الخميس، يوليو 16، 2009

ليس دفاعاً عن الجزيرة،بل دفاعاً عن الحقيقية

راسم عبيدات

........اذا كان لأحد أن يشكر الجزيرة على أدائها ودعمها للقضايا العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة،فهو الشعب الفلسطيني،فالجزيرة كانت الصوت الحقيقي الناقل والمعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني،بل دورها في الكثير من المعارك والقضايا المفصلية التي عاشها وما زال يعيشها الشعب الفلسطيني،كان أكبر من دور ليس أحزاب وفصائل بل جيوش وأنظمة،والجميع منا يتذكر جيدا كفلسطينيين ما هو الدور التحريضي والتعبوي الذي لعبته قناة الجزيرة عندما تعرض الرئيس الراحل أبو عمار الى الحصار في المقاطعة،وكانت جرافات شارون وجنوده يحاولون هدم المقاطعة على الرئيس الشهيد أبو عمار،هذا الشهيد الذي حتى اللحظة الراهنة ،لم يتم كشف ملابسات اغتياله بالسم،والأطراف التي شاركت في عملية اغتياله،ومن حق الشعب الفلسطيني على قيادته،أن يكون هناك لجنة تحقيق فلسطينية محايدة،تميط اللثام عن ظروف وملابسات اغتيال الرئيس الراحل أبو عمار وأن تحاسب وتحاكم كل من يثت أن له علاقة أو تورط بهذه القضية فلسطينياً كائناً من كان.

ومن المفارقة العجيبة والمحزنة،أن قناة الجزيرة التي لعبت دوراً بارزاً وهاماً في منع تصفية شارون للرئيس الراحل أبوعمار،وكانت تنقل كلماته الى جماهير شعبتا الفلسطيني من قلب الحصار"عالقدس رايحين شهداء بالملاين"،يجري اليوم اغلاقها تحت حجج وذرائع تحريض الجزيرة على فتح ومنظمة التحرير،وذلك بسبب نقلها لتصريحات الأخ أبو اللطف القائد التاريخي في منظمة التحرير الفلسطينية وفتح،والتي وجه فيها أصابع الإتهام الى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والنائب محمد دحلان بالمشاركة والمسؤولية عن اغتياله،ولم تكن الجزيرة هي وسيلة الإعلام الوحيدة التي نقلت التصريح أو علقت عليه،بل تناقلته مئات وسائل الإعلام فلسطينية وعربية ودولية،والجزيرة في ردها على قرار السلطة الفلسطينية بإغلاق مكاتبها وتعليق أنشطتها في الضفة الغربية،قالت أنها نشرت التصريح بموضوعية ومهنية،ونظراً لأهميته أفردت له مساحة من النقاش،واتصلت بأكثر من قائد ومسؤول في فتح للتعليق على ذلك منعم من لا يرد ومنهم من اعتذر،ويعد ذلك نجحت في استضافة الأخ عباس زكي"أبو مشعل" للتعليق على تصريحات "أبو اللطف" واتهاماته،ووفق وجهة نظري وقناعاتي،أن مسألة تقل الجزيرة لتصريحات "أبو اللطف" والتعليق عليها،كان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير،فالسلطة الفلسطينية كانت تتحين الفرصة للقيام بهذه الخطوة،فالجميع يذكر الحملة الشرسة التي شنتها السلطة على قناة الجزيرة أثناء الحرب العدوانية الاسرائيلية على غزة في كانون ثاني/ 2008 ،بحجة انحيازها الى حركة حماس،ووصلت عملية التحريض تلك توزيع الملصقات في الشوارع والاعتداء على مكانب وممتلكات الجزيرة.

والمأساة هنا أن الجزيرة التي يجري اغلاق مكاتبها في الضفة الغربية،وبما يشكل اعتداء وتطاول على الحريات الصحفية،وبما يعنيه من تهديد جدي لحرية الرأي والصحافة والتعددية السياسية في المجتمع الفلسطيني،والجزيرة والتي تحظى بأعلى نسبة حضور وصدقية عندنا كعرب وفلسطينيين،يريد البعض فلسطينياً منها أن تكون بوقاً أو صدى لما يردده هو كسلطة أو فصيل أو حزب حاكم،فالجزيرة ليست لا "صوت فلسطين " ولا "فضائية الأقصى" ولا غيرها من عشرات الإذاعات المحلية التي لا هم لها الا بث سموم الفئوية والتحريض واستخدام عبارات ومقولات لا تصب الا في خانة وطاحونة تعزيز الانقسام والفئوية وتفسيخ وتفتيت وحدة هذا الشعب،وهي الأولى بالإغلاق من قناة الجزيرة،فهي التي تعرض المصالح العليا للشعب الفلسطيني للخطر وتدفع به نحو المجهول والتبدد والضياع،والذي أولى بالمحاسبة من يستغل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لتسعير الخلافات الفلسطينية الداخلية ومناصرة لطرف على أخرأو لفريق على على أخر،وكوننا لا نتفق أونؤيد تصريحات أبو اللطف بحق الرئيس الفلسطيني والنائب دحلان، لا يعني أن نطلق حملة مسعورة يشارك فيها المسؤول وغير المسؤول المطبل والمزمر ضد أبو اللطف واتهامه بالخرف والجنون وغيرها من الاتهامات التي ما أنزل بها من سلطان.

فالجزيرة أثناء الحصار الذي ما زال مستمراُ على شعبنا الفلسطيني كانت دائماً تفضح وتعري ممارسات الاحتلال،وتنقل معانيات شعبنا هناك،من مرضى يموتون بسبب الحصار،وشعب يحصار حتى الموت ويحرم من أبسط مقومات الحياة،وكانت تقارير الجزيرة عن ذلك تلقى لها صداً واسع.

كما أنها لعبت دور المحرك والمحرض للجماهير العربية والاسلامية والقوى العالمية التحررية والثورية والمؤسسات الدولية والحقوقية العالمية للوقوف الى جانب شعبنا الفلسطيني في محنته ومأساته وامتهان كرامته والتنكر لحقوقه وحقه في العيش في وطن حر ومستقل كباقي بني البشر.

والجزيرة كانت في قلب الحدث وتصنع الحدث في أكثر من قضية ومحطة،والجميع يشهد ويعترف لها بهذا الدور الداعم والتحريضي،فما قامت به من فضح وتعرية وكشف للممارسات والجرائم الاسرائيلية في عدوانها الأخير على قطاع غزة،واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً،وقصف المدارس والمشافي والمساجد والمقرات الدولية،كل ذلك أثار غضب اسرائيل وأمريكا على قناة الجزيرة،وسعوا بكل الطرق والوسائل من أجل التأثير على سياساتها وتوجهاتها،وكذلك أنا أذكر جيداً ما قامت به الجزيرة من فضح وتعرية ليس لإسرائيل،وكونها دولة فوق القانون ولا تلتزم ولا تعترف بالاتفاقيات الدولية،بل عرت وفضحت الدور المشبوه والمتواطيء لأمريكا وبريطانيا،في قضية اختطاف القائد أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورفاقه والعميد الشوبكي من سجن أريحا،كما أنها تساءلت كما تساءل الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني عن دور ومسؤولية السلطة الفلسطينية في تلك القضية،وهذا أيضاً حق مشروع وعلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أولاً،وعلى فصائل وأحزاب شعبنا متابعة هذه القضية لكشف كافة الملابسات والظروف المحيطة بها،والوصول الى الحقائق وملاحقة ومحاكمة كل من تثبت علاقته بهذه القضية،أياً كان موقعه أومنصبه.

والجزيرة التي يجري اغلاقها الآن،ليس هذا تكميم أفواه فقط وحجباً للحقائق ومنعاً وتعدياً على حرية الرأي والصحافة،بل مؤشراً على ما آل اليه الوضع الداخلي الفلسطيني بسبب سياسات الانقسام والانفصال،والجزيرة اذا كان جزء من القائمين عليها أو العاملين فيها،لديهم رؤيا وتوجهات سياسية وفكرية،فالتجربة أثبتت أنها في الكثير من القضايا الفلسطينية والعربية،كانت منحازة لصالح تلك القضايا وتعاملت الى حد كبير بمهنية وموضوعية،وهي على الأقل لم ترتكب خطيئة واحدة بحق شعبنا الفلسطيني،في الوقت الذي كانت فيه العديد من القنوات الفضائية العربية،تصف شهداء شعبنا بالقتلة ومقاومته"بالإرهاب" وتلقى الدعم والترحاب.

وما نخشاه أن يكون قرار اغلاق الجزيرة سياسياً،أما كون المادة التي نشرتها الجزيرة تحمل طابعاً تحريضياً أم لا فالقضاء هو الفيصل في هذا المجال.

ليست هناك تعليقات: