الخميس، يوليو 02، 2009

متى ننتقل من صراخ الشعارات إلى العمل النشيط والعقلاني؟

سالم جبران
يعيش مجتمعنا العربي في اسرائيل، في المرحلة الراهنة، أزمة شاملة واحتقاناً خطيراً. الأزمة اقتصادية واجتماعية يرافقها تفكُّك وتفسُّخ وانتشار مذهل للعنف داخل مجتمعنا. والاحتقان هو ما يقودنا الى عدم الرغبة أو العجز عن تحديد أهدافنا، بواقعية، وبلورة أسس النضال لتحقيق أهدافنا.
هناك تنافس تصعيدي في الشعارات، فمرة نحن "عرب ال 48"، ومرة نحن "عرب الداخل"، ومرة نحن "فلسطينيو الداخل"، الى آخر الاصطلاحات التي نتنافس فيها بين بعضنا على القومية الاصطلاحية والكلامية!
كأنما نحن، بدون هذه المصطلحات، لسنا فلسطينيين وهناك خطر على هويتنا وانتمائنا وتاريخنا!!
ان الخطر علينا هو منَّا أكثر منه من النظام العنصري القائم. اننا طوائف، في الحقيقة، اكثر مما نحن شعب، ونحن عائلات وحمائل اكثر مما نحن شعب.
وهناك تناحر فيما بيننا يصل حد القطيعة. والطوشات في قرانا حتى بين أبناء البلد الواحد والطائفة الواحدة اصبحت ظاهرة يومية. والصدع على أساس طائفي يتدهور من حين الى آخر الى طوشة، (بالسلاح احياناً!) ونحاول لفلفة القضية وطمها بشكل انتهازي. نضع عيوننا في الرمل ونقول الواقع غير موجود!!
هل هناك صلة متبادلة بين التطرف"القومي" في الكلام والاصطلاحات، وبين تفككنا وتمزقنا على ارض الواقع؟ انا اقول هناك صلة. ان قوميتنا "الكلامية" محاولة لاخفاء عجزنا في النضال القومي الجماهيري، الميداني، الشعبي، الحقيقي، وندرة انجازاتنا!
سأطرح هنا، باقصى الوضوح والبساطة، نقطة أخرى تشغلني مؤخراً كهاجس دائم. الا نساعد بتطرفنا الكلامي على القطيعة بيننا وبين المجتمع اليهودي؟ الا نسهِّل على العنصرية أن تبطش بنا، بدون أن نجد حلفاء لنا يدافعون عنا وعن حقنا؟!
هل هناك عربي عاقل يقول انه لا فرق بين حزب لبرمان الفاشي وبين المعتدلين الديمقراطيين في حزب العمل؟ هل لا فرق بين الليكود وبين ميرتس وحتى بين الليكود وقديما؟ أليس هناك ألوف اساتذة الجامعات الديمقراطيين بين اليهود؟ اليس هناك ادباء وفنانون يندِّدون، بشرف وشجاعة، بموبقات الاحتلال؟
العرب ثلث اعضاء "مركز الحكم المحلي". هل نستخدم قوتنا كما يجب ونبني تحالفاً مع شركاء يهود هناك؟ هل نسعى الى بناء تحالفات في الجامعات بين العرب والديمقراطيين اليهود؟ هل العرب، نساء ورجالاً، في نقابة "العاملين الاجتماعيين" يعملون على تفهم اليهود لنا وكسْبنا لهم؟!
العنصري أو الغبي فقط هو مَن يقول ان كل اليهود "نفس الشيء" وهو مثل العنصري اليهودي الذي يقول كل العرب "نفس الشيء"!
ان القومية الانعزالية المنغلقة على ذاتها، الرافضة للحوار مع الآخر، هي قومية تُطلق النار على نفسها. ورأينا بعض "السوبر قوميين" الذين وجدوا انفسهم خارج الوطن يحررون فلسطين بالكلام ويقبضون الاجرة بالدولارات!!
كل شعب مظلوم ومحاصَر ومخنوق سياسياً واقتصادياً، مثل الاقلية الفلسطينية مواطني اسرائيل، لا يكونون قوميين اذا رفضوا فتح قنوات الحوار مع اليساريين والدمقراطيين والليبراليين والمعتدلين في الشعب الآخر. بل نكون وطنيين حقيقيين ودمقراطينن انسانيين إذا حاورنا وتحالفنا مع القوى الدمقراطية اليهودية. ليست القومية ان نجعجع "قومياً" بل القومية ان نكسر الحصار ونشرك معنا في النضال الدمقراطي ضد الاقتلاع والحصار والخنق، كل الدمقراطيين والانسانيين اليهود. كل اسبوع نقرأ في "هآرتس" مقالات شجاعة وانسانية كتبها كتَّاب شرفاء، وأيضا في "يديعوت احرونوت" نجد احيانا مقالات شجاعة، كما اننا نلاحظ على شاشة قنوات التلفزيون الكثير من مواقف التضامن معنا، وأيضا مع الشعب الفلسطيني المحاصر في زنزانة المناطق المحتلة.
إنني، كمواطن، أناشد لجنة المتابعة ولجنة الرؤساء وكل الأطر العربية والوف العرب الذين يعملون أو يتعلمون مع اليهود يومياً، أن نقوم بتغيير جذري، نوعي، من "الاباء" الرافض للحوار واللقاء، الى اختراق منظم ومنهجي للمجتمع اليهودي، وهذه هي قمة الوطنية الحقيقية والفعالة.
ان التدهور نحو العنصرية اليمينية المتطرفة في الحياة السياسية اليهودية يضاعف من حاجتنا الى التفتيش عن اليهود الانسانيين الدمقراطيين المعتدلين القلقين، الذين هم أيضاً بحاجة الى التحالف معنا!
سالم جبران – رئيس تحرير جريدة الأهالي

ليست هناك تعليقات: