعلن لا يتضمن هدف إقامة الوحدة الاندماجية التي تعني تخلى كل دولة عضو عن سيادتها لصالح كيان فوقي جديد. على الرغم من أن مثل ذلك الهدف حلم من أحلام كل مواطن خليجي، بل حلم سهل التحقيق إن وجدت الإرادة السياسية بسبب تشابه الأنظمة بالمنطقة ، ناهيك عن المشتركات التاريخية والثقافية والدينية والقبلية لشعوبها.

ووجود مثل هذا الحلم وتوارثه من جيل خليجي إلى جيل آخر شيء جميل ورائع، لأنه أصبح نادرا اليوم في الأقاليم العربية الأخرى التي كفرت شعوبها بالوحدة بعد كل ما مر عليها من تجارب وحدوية بائسة وغير مشجعة.


تشبث القادة بالمناصب


على صعيد آخر قال رئيس جمعية ميثاق العمل الوطني والكاتب البحريني أحمد جمعة إن فشل الوحدة العربية يكمن في جوهر التسمية التي تحملها فهي وحدة ولو كانت تمزق العرب مثلاً لنجح الأمر وهو ناجح بكل المقاييس، ولو كنا من غير العرب لنجحت الوحدة بيننا ولهذا لم تنجح للسببين المذكورين فالأمر يعود إلى العربية وللوحدة.

وأضاف أنا لا امزح ولا اسخر فمرارة التجارب ومرارة المراهنة على الوحدة وعلى العرب سيجعل الأمر وحده سخرية لأننا وعلى مدى ثلاثة أرباع القرن لم نعش ولم نتذوق طعم الوحدة حتى وهي قائمة متمثلة في سوريا ومصر.. كانت الخلافات والمؤامرات عليها والتجاوزات ومصادرة حقوق المواطنين هي المثل السائد وقتها.

فقد كانت وحدة دكتاتورية وليست وحدة شعوب أو مصالح على النسق الغربي وبالتالي فشلت الوحدة العربية لأسباب تعود إلى أنها تنتمي إلى موروثات عربية قائمة على التسلط والتزعم، بالإضافة إلى أن أي وحدة بين قطرين أو أكثر لابد وان تتوفر لها أسباب متكافئة على كلتا الضفتين فلا يكون هناك اختلال في التوازن السياسي والاقتصادي وعلى العموم لا نحتاج إلى عد الأسباب فهي كثيرة ولا تحصى لكن يمكن أن اختزل أهمها في النقاط التالية :

عدم توفر المناخ الديمقراطي الذي يمكن أن يساعد الشعوب على اتخاذ القرار حيث قامت تجارب الوحدة على التسلط و على مزاج الحكام العرب حيث كانت وحدتهم وليست وحدة الشعوب، إذ شاهدنا كيف عملت أجهزة المخابرات والأجهزة السرية في عهد الوحدة أكثر مما عملت الأجهزة الاقتصادية والثقافية والعلمية مثلما عملت في الدول الأوروبية التي لم تصل إلى مستوى الوحدة إلا من المنظور الاقتصادي الشعبي.

والوحدة تحتاج إلى قواعد متينة ترتكز عليها وتشكل أساس الاستدامة وهذا غير متوفر في كل التجارب التي مرت . فبدلا من أن تكون هناك قواعد كما ذكرت ارتكزت على الشعارات وعلى الخطابات الرنانة الصارخة وما زلنا نستذكر أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة .

هناك أسباب عديدة بحاجة لمجلدات وملفات إذا أردنا حصر الأسباب التي أدت إلى محو موضوع الوحدة العربية ولا يمكن العودة إلى هذه المسألة إلا بإعادة النظر في كل الموروثات التي نتجت عن التفكير العربي المبني على السيطرة والنزعة الذاتية بالإضافة إلى الأسباب السياسية والاقتصادية والنفسية.

عندما أرادت اسبانيا الخارجة من دكتاتورية فرانكو الدخول إلى الوحدة الأوروبية كانت من أفقر الدول في أوروبا الغربية فعملت المجموعة الأوروبية على تحسين الوضع في اسبانيا وفرضت الحرية والعدالة وبناء الاقتصاد وبعدها تم إلحاقها بالسوق الأوروبية.

لم يستفد العرب من أي شيء وليس فقط من النماذج الوحدوية الأخرى، ودعني أصدقك القول.. العرب لم يستفيدوا حتى من هزائمهم التي أسموها انتصارات ولم يستفيدوا من الأحداث والصراعات والحروب التي نشبت في المنطقة فكيف يستفيدون من نماذج غربية أو آسيوية علماً بان الوحدة الإفريقية على أي حال ليست هي بالنموذج الذي يحتذى به وان كان على الأقل أفضل من التجارب العربية البائدة، وهناك سبب آخر لم يستفيدوا بسببه وهو تطلع اغلب القادة العرب إلى التزعم والدكتاتورية والمنصب الرئاسي الذي لا يريد أي زعيم عربي جاد أن يتخلى عنه.

نكران الذات والتفاعل الحضاري والبعد عن الشعارات الرنانة والبحث من جديد وبعيدا عن الموروثات عن قواعد جديدة هي من أهم الآليات المطلوبة في هذا الشأن وان يحسن كل نظام عربي قبل الوحدة من نفسه وان يحقق الديمقراطية والحرية الداخلية لشعبة وان يقيم الرخاء! والعدالة لشعبة أولا قبل أن يذهب إلى الوحدة مع قطر آخر، قبل التفكير في الوحدة ، يجب على كل دولة عربية أن تعيد بناء اقتصادها وهياكلها وتمنح شعبها الحرية ومن ثم تطرق باب الوحدة مع الآخرين.


المنامة ـ غازي الغريري


ليست هناك تعليقات: