د. فايز أبو شمالة
كان يرتدي معطفاً أزرق، ويداه مقيدتان إلى الأمام، وكان معه قرآن، طلبوا منه أن يستمع إلى لائحة الاتهام، وقرار الإعدام من قبل القاضي، وبحضور المدعي العام، بينما كان الرئيس العراقي "صدام حسين" يردد: عاشت فلسطين، الموت لأمريكا، وعاشت المقاومة، وعاش العراق. ويضيف "الدكتور موفق الربيعي" مستشار الأمن القومي العراقي: ثم أخذناه إلى غرفة الإعدام، فتم قص طوق اليد، وكان طوقاً من البلاستك، فقلت للحارس الذي يقص القيد: دير بالك. لأنني سمعته يقول: آخ.
ويضيف "الربيعي": أعطاني صدام حسين القرآن. فقلت له: ما هذا؟ قال: هذه أمانة أعطيها لأهلي. فقلت له: أعطه للمدعي العام. فأعطاه له، وسأله: لمن أعطيه. فقال: إما لأهلي، أو للمحامي خليل الدليمي.
ويضيف "الدكتور الربيعي" ثم أخذ ينظر إلي نظرة حادة بادلته بمثلها، ثم قال: دكتور، لا تخف. فقلت: أنا لست محكوماً بالإعدام، فلماذا أخاف؟. فقال: هذه للرجال؛ يقصد المشنقة. فشدوا يديه إلى الخلف، وشدو قدميه، وصعدوا فيه الدرج، وباقي القصة معروفة.
كم أوجعتني وقاحة "موفق الربيعي" وهو يصف اللحظات الأخيرة من حياة مقاوم عربي! وكم أوجعني ما يدعيه هذا المقاول الأمريكي من إنسانية، ومن رحمة وهو ينبه الحارس بأن يدير باله! وكم أوجعني رفضه أن يأخذ كتاب الله من يد "صدام" كأمانة يسلمها إلى أهلها، ليؤكد بذلك أنه وأمثاله من المتعاونين مع الغزاة ليسوا من حملة الأمانة، وما انفكوا أدوات نبش، وهبش مستأجرة ضد مصالح الأمة العربية بشكل عام.
لقد أكتشف من حديث "موفق الربيعي" رجاحة عقل صدام حسين وهو يضع خيارين لتوصيل الأمانة؛ إما لأهله، أو لمحاميه، وكأنه معنيٌّ بتوصيل الأمانة التي يقول فيها لكل العرب: كتاب الله هو حبل نجاتكم من مشانق الأعداء، وهو الذي أمدني بهذه الثقة كي أتأرجح على لحظة التاريخ الخالدة، وأُقْبِلُ عليها غير مُدبرٍ، رافضاً أن أكون موظفاً لدى السفارة الأمريكية بدرجة رئيس دولة!.
لقد أدرك صدام حسين وهو يصعد إلى حبل المشنقة أن "موفق الربيعي" يهبط مرعوباً، لذا طمأنه؛ أن هذه المشنقة ليست إليك، إنما هي لي أنا صدام حسين، وتخصني، ففي زمن الغزاة، والانقلاب على النخوة العربية، وتشويه البراءة، وقتل المروءة، وتدمير البلاد، وذبح صفوة العباد، فالمشانق لا تكون إلا للرجال، ستأكل من لحمهم حتى تشبع قبل أن يعيد الزمن دورته من جديد، لتنتصب مشانق من نوع آخر، مشانق الذِلَّةِ والمهانة لغادر الأمانة.
يا صدام، ستعيش فلسطين، وتعيش المقاومة، ويعيش العراق عربياً، وستموت إسرائيل، وتتفرق أيدي مستوطنيها، ويغور حلفاؤها، فهي التي انقضّتْ عليك لأنك عاديتها، فقبضتْ عليك زمرة "الربيعي" التي قايضتْ الديار بالدولار، فقبضتْ حفنة من عار.
fshamala@yahoo.com
كان يرتدي معطفاً أزرق، ويداه مقيدتان إلى الأمام، وكان معه قرآن، طلبوا منه أن يستمع إلى لائحة الاتهام، وقرار الإعدام من قبل القاضي، وبحضور المدعي العام، بينما كان الرئيس العراقي "صدام حسين" يردد: عاشت فلسطين، الموت لأمريكا، وعاشت المقاومة، وعاش العراق. ويضيف "الدكتور موفق الربيعي" مستشار الأمن القومي العراقي: ثم أخذناه إلى غرفة الإعدام، فتم قص طوق اليد، وكان طوقاً من البلاستك، فقلت للحارس الذي يقص القيد: دير بالك. لأنني سمعته يقول: آخ.
ويضيف "الربيعي": أعطاني صدام حسين القرآن. فقلت له: ما هذا؟ قال: هذه أمانة أعطيها لأهلي. فقلت له: أعطه للمدعي العام. فأعطاه له، وسأله: لمن أعطيه. فقال: إما لأهلي، أو للمحامي خليل الدليمي.
ويضيف "الدكتور الربيعي" ثم أخذ ينظر إلي نظرة حادة بادلته بمثلها، ثم قال: دكتور، لا تخف. فقلت: أنا لست محكوماً بالإعدام، فلماذا أخاف؟. فقال: هذه للرجال؛ يقصد المشنقة. فشدوا يديه إلى الخلف، وشدو قدميه، وصعدوا فيه الدرج، وباقي القصة معروفة.
كم أوجعتني وقاحة "موفق الربيعي" وهو يصف اللحظات الأخيرة من حياة مقاوم عربي! وكم أوجعني ما يدعيه هذا المقاول الأمريكي من إنسانية، ومن رحمة وهو ينبه الحارس بأن يدير باله! وكم أوجعني رفضه أن يأخذ كتاب الله من يد "صدام" كأمانة يسلمها إلى أهلها، ليؤكد بذلك أنه وأمثاله من المتعاونين مع الغزاة ليسوا من حملة الأمانة، وما انفكوا أدوات نبش، وهبش مستأجرة ضد مصالح الأمة العربية بشكل عام.
لقد أكتشف من حديث "موفق الربيعي" رجاحة عقل صدام حسين وهو يضع خيارين لتوصيل الأمانة؛ إما لأهله، أو لمحاميه، وكأنه معنيٌّ بتوصيل الأمانة التي يقول فيها لكل العرب: كتاب الله هو حبل نجاتكم من مشانق الأعداء، وهو الذي أمدني بهذه الثقة كي أتأرجح على لحظة التاريخ الخالدة، وأُقْبِلُ عليها غير مُدبرٍ، رافضاً أن أكون موظفاً لدى السفارة الأمريكية بدرجة رئيس دولة!.
لقد أدرك صدام حسين وهو يصعد إلى حبل المشنقة أن "موفق الربيعي" يهبط مرعوباً، لذا طمأنه؛ أن هذه المشنقة ليست إليك، إنما هي لي أنا صدام حسين، وتخصني، ففي زمن الغزاة، والانقلاب على النخوة العربية، وتشويه البراءة، وقتل المروءة، وتدمير البلاد، وذبح صفوة العباد، فالمشانق لا تكون إلا للرجال، ستأكل من لحمهم حتى تشبع قبل أن يعيد الزمن دورته من جديد، لتنتصب مشانق من نوع آخر، مشانق الذِلَّةِ والمهانة لغادر الأمانة.
يا صدام، ستعيش فلسطين، وتعيش المقاومة، ويعيش العراق عربياً، وستموت إسرائيل، وتتفرق أيدي مستوطنيها، ويغور حلفاؤها، فهي التي انقضّتْ عليك لأنك عاديتها، فقبضتْ عليك زمرة "الربيعي" التي قايضتْ الديار بالدولار، فقبضتْ حفنة من عار.
fshamala@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق