الأربعاء، يناير 20، 2010

جولات "ميتشل" والفشل المحتوم

راسم عبيدات

........يواصل "المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جولاته المكوكية للمنطقة،وهذه الجولات تتمحور حول إعادة عربة المفاوضات إلى ما كانت عليه سابقاً،أي مفاوضات ثنائية- فلسطينية – إسرائيلية وبدون سقف زمني ومرجعيات واضحة ومحددة وآليات للتنفيذ،أي على وصف الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب يعود"ميتشل وبطاريته أو سميها جعبته فارغة،سوى من وعود ولغو فارغ،لا يعيد لا أوطاناً ولا حقوقاً ولا يحقق أمناً ولا استقراراً ولا ينهي احتلالا،فكما فشلت كل المبادرات والخطط والمشاريع السابقة عربية ودولية،بسبب رفضها أو تكبيلها بعشرات الاشتراطات الإسرائيلية،التي تجعل من الصعوبة القبول بها،فمربط الفرس هنا في أن أمريكا وأوروبا الغربية لا تنحازان فقط لإسرائيل وتوفران لها كل أشكال الدعم والحماية،بل في تبنيهما للمواقف الإسرائيلية،حتى فيما يخص الخطط والمشاريع المقدمة من قبلهما،وما تضعه عليها إسرائيل من تعديلات واشتراطات،ومطالبة الجانب العربي والفلسطيني بالاستجابة والرضوخ لها،وبما يثبت أن أمريكا وأوروبا الغربية ما يهدفان اليه من هذه الجولات والمفاوضات العبثية والحركة السياسية،ليس العمل على حل الصراع،بل العمل على ادارة الأزمة،من خلال الاستمرار في حالة المشاغلة والمفاوضات السياسية قائمة،وبما يجعل الأمور لا تخرج فلسطينياً وعربياً عن الإيقاعات المرسومة لها،وبما يمنع من تنامي السخط الشعبي والجماهيري العربي من النمو والتصاعد،وتشكيل مخاطر جدية على الأهداف والمصالح الأمريكية في المنطقة،وكذلك عدم تشكيل تهديد جدي وحقيقي لعروش وكراسي النظام الرسمي العربي،أو أن تحقق قوى المقاومة والممانعة العربية مكاسب،تمكنها من الرهان على المقاومة كخيار ونهج وثقافة في استرداد الحقوق والأوطان،وفي المقابل إطلاق يد إسرائيل،لكي تستكمل مشاريعها على الأرض من تهويد وأسرلة وتكثيف للاستيطان،وبما يقضي على ممكنات إقامة دولة فلسطينية مستقلة،وبحيث تكون عناوين المبادرة الجديد وفي عهد الإدارة الأمريكية الجديدة،خطة ورؤية نتنياهو للحل "الأمن مقابل السلام،وتحسين الشروط والظروف الحياتية والاقتصادية للفلسطينيين تحت الاحتلال.

ولتحقيق هذا الغرض،وبعد أن امتنعت السلطة الفلسطينية من العودة إلى المفاوضات،إلا بتعهد إسرائيلي بالوقف الشامل للاستيطان،قامت أمريكا وأوروبا الغربية بممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية،من أجل حملها على العودة الى تلك المفاوضات المارثونية والعبثية،بالتخلي عن ذلك الشرط،وجندت لهذه الغاية والهدف،عدد من أطراف النظام الرسمي العربي الفاعل لما يسمى بمعسكر الاعتدال،والذي كثف من حملته وضغطه على السلطة الفلسطينية في هذا الإطار،بأن تعود الى المفاوضات،بالتخلي عن شرط وقف الاستيطان،مقابل مجموعة من المطالب التي يسهل على نتنياهو القبول بها مثل إزالة العديد من الحواجز،إطلاق سراح عدد من الأسرى، العودة الى تموضع الاحتلال إلى ما كانت عليه الأمور إلى ما قبل أيلول/2000،وحينما لم تفلح تلك الضغوط في عودة السلطة إلى المفاوضات،بدأت الإدارة الأمريكية،تبحث عن حلول ومقترحات أخرى،كلها تصب في إطار الضغط على السلطة بالعودة لتلك المفاوضات،والتخلي عن شرط وقف الاستيطان،مرة بالحديث عن ورقتي ضمانات أمريكية،واحدة تقدم للجانب الفلسطيني وأخرى للجانب الإسرائيل،تلك الأوراق التي للجانبين العربي والفلسطيني معها تجارب مريرة،فلا يجري احترامها أو الالتزام بما فيها من تعهدات،ومرة أخرى بالحديث عن مفاوضات عن قرب،أو مفاوضات يجري فيها النقاش حول الحدود والقدس للالتفاف على شرط وقف الاستيطان،أي كل الحركة والعملية السياسية، مواصلة ممارسة الضغوط على الجانبين العربي والفلسطيني،ودون أية ضغوط جدية على الجانب الإسرائيلي،بل التبني الكامل لوجهة نظره من الألف الى الياء،وبالمناسبة فقد كشف النقاب عن أن نتنياهو رفض اقتراحاً فلسطينياً قدمه الرئيس عباس، بالوقف السري للاستيطان في القدس لمدة ستة شهور،وهذا مؤشر على أن "ميتشل" لن يحقق أية اختراقات جدية في جولته الحالية،حيث أن هناك إصرار إسرائيلي،بل هناك تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في الهجمة الاستيطانية على القدس والضفة الغربية،وهذا يعني أن الطرف الفلسطيني بعودته الى المفاوضات من أجل المفاوضات،سيكون شاهد زور ومشرع للإجراءات والممارسات الإسرائيلية بحق أهلنا وشعبنا،وخصوصاً وفي ظل ما يرد من أنباء عن نكبة أخرى تنفذ بحق أهلنا وشعبنا في مناطق الثمانية وأربعين،من طرد وتهجير وهدم للمنازل،تتمثل في إخراج أربعمائة عائلة فلسطينية من يافا،وهدم لثلاثين منزلاً في اللد.

إننا نفهم أنه عندما يعلن الطرف الفلسطيني المفاوض من قمة هرمه السياسي،وحتى أصغر مفاوض بأن المفاوضات التي مضى على استمرارها ثمانية عشر عاماً قد فشلت،وأنها مجرد ملهاة وإضاعة للوقت والحقوق،فهذا يعني أن هذا الطرف قد حسم أمره،تجاه بناء إستراتيجية بديلة،إستراتيجية تقوم على الجمع بين المقاومة والمفاوضات،إستراتيجية تقوم على تغير الأسس والمعايير التي قامت عليها تلك المفاوضات،وأن تكون مرجعياتها واضحة ومحددة،الشرعية الدولية وقراراتها في هذا الجانب،مع إخراجها من إطارها الثنائي إلى فضاءها العربي والدولي،أما التعامل مع هذه القضية على أساس تكتيكات تتيح للطرف الفلسطيني،أن يكون هناك نوع من الضغوطات الدولية وبالذات الأمريكية منها على إسرائيل،لتقديم تنازلات ما تمكنه من النزول عن الشجرة والعودة لتلك المفاوضات العبثية والمدمرة،فهذا لن يصب إلا في خانة الربح الصافي لإسرائيل ومشاريعها في المنطقة،مع المزيد من الشرذمة والانقسام في الساحة الفلسطينية،وإضعاف لعوامل القوة للموقف والوضع الفلسطيني.

بعد إنكشاف وإتضاح الصورة بشكل واضح وجلي أمام الطرف الفلسطيني المفاوض،بأن أفاق الوصول لتسوية تلبي الحدود الدنيا للحقوق الفلسطينية غير ممكنة،عبر نهج وبوابة المفاوضات،وخصوصاً وهي ترى ما تقوم به إسرائيل،من تهويد وأسرلة وتصعيد غير مسبوق للاستيطان في القدس والضفة الغربية،فهذا يعني أنها ملزمة أن تحدث حالة من الطلاق مع هذا النهج والخيار،وأن تتجه نحو خيارات أخرى،يقف في المقدمة منها العمل على استعادة وحدة الشعب والأرض الفلسطينية،وبناء استراتيجية فلسطينية موحدة،والكف عن العبث بالحقوق والثوابت الفلسطينية وإخضاعها للمنطق والنهج التجريبي المدمر،وهي لا تتحمل المسؤولية وحدها في هذا الجانب،بل على كل الذي يغلبون مصالحهم وأجنداتهم الخاصة والإقليمية على المصلحة الوطنية،أن يدركوا أنهم يتحملون قسطاً من المسؤولية في استمرار حالة الشرذمة والإنقسام تلك.

"وميتشل" لن يحمل في جعبته الفارغة،أي حلول أو مقترحات تلبي الحد الأدنى من حقوق شعبنا،التي تمكن حتى لو كان هناك طرف فلسطيني عميل القبول بها،وبالتالي جولات "ميتشل" لن تحصد سوى الفشل،لكونها استمرار في اجترار نفس المشاريع والنهج والآليات السابقة،وكذلك نفس الهدف هو حماية أمن إسرائيل ووجودها،وضمان وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة،مع القفز عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات: