الجمعة، يوليو 03، 2009

جرأة متأخرة...ولكنها ضرورية

نبيل عودة

لفتت أقوال الرئيس السابق لمحكمة العدل العليا في إسرائيل، القاضي اهرون براك، اهتمام الصحافة المحلية، وأوساط السلطة والأحزاب والأكاديميات لما تضمنه كلامه من جرأة نادرة، من شخصية ذات مكانة قضائية وإنسانية مرتفعة ومحترمة في دولة إسرائيل، حول قضية حقوق الإنسان في إسرائيل، وبالأساس حقوق الإنسان العربي المواطن في إسرائيل، وحقوق الإنسان الفلسطيني في المناطق المحتلة.

الجديد في الأقوال صدورها عن شخصية أشغلت منصبا قضائيا هو الأهم في الجهاز القضائي في إسرائيل خلال فترة طويلة منها 11 سنة في رئاسة الهيئة قضائية ، وأعني محكمة العدل العليا . وقد أحدث نقده الواضح وبمثل هذا الوضوح والشفافية هزة قوية في كل أطراف المجتمع الإسرائيلي.

ماذا قال القاضي اهرون براك؟!

في محاضرة ألقاها بدعوة من برنامج "رجال قانون من اجل حقوق الإنسان" التابعة لصندوق إسرائيل الجديد. قال براك انه يوجد لليهود حق أولي للقدوم إلى إسرائيل، وانه منذ لحظة وصولهم تصبح حقوقهم مساوية لحقوق العرب في إسرائيل. وقال انه من اجل الحفاظ على طابع إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، وبنفس الوقت أيد كونها دولة كل مواطنيها(أي لم ير أن طابعها يجب أن يتناقض مع المساواة الكاملة لكل المواطنين)، وحذر في كلمته بان حالة حقوق الإنسان في المناطق (أي المناطق الفلسطينية المحتلة بعدة مستويات من الاحتلال)تؤثر على الوضع في إسرائيل.

وقال:"إذا سألت يهودياً هل تؤيد المساواة للعرب؟.. سيجيب:"طبعاً أنا مؤيد". وإذا سألته:"هل هو من اجل رمي العرب إلى البحر؟"سيجيب:"طبعاً اوافق"، وهو لا يرى التناقض بين الموقفين. كما قال اهرون براك.

مثل هذه الصراحة وهذه الحدة في كشف الحقيقة من شخصية يهودية قضائية مركزية مثل القاضي اهرون براك الذي لا يمكن اتهامه بأنه يقوم بدعاية معادية للدولة ،أو يهوديتها ، هي نادرة لم تتعود عليها الأذن ولم يعتادها المجتمع اليهودي . واهم ما فيها أن كلامه هو شهادة على الخطر الكبير الذي تواجهه الديمقراطية الإسرائيلية بعلاقتها مع الأقلية العربية التي تعيش في الدولة.

إذا كان رئيس المحكمة العليا، هذه الهيئة القانونية الأهم في الدولة، والتي يتكلم قضاتها بحذر شديد. وصياغات مدروسة، يتحدث بمثل هذه الحدة موجها نقدا واضحا . إذن الوضع بالغ الخطورة، وهذا ليس مجرد شعارات عربية يرفعها برلمانيون عرب في الكنيست، أو يصرخ فيها الشارع العربي.

الصحافة العبرية، وأوساط عقلانية ومسئولة في المجتمع اليهودي قالوا انه يجب أن نأخذ كلام رئيس المحكمة العليا السابق بمسؤولية واهتمام. وانه لأول مرة وضع النقاط فوق الحروف. مشيرة إلى أن تجزيء الدمقراطية لا يغمط فقط حقوق الأقلية العربية في إسرائيل، وان استمرار التمييز في كل مجالات الحياة، وتعمق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين المجتمعين العربي واليهودي، هو إشارة إلى أن الديمقراطية في إسرائيل لها جانب واحد. مثل هذه الديمقراطية في خطر . وهو بالتأكيد يعني خطر فقدان الديمقراطية لليهود أيضا !!

أن الانتخابات والفصل بين السلطات لا يعني أن الديمقراطية بخير. الديمقراطية كما يفهم من كلام القاضي اهرون براك، لا تتجزأ. وكل خطر على حقوق مجموعة سكانية، بغض النظر عن انتمائها الديني أو ألاثني أو الثقافي، يعني بوضوح أن النظام الديمقراطي كله يواجه خطراً.

الخطر على الديمقراطية ليس اختراعاً سياسياً عربياً، بل هو مواجهة يومية مع قوى الفاشية اليمينية في المجتمع الإسرائيلي. هو المواجهة مع سوائب المستوطنين المنفلتين قانونياً وأخلاقيا ضد السكان الفلسطينيين، في النهاية، وهو ما يعنيه اهرون براك... سندفع الثمن، وهو ثمن رهيب، وبدون أن يقول ما هو الثمن، ستتحول إسرائيل إلى نظام ليبرماني بمشاركة سوائب المستوطنين وكل اليمين المتطرف العنصري.

السؤال الذي طرحته الصحافة العبرية، وشخصيات اجتماعية مختلفة، لماذا صمت براك 11 سنة، اشغل خلالها منصب رئيس المحكمة العليا وكانت له فرصاً كثيرة يحذر ويعمل من اجل تحسين وضع حقوق الإنسان والديمقراطية في إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة؟!

الحقيقة المرة أن المحكمة العليا برئاسته لم تفعل شيئاً حول الموضوعين المذكورين. وكثيراً ما توقفت المحكمة العليا ولم تدخل إلى مضمون حقوق الإنسان في المناطق المحتلة. أي بكلمات أخرى، تجاهلت المحكمة العليا التجاوزات غير القانونية، حسب القانون الدولي، وحتى حسب قوانين إسرائيل، لما يجري من استبداد وتدمير واعتداءات وسحق لحقوق الإنسان والأرض والشجر في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وبمستوى مختلف قليلاً، كان توجه المحكمة العليا، بصفتها الجهاز القضائي الأعلى والمقرر، لقضايا حقوق الإنسان العربي في إسرائيل، صحيح انه أقرت حقوق هامة، وكانت سوابق قضائية، ولكن بشكل عام، لم تنهج على إنصاف الجماهير العربية حول قضايا حقوقية إنسانية أساسية.

صحيفة هآرتس تميزت بطرح سؤال هام :"هل كان قاضي العليا براك يعرف ولم يحذر بالوقت الصحيح؟ وهل اكتشف الآن فقط، أشياء لم يعرفها سابقاً؟ او انه الآن فقط استعاد شجاعته؟! " واختتمت الصحيفة تعليقها:"من الجيد أن يحصل ذلك متأخراً من أن لا يحصل إطلاقا"!!

والسؤال الأهم : هل باستطاعة قيادات الجماهير العربية إدخال آليات لهذا الموقف ، بحيث تحوله إلى ركيزة هامة ، سياسية وقانونية في مواجهة سياسة التمييز العنصري والديمقراطية المشوهة المنتقصة لجوهر حقوق الإنسان والمواطن للعرب داخل إسرائيل ؟ّ

ليست هناك تعليقات: