الثلاثاء، يوليو 14، 2009

مخاطر التجييش العشائري والقبلي والجهوي؟

راسم عبيدات

...... دائماً القوى الاستعمارية والمحتلة،تعمل من أجل استمرار سيطرتها على سكان البلد الذي تحتله،الى تعميق أزمة المحتلين من خلال بث بذور الفتنة والفرقة بينهم،ومن خلال اللعب على وتر الطائفية والمذهبية والقبلية والعشائرية،ولعل أمريكا بعد احتلال العراق ولضمان استمرار سيطرتها عليه ونهب خيراته وثرواته وحماية امن جنودها،عملت على ابتداع نظرية خاصة تعمل على تطبيقها على الشعوب المحتلة أو الدول والقوى التي تعارض سياساتها وتتعارض مع أهدافها ومصالحها،ألا وهي نظرية الفوضى الخلاقة،والتي تتلخص في إدخال شعوب تلك الدول بأثنياتها وقومياتها المختلفة في حالة من الحروب الأهلية والداخلية الدائمة، بحيث يأخذ الصراع أشكال ومظاهر مذهبية وجهوية وعشائرية وقبلية،وبما يصل بتلك البلدان إلى حالة من الدمار الذاتي،وبما لا يقسمها فقط اجتماعياً وسياسياً،بل بما يقسم ويجزأ ويفتت ويذرر وحدتها الجغرافية،وما جرى ويجري في العراق خير شاهد ودليل على ذلك،وما جرى في العراق جرى سحبه على عدد آخر من البلدان العربية والإسلامية،حيث نجد مثل تلك النزاعات في افغانستان والصومال والسودان وغيرها،وكذلك جرت محاولات جادة من أجل نقلها إلى لبنان،ولكن القوى السياسية اللبنانية بمختلف ألوان طيفها السياسي والطائفي استطاعت أن تفشل هذا المخطط واختارت مصلحة لبنان على مصلحة الطوائف،رغم أن الوضع الداخلي هناك ما زال عرضة للتخريب والتفجير.

أما على الصعيد الفلسطيني فالاحتلال الإسرائيلي سعى بكل قوة إلى تخريب وتدمير وتفتيت النسيج المجتمعي الفلسطيني،وقسم الشعب الفلسطيني إلى تجمعات سكانية،وعمل على نشر بذور الفرقة والفتنة فيما بينها،فهو يرى في الشعب الفلسطيني نقيضاً لوجوده.

واللافت هنا أن الشعب الفلسطيني،رغم كل المؤامرات ومحاولات تفجير الجبهة الداخلية،الا أنه حافظ على تماسكه وقوة وصلابة نسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية،وحتى بداية الانتفاضة الأولى- انتفاضة الحجر- كانت قيم التعاضد والتكاتف والتكافل الاجتماعي،من السمات الأبرز التي تميز بها شعبنا الفلسطيني على طول وعرض فلسطين التاريخية من أقصى شمالها الى أقصى جنوبها.

ولكن تلك القيم وذلك النسيج المجتمعي الفلسطيني،تعرضت الى هزة كبيرة،وبدأت في التآكل والتراجع والتهتك بشكل كبير وعميق مع مجيء سلطة أوسلو،فأسلو في مخاطره وتداعياته على الشعب الفلسطيني عادل مخاطر وتداعيات النكبة،فهذه السلطة بدلاً من أن تعزز من القيم والمظاهر الايجابية في المجتمع الفلسطيني،بسبب ما أفرزته من مظاهر سلبية، فلتان على كل المستويات وفي كل مناحي الحياة،وما رافق ذلك من فساد وتعزيز وتشجيع للعصبوية ليس التنظيمية والحزبية فقط،بل العشائرية والقبلية والجهوية في أسوء أشكالها،بحيث طغت سلطة المليشيات والمافيات،وحاجة السكان للحماية والأمن دفعتهم للانسحاب نحو عشائرهم وقبائلهم للإستقواء بها،وهذا كان مؤشر على درجة عالية من الخطورة،أي تراجع وانسحاب قيم الانتماء الوطني لصالح الانتماءات العشائرية والقبلية،حتى أن العديد من العشائر أقامت أجهزتها الأمنية الخاصة بها،وأصبح لديها مربعات أمنية في أكثر من منطقة،وأضحى فرادها يسرحون ويمرحون وما يقومون به من (عربدات وزعرنات) وأعمال خارجة عن القانون لا تخضع للمحاسبة أو المسائلة.

والمأساة هنا أن العديد من المليشيات والمافيات وجدت لها حواضن تنظيمية وأمنية تحميها وتتستر على أعمالها وخروجها على القانون،وهذا ساهم إلى حد كبير في مأسسة وهيكلة الفساد من القمة وحتى القاع وفي كل المفاصل والمستويات.

وفي الوقت الذي كان الاحتلال يعمل فيه على تعميق الأزمة المجتمعية الفلسطيني،من خلال تعطيل عمل الأجهزة الشرطية الفلسطينية والمساهمة في نشر حالة الفوضى،كانت على الجبهة الأخرى تجري أمور على درجة عالية الخطورة في المجتمع الفلسطيني،حيث عملية الحسم العسكري التي قامت بها حماس في قطاع غزة،وما أعقبها من تداعيات واستقطابات حادة في المجتمع الفلسطيني،وقد وجدت المليشيات والمافيات ضالتها في هذا الانقسام،بحيث غدت محمية ومغطاة في كل ما تقوم به وما تنفذه من أعمال خارجة على القانون،كما غابت المساءلة والمحاسبة والقضاء.

في ظل سيادة مثل هذه المفاهيم وغياب وتفكك السلطة وأجهزتها،وجدنا أن هناك حالة من التجييش والتحشيد العشائري والقبلي والجهوي في أعلى درجاتها وأصبح العديد،بل الكثير من عناصر التنظيمات السياسية،يغلبون انتماءاتهم العشائرية والقبلية على انتماءاتهم الحزبية والتنظيمية،واختزل الوطن في مفهوم العشيرة والقبيلة،وفي أكثر من حالة تحولت الخلافات الفردية والشخصية الى مسرح"لطوش" وفزعات عامة،وبما ينذر بدمار وتفكيك وتفتيت النسيج المجتمعي والوطني الفلسطيني،فأية مشكلة يفتعلها شخص من هذه العائلة أو الحمولة أو البلدة أو الطائفة،سرعان ما تجد أنها بفعل حالة الفلتان تلك وغياب سلطة القانون والمساءلة والمحاسبة وفقدان الثقة،ناهيك عن قلة الوعي وضحالة الانتماء وغياب دور المتنورين وقوى العمل السياسي والوطني وتسييد مفاهيم شيخ العشيرة والقبيلة،وما تقوم به القوى المشبوهة من دور في تأجيج تلك الخلافات والصراعات،يدفع نحو حالة من الدمار والضياع الشاملين،والذي يجب أن يشعل الضوء الأحمر أمام الجميع سلطة وأحزاب ومثقفين وفعاليات شعبية وجماهيرية ومؤسساتية ومؤسسات دينية،بضرورة البحث عن طرق وآليات عاجلة وجادة للتصدي ومعالجة مثل هذه المظاهر والظواهر،وهناك أكثر من حالة ومثال أخذت مثل هذا البعد،وهي في أحشائها وتفاعلاتها لها الكثير من التداعيات السلبية والخطيرة،ليس على النسيج المجتمعي الفلسطيني فقط،بل وعلى الشعب الفلسطيني بوحدته وانتماءاته الوطنية،وهناك أمثلة حسية تدلل على ذلك فما حدث من احتراب أخذ الصبغة الطائفية والمذهبية في مدينة شفا عمرو،نتيجة مشكلة لا تستحق كل هذا التحشيد والتجيش،كان بالإمكان حلها واحتواءها بسرعة وبحكمة وعقلانية،وشغب الملاعب "وطوش" جمهوري فريقي المكبر ونادي شباب الخليل في مباراة الدرع على ملعب الخضر،والتي حاول البعض إلباسها الثوب الجهوي (ساحوري- خليلي ،وكذلك الخلاف الشخصي بين عائلتين قي سلوان والذي تحول إلى"طوشة" عامة،سعى البعض إلى تحويلها إلى "طوشة" جهوية ( سلواني- خليلي) وغيرها الكثير الكثير من المشاكل والخلافات الاجتماعية بمظاهرها وتمظهراتها المختلفة.

أن مثل هذه الظواهر والمظاهر،هي بمثابة السوس والعفن،والذي مخاطره تفوق مخاطر الاحتلال في تفكك وتهتك وتحلل النسيج المجتمعي الفلسطيني،والتي يجب الضرب بيد من حديد على مفاصلها الأساسية ،حماية لمجتمعنا ولوجودنا ولقضيتنا الوطنية .

ليست هناك تعليقات: