الأربعاء، يوليو 15، 2009

حافرٌ ونفورٌ

شوقي مسلماني
قال بلسانِ الجعجعة وهي لسان الرحى: "لا تهرف بما لا تعرف". والهَرَف: الإطناب في المدح ـ مثل يُضرَب لمن يتعدّى الحدود في مدحِ الشيء قبل تمام معرفتِه. "إنّ شرّ أيّام الديك يوم تُغسل رجلاه". ويكون ذلك بعد الذبح والتهيئة للإشتواء. "يجب يا إبن أمّه أن تعلم أنّ الحوافر هي للّخم واللّكم ودباغة اللحم وسحن العظم. الحمير تُعرَف بالنهيق والنهيق يُعرَف بالحمير. عندما يطلِعُنا رجلُ العلِم على نتيجة تجربته يطلِعنا أيضاً على كيفيّة إجراء تجربته لكي يكون بمقدورِنا أن نعيدَها، وإذا لم نحصل على النتيجة ذاتها فإنّ نتيجة تجربتِه لن نقبلَها كحقيقة". وبربرَ وزمجرَ وجرجرَ وبأْبأَ بفِيه: "أنا أظهرتْ تجاربي أنّ اللبيط علم خطير، ولكن للأسف هو علم قائم لذاته". سمع إبن أمّه، عضّ على شفته، قال: "تحكّكتِ العقربُ بالأفعى ـ مثلٌ يُضرَب لمن ينازع مَنْ هو أقوى وأقدر. يجب يا إبن أبيه أن تعلم بأنّ الغزال الذي يقف ساكناً ويتلقّى رصاصة الصيّاد التي تقتله لو كان يمتلك عقلاً واعياً لاستفاد منه في معرفةِ ما يجري ويُحاك له ولأنقذَ حياتَه مِنَ الموت المحقَّق. الحوافر هي أيضاً للدّعس والفعس والهرس والمعس. أنتَ كالمربوط والمرعى خصيب. اللبيط علم قائم بذاته لا لذاته، ويطلّ من برج الأسد على الرياضة والصحّة والأمن والإستقرار. ما هكذا تُورَدُ يا سعدُ الإبل. قيل أنّ حماراً تنكّر في شبه أسد فلّما رفعَ صوتَه وصاحَ عُرِفتْ حقيقتُه. كيف تركب مركب الأعداء؟!.
يقول الزير قهّار المواكب
رماني الدهر في كلِّ المصائب
فلا تسمع أخي قول الأعادي
لأنّ الضدّ شوره ليس صائب
يشورون عليك في رأيٍ وخيم
ليسقوك أخي كأسَ العواطب.
وقالت امرأة لجارةٍ: كيف صار الرجل يتزوّج بأربعة ويملك مِنَ الإماء ما يشاء والمرأة لا تتزوّج إلاّ واحداً ولا تستبدّ بمملوك؟. قالتْ لها: قومُ الأنبياء منهم والخلفاء منهم والقضاة منهم والشُرَط منهم فحكموا فينا كما شاؤوا وحكموا لأنفسهم بما أرادوا. يا أحمق مِنْ ناطحِ الماء لا تشرب السمّ اتّكالاً على الترياق". قال إبن أمّه: "مفتاحُ البطن لقمة ومفتاح الشرّ كلمة وليس نهقة. يقولون للحمار: "حا" ويصبر، و:"هش" ويصبر، فما العجب إذا أصبح لقمةً سائغةً بين أشداق الأسود والفهود والضباع وبنات آوى!؟. إنّي آكل لحمي ولا أدعه لآكل. رجلٌ قال لمزبّد: إذا استقبلك الكلب في الليلِ فاقرأْ: يا معشر الإنسِ والجنّ إن استطعتم أن تنفذوا مِنْ أقطارِ السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلاّ بسلطان. وهي الآية 33 من سورة الرحمن. قال مزبّد: الوجه عندي أن يكون معك عصا". قال إبن أمّه: "يا أختل مِنَ الذئب". قال إبن أبيه: "يا أحقد مِنْ الجمَل". قال إبن أمّه: "أسدٌ اشتدّ عليه الحرّ فدخلَ في بعضِ المغائر يتظلّل، أتاه جرذ ومشى فوق ظهرِه فنظره الأسد وضحكَ منه. قالَ الأسد: ليس مِنَ الجرذ خوفي وإنّما كبر عليّ احتقاره لي". أي أنّ الهوان على العاقل أشدّ من الموت. قال إبن أبيه: "وقفتْ بعوضةٌ على قرنِ ثور، وحين قالتْ له: أثقلتُ عليك؟ أجاب: لا يهمّ، فنزولك مثل رحيلك". وهكذا استفزّا بعضهما إلى أن استشعر إبن أمّه إرهاقاً فطلب السلامة بالسؤال: "أليس إلى أمّه يلهفُ اللهفانُ"؟. الرجل يلهف إلى أهله، واللهفان هو المتحسِّر والمكروب. قال إبن أبيه: "الإيناسُ قبل الإبساس". فيقال للناقة قبل حلبها: بس بس، والناقة التي تدرّ على الإبساس تُسمّى البسوس. قال إبن أمّه: "مَنْ خشي الذئبَ أعدّ كلباً. هيّا بنا إلى كبيرنا فيعثر لنا بعقله على الحقّ الذي ضاعَ بيننا".
وطارا إلى وادي النار وجبل الكبريت، وإذا حميت الشمسُ تصير مثل جهنّم. نظراه في خيمته يُعلّق على صدر امرأة حبلى اتّقاءَ ليليث أو الجنيّة ليلى الجناحَ الأيسر لدجاجة. وانتظرا حتى خرجت بعدما زفرت وشهقت وزغردت. سجدا. عرضا ما أشكل عليهما. قال:
"لا يحمل الحقدَ مَنْ تعلو به الرتب
ولا ينال العلا مَنْ طبعه الغضب.
...
مَنْ طلبَ العلا مِنْ غير كدٍّ
سيدركها إذا شابَ الغراب.
ديننا منذ جدّنا الأوّل يحثّنا على أن نقصد ميدان الطعان كلّما اختلفنا، ومن يطعن خصمَه في صدرِه ويريحه مِنْ عمرِه أو يضربه على هامِه ويلقي رأسَه قدّامه تُضرَب له النوبات وتزغرد النساءُ والبنات ويكون على الحقّ، فيما القتيل، له الخزي والعار، يكون على الباطل". قالا: "مَنْ وضعَ نفسَه مواضع التهمة لا يلومنّ مَنْ أساءَ به الظنّ". ومن فورهما خرجا إلى ميدان القتال. قال إبن أبيه وهو يشهر سيفه: "أنا البطل الرئبال". قال إبن أمّه وهو يعمل مثل شبيهه في الخَلق والخُلق: "أنا قوم اللقا عند النطاح". واصطدما كأنّهما جبلان، وعلا بينهما الصياح. وما زالا في قتال إلى وقت الزوال عندما تعاكست بينهما ضربتان، فشقّ كلٌّ منهما زميله إلى شقّين. قال الكبير لمّا بلغه الخبر: "إستراحَ مَنْ لا عقل له".
Shawki1@optusnet.com.au

ليست هناك تعليقات: