السبت، يوليو 11، 2009

السلطات المحلية على حافة الانهيار- وماذا تفعل القيادات لمنع هذا الانهيار؟

سالم جبران

دعا رئيس بلدية الناصرة، رئيس لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية، في الاسبوع الماضي، ووزير الداخلية الى "اجتماع عاجل" معه للتباحث لمنع انهيار السلطات المحلية العربية!

حسناً أن السيد جرايسي يريد أن يبحث مع الوزير، ولكن أليست هناك حاجة، بالقدر نفسه واكثر، إلى اجتماع طاريء للجنة المتابعة ومعها لجنة الرؤساء لبحث هذا الموضوع، ليس لاجتماع بروتوكولي يصدر في ختامه بيان "روتيني" يوزَّع على الصحف، وكفى الله المؤمنين شر القتال!

إن المواطن العربي يسأل نفسه- وهو سؤال مؤلم- هل إذا اجتمعت "القيادة" قادرة على أن تخرج بخطة حقيقية قابلة للتنفيذ تخفف الأزمة أو تحلها؟

السيد جرايسي قال قبل اسبوعين إن ثلث السلطات المحلية العربية"محلولة" وتقود المدن والقرى هناك" لجان معينة"، والرؤساء المعيَّنون في أغلب الحالات من "ابناء عمومتنا". ولم تخف الحكومة تعيين مدير سجن سابقاً رئيساً معيناً في الطيبة!!!

إن الازمة العميقة للحكم المحلي العربي هي نتيجة مباشرة لتراجع العقلية المدنية، لتراجع العقلية القومية الحقيقية، وتراجع الاحساس الواعي بالمواطنة عند فئات متزايدة.

هل سألت القيادات نفسها يوماً: لماذا هذا التدهور؟ إن العائلية السياسية تتقدم بينما تنحسِر السياسة العصرية في مجتمعنا، والمعركة للهيمنة على السلطة المحلية هي صراع للهيمنة الاقتصادية، صراع على "كعكة" الوظائف والمقدَّرات العامة. وللأسف فان الاحزاب تنحسِر أمام "غول" العائلية السياسية-الاقتصادية، كما تخسر أمام الطائفية!!

ان جعجعة "الفلسطَنة" لا تحمل أي مشروع حقيقي للتنفيذ، نحن نصرخ ونظن اننا نخيف لبرمان ونتنياهو وبراك، والمستوطنين، بينما في الحقيقة الصراخ العالي يعكس الفراغ والعجز، وشعبنا خلال سنوات لا يرى إِنجازات حقيقية، هل تذكرون مشروع اقامة جامعة في الناصرة؟ هل تقوم سلطاتنا المحلية بخطة عقلانية للتوعية، وتبعاً لذلك زيادة قيام المواطنين بواجباتهم تجاه سلطاتهم المحلية؟

الا يشربون ماء؟ إذن لماذا لا يدفعون ثمن المياه؟ الا يسيرون على الشوارع؟ اذن لماذا لا يدفعون الرسوم للسلطات المحلية؟ الا يتعلم اولادهم في مدارس السلطة المحلية؟ اذن لماذا لا يدفعون؟

إن اخذ الخدمات- واحياناً بالسرقة- وعدم دفع الاثمان ليس فقط عملاً خطيراً من قِبَل المواطن، بل ان تسليم السلطة بذلك هو عمل ليس أقل خطورة!!

هل فكرت لجنة المتابعة ولجنة الرؤساء، يوماً، تفكيراً حقيقياً بهدف الوصول الى استنتاجات، حول تفشي الطائفية السياسية والعائلية السياسية؟ ألا نلاحظ كلنا أن المسؤولين البلديين والحزبيين يتملقون لكل من ربّى ذقنه ونَصَّب نفسه وصياً على الدين والتديُّن؟ ألم يخسر العلمانيون بدافع الخوف أو بدافع الجبن، وتركوا الساحات لشعوذات ليس بينها وبين التديُّن الحقيقي الصادق أية صلة؟!

هل يعرف أو لا يعرف أفراد النُّخَب السياسية والثقافية في شعبنا عمق أزمة اللغة العربية بين شعبنا وفي مدارسنا؟ استمعوا الى الاذاعة والتلفزيون وانظروا اية ضحالة واية هشاشة وأي تكسير للقواعد، ليس فقط في كلام اناس بسطاء، بل في كلام اساتذة!!!

لقد كان مجتمعنا محصناً قومياً وصحيحاً سياسياً، حتى ايام الحكم العسكري وفي الستينات والسبعينات اكثر من اليوم. عندما تكون أقصى أحلام السياسي أن يفوز بالمنصب، بالكرسي، بالمعاش وتوابعه، في السلطة المحلية أو في الكنيست، فانه يصير عاجزاً، موضوعياً، عن أن يكون مَثَلاً أمام الشعب وقائداً حقيقياً، ميدانياً (لا في التلفزيون)، أمام الشعب.

هل نحتاج الى عبقرية حتى نلاحظ أن ما يسمى "القيادات" لا تحظى بالاحترام والثقة من الناس الا نادراً؟

يجب ان نعترف ان الاساس الموضوعي للأزمة العامة في مجتمعنا هي الأزمة السياسية العاجزة عن محاربة فعالة للعائلية والطائفية وقومية الجعجعة الانفعالية، وبناء مشروع قومي-حضاري لشعبنا نقاوم به السياسة العنصرية الاقتلاعية الحصارية، وفي الوقت نفسه نبني الانسان العصري، الحر والشجاع الذي يقاوم الظلم ويبني الانسان، يقاوم التمييز العنصري ويشارك في بناء مجتمعنا وتطويره، اجتماعيا واقتصادياً وبلدياً، ويشارك في بناء المناعة الوطنية لشعبنا، ضد كل أشكال التشرذم الطائفي، العائلي والحزبي.

ان امتحان القيادة هو في مدى قدرتها على طرح مشروع وتعبئة الناس لتنفيذ هذا المشروع. ان كسب ثقة الناس هو المفتاح السحري للخروج من أزمتنا القاسية.

سالم جبران – كاتب ، شاعر ومفكر فلسطيني

ليست هناك تعليقات: