الجمعة، يوليو 03، 2009

عجائب فلسطينية

نقولا ناصر

في زخم اللجان المشتركة التي تتكاثر كالفطر وعلى كل مستوى، جهرا وسرا، باشتراط وتمويل الدول المانحة والراعية ل"عملية السلام" الفلسطيني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، قد لا تكون موافقة الرئاسة في رام الله على المشاركة في لجنة مشتركة فلسطينية – أردنية – إسرائيلية للترويج سياحيا للبحر الميت عبر ترشيحه لمسابقة عالمية الكترونية لاختيار سبع عجائب طبيعية عالمية أمرا جديرا بالتوقف عنده لولا تزامنه مع مستجدات استيطانية تستهدف خلق حقائق على الأرض تحول حرمان الفلسطينيين تحت الاحتلال من الوصول إليه وإلى ثرواته الاقتصادية، سياحة أو تجارة، من حالة من المفترض أنها مؤقتة منذ الاحتلال عام 1967 تزول بزواله إلى وضع دائم يربط المستعمرات الاستيطانية اليهودية القائمة والمخطط لها في غربه وشماله بتجمعات القدس الاستيطانية الكبرى للفصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها ليكون الاتصال بين جناحي الدويلة الفلسطينية الموعودة فقط عبر الطرق السريعة والجسور والأنفاق.

فبعد تمنع لم يطل، وافقت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في رام الله، بتوقيع الرئيس محمود عباس يوم الثلاثاء الماضي على اتفاقية بهذا الشأن، على الانضمام إلى الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي في ترشيح البحر الميت للمشاركة في مسابقة عالمية لاختيار "عجائب العالم الطبيعية السبع"، ولو لم توافق السلطة لما تأهل البحر الميت للمشاركة حسب أنظمة المسابقة التي تشترط إن كان الموقع المرشح واقعا في أكثر من بلد واحد أن يقوم كل بلد منها بتأليف لجنة مسابقة قبل نهاية هذا الأسبوع، ثم تقوم البلدان جميعها بتأليف لجنة مشتركة قبل السابع من تموز / يوليو الجاري، وفي حالة البحر الميت يجب أن تقوم لجنة ثلاثية فلسطينية – أردنية – إسرائيلية مشتركة بترشيحه لقائمة تضم (261) موقعا طبيعيا، تتقلص إلى (77) بنهاية الأسبوع المقبل يتم اختيار (21) منها للتصويت على سبعة منها في سنة 2011، علما بأن البحر الميت يحتل حاليا المرتبة السابعة في فئة "البحيرات والأنهار والشلالات" في القائمة مما يؤهله لمكانة في المرحلة التالية من المسابقة.

وكانت السلطة في رام الله قد تمنعت طوال الأسبوع الأسبق في الموافقة على تأليف لجنة فلسطينية تنضم إلى اللجنة الثلاثية المطلوبة قبل السابع من الشهر بحجة أن "اللجنة الإسرائيلية كانت تتشاور مع أعضاء في مجالس المستوطنين في الأرض المحتلة مما يعتبر خرقا للقانون الدولي" كما قالت وزيرة السياحة في رام الله خلود دعيبس.

لكن الوزيرة الفلسطينية لم تكن دقيقة، ف"اللجنة الإسرائيلية" لم تكن "تتشاور" مع المستوطنين، بل كان "مجلس مجيلوت الإقليمي لمستوطنات البحر الميت" على الشاطئ الغربي للبحيرة هو المبادر أصلا للفكرة ولتأليف اللجنة الإسرائيلية وكان ينوي تقديم طلب الترشيح منفردا لولا تدخل البروفسور في قسم علم الحيوان بجامعة تل ابيب يوسي ليشيم الذي قال لممثلي المجلس إن "عليهم إشراك الفلسطينيين"، على حد قوله. لكن الأهم من عدم دقة دعيبس هو أنه لا الرئاسة ولا حكومتها في رام الله أوضحت ما الذي تغير لكي تتخلى السلطة عن تمنعها، غير أن وسائل إعلام دولة الاحتلال ذكرت بأن وزير سياحتها، ستاس ميسيزنيكوف، قرر أن يتدخل شخصيا للتغلب على التمنع الفلسطيني فناشد الجنرال يواف موردخاي رئيس "الإدارة المدنية" بالضفة الغربية أن يتدخل بدوره لدى السلطة الفلسطينية "وقد نجحت جهوده في إقناع عباس بالانضمام إلى المسابقة".

وما زال على الرئاسة أن توضح أيضا هل سقط تحفظها الذي كان السبب المعلن لتمنعها، وهل ما زال للمجلس الاستيطاني دور في اللجنة الإسرائيلية وفي عضويتها، وهل تستطيع هذه اللجنة التصرف دون التشاور مع المستوطنين من أصحاب الفكرة الأصليين الذين ما كانوا ليفكروا فيها لو لم يكن لعابهم التجاري يسيل فعلا الآن استعدادا لاستثمار الدعاية السياحية التي تتيحها المسابقة. فطبقا لأمنون ليبرمان، المستشار الإعلامي لوزير سياحة حكومة الاحتلال، فإن "هذا المشروع متصل بكل الجهود التي تقوم الوزارة بها في البحر الميت. لقد بادر مجلس مجيلوت الإقليمي ورئيسه لإطلاق المشروع ونحن ندعمهم".

وحتى لو لم يؤكد ليبرمان بأن دور المستوطنين ما زال قائما، فإن أي محلل مبتدئ يستطيع بسهولة الاستنتاج بأن أي حكومة يشارك فيها كوزير للخارجية المستوطن أفيغدور ليبرمان الذي يقود ثالث أكبر حزب في الكنيست ويضم ائتلافها الحاكم أحزابا أصغر فازت في الانتخابات أساسا بأصوات المستوطنين ومن ممثليها في الكنيست ثلاثة منهم إنما هي حكومة يرتهن بقاؤها لهم ولا يمكنها استبعاد أي دور لهم وبخاصة دور كانوا هم المبادرون إليه، وربما نجد أحدث مثال على نفوذ المستوطنين في حكومة الاحتلال الحالية في الصفقة التي أبرمها وزير "الدفاع" إيهود باراك لإعادة "توطين" ثلاثمائة مستوطن من مستعمرة ميغرون "العشوائية" بعد تفكيكها تحت الضغط الأميركي في مستعمرة آدم الاستيطانية المحاطة بثلاث قرى فلسطينية بضواحي القدس بمصادقته مؤخرا على توسيع آدم بخمسين وحدة سكنية لاستيعابهم، وبالتالي فإن من المستبعد تماما أن تكون حجة السلطة في رام الله قد سقطت لكي تشارك في مشروع للمستوطنين هدفه الترويج السياحي للبحر الميت.

وإذا كان المواطن الفلسطيني لا يستطيع أن يعفي الأردن الشقيق من الملامة السياسية وهو يمارس سيادته للمشاركة في هذا المشروع الذي سيشارك في فوائده بالتأكيد فإنه لا يستطيع أن يجد أي عذر لمشاركة سلطة الحكم الذاتي فاقدة السيادة والتي لا يتوقع أن تشارك المستوطنين بأي فائدة سياحية أو اقتصادية متوقعة منه بحكم الأمر الواقع القائم.

غير أن السبب الأهم الذي كان يوجب على السلطة أن تحول تمنعها إلى رفض بات لتحولها إلى مروج سياحي لمشروع بادر المستوطنون إليه وهم المستفيدون الوحيدون منه يكمن في القرار الذي اتخذته لجنة وزارية خاصة بحكومة الاحتلال الأسبوع الماضي، و"أدانه" مكتب الرئاسة في رام الله، بضم أكثر من خمسين ألف دونم من أراضي الدويلة الموعودة، عن طريق إعلانات نشرت يوم الجمعة الماضي -- أي قبل أن يوقع عباس مساء الثلاثاء التالي على الانضمام لمشروع الترويج سياحيا للبحر الميت -- تدعو "من يدعي" من الفلسطينيين أن له ملكية خاصة فيها مراجعة "الإدارة المدنية" للحاكم العسكري للاحتلال خلال خمسة وأربعين يوما قبل تسجيل المساحة المشمولة بالقرار كأراضي دولة، تمهيدا لضمها، "خشية" وضع اليد عليها من قبل هيئات خاصة أو تجارية (رويترز)، وهي تشمل الطريق الرئيسي الواصل بين القدس وبين البحر الميت، ومنها المساحة التي انحسرت عنها مياه البحيرة على الشاطئ المخصص للسلطة بموجب اتفاقيات أوسلو، وصولا إلى الحدود الأردنية مع دولة الاحتلال، في محاولة وصفها خليل تفكجي، خبير الخرائط ببيت الشرق الفلسطيني المغلق منذ ثماني سنوات، بأنها "خطوة استباقية لترسيم الحدود" قبل التفاوض عليها في محادثات الوضع النهائي من ناحية، وخطوة تستهدف من ناحية ثانية توسيع مستعمرة معاليه أدوميم، وهي الأكبر بالضفة، بضم مستعمرتي كيدار الأصغر إليها وبالبناء الاستيطاني في منطقة إي – 1 التي سيحكم استيطانها الطوق اليهودي حول القدس ليفصلها تماما بالحجر والبشر عن بقية الضفة الغربية، وتستهدف من ناحية ثالثة حرمان السلطة في المستقبل من أي "شراكة في كنوز البحر الميت".

وإذا كان حاتم عبد القادر وزير شؤون القدس المحتلة في حكومة تسيير الأعمال التي يرأسها د. سلام فياض في رام الله قدم استقالته احتجاجا كما صرح على فشل حكومته في مساندة المقدسيين ماليا في القضايا التي يرفعونها أمام محاكم الاحتلال لمنع هدم بيوتهم برفضها دفع أتعاب المحامين والخبراء وكذلك لتقصيرها في تمويل أشكال نضالهم وصمودهم الأخرى، فإن على الوزير أن يصر على استقالته التي رفضها فياض بسبب الأبعاد الخطيرة لمستجدات الاستيطان ومصادرة الأراضي بين القدس وبين البحر الميت على مصير بيت المقدس، لا بل إن الأحرى به أن يتحول إلى المعارضة احتجاجا على موقف السلطة من الترشيح الإسرائيلي للبحر الميت كعجيبة طبيعية وهو ما زال تحت الاحتلال ولا سلطة للسلطة عليه.

وإنه لعجب عجاب حقا مراقبة كيف يمكن للاحتلال وسلطة الحكم الذاتي في رام الله أن يعملا في خطين متوازنين بتنسيق وانسجام بينما المفترض أن كل طرف منهما يسير في اتجاه معاكس تماما للآخر، لكن العجب ربما ينتفي عندما يلاحظ المراقب المدقق أن الاحتلال يسعى عمليا على الأرض إلى التوسع الإقليمي وتسمين مشروعه الاستيطاني بينما حكومة السلطة تسعى إلى التوسع البيروقراطي بمحاولة سادرة في غيها لبناء دولة من كرتون تحت الاحتلال وبموافقته فوق ما يتركه لها الاحتلال من فتات الأرض التي تنحسر مساحتها يوميا كما تنحسر مياه البحر الميت بعد شفط الاحتلال لمعظم الينابيع التي تغذيه بالمياه.

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: