الثلاثاء، أبريل 07، 2009

القتل المعنوي للآخر في المعتقد : بسمة موسي نموذجاً

محمود الزهيري

)العنصرية مرض في النفس والروح يقتل أكثرمن أي وباء آخر(
نلسون مانديلا

إعتدنا الهزائم النفسية , فتقبلنا الهزائم العقلية بجدارة .. لم نستطع أن نقبل أنفسنا حين نفتش عن الآخرالداخلي الساكن فينا .. ذلك الآخرالداخلي الرافض لذواتنا .. والكاره لنفوسنا .. فكيف بنا أن نقبل بالآخر الخارجي ؟!!

لم ننفعل للحقيقة التي إعتدنا تغييبها إذا وجدناها , أو إذا تعثرت فينا بلا قصد أو إرادة , وإنما إنفعلنا للوهم وانتصرنا للتوهم .. لم نبحث عن أسباب التخلف والجهل , ولم نعر إهتماماً لقضايا الفقر والمرض , ولم تشغلنا قضايا الفساد والإستبداد , لم نهتم للأسئلة الحقيقية , فهي لاتشغلنا , وإن شغلتنا لانجد لها إجابات .

الذي يشغلنا هو الهوية الدينية المجانية التي لاتحمل تكاليف , فهي في حد ذاتها ورثناها كما ورثنا عن الأباء والأجداد والأسلاف مواريثهم , وعجزنا عن إضافة مايخدم الإنسان , إلا الإنسان الذي ينتمي فقط لذات الهوية , وهذه هي الأخري قد فقدناها , والصراعات داخل الهوية الدينية المجانية الواحدة , والمذهب الواحد , دليل علي ذلك .

الكلمة في العالم العربي بتخومه الإسلامية فقدت مسؤليتها الإجتماعية , وتم إختزالها في مفردات بسيطة في نطقها اللغوي , وتنطوي خطورتها في مدلولاتها الدينية , لأن المسؤلية الإجتماعية بأبعادها المواطنية تحولت إلي إرادة الرفض للآخر في العقيدة , فتحولت الكلمة إلي سهام قاتلة بقذيفة الكفر , ورصاصة الفسق , أو قنبلة الردة , وصاروخ الحرابة , وهذه الأسلحة تعود لترتد بالهلاك علي المجتمع , وتقسمه إلي فرز طائفي مبني علي التمييز بين أبناء المجتمع , وتحويله كله إلي آخر يتحارب مع الآخر .

ماحدث مع الدكتورة بسمة موسي , ومع بعض البهائيين في مصر , وعلي مشهد ومسمع من الجميع في مصر ومعظم المشاهدين , وعلي الرأس منهم النظام الحاكم وأتباعه في سلطة الحكم الإستبدادي , المسيطر علي أجهزة الإعلام والمؤسسات الدينية الموظفة للتخديم علي بقائه واستمرارمنظومة الإستبداد , فهذا المجتمع علي إستعداد أن يتعامل مع الصينين الذين يجوبون المدن والقري المصري لعرض بضاعتهم , وترويج تجارتهم , ولايسأل هذا المجتمع عن ديانة هؤلاء الصينين , بل يقاهم بترحاب وبشاشة , ولا يسأل عن دينهم أو معتقدهم , وكذلك مع السياح الأجانب يتم فعل نفس الأمر, وقد يكون هؤلاء الصينين من عباد بوذا , أو ذدرادشت , أو كونفوشيوس , او من الذين بعبدون البقر أو الفئران , أو الصراصير , ولايؤمنون بدين سماوي من الديانات الثلاث , ومع ذلك يقبلهم المجتمع , ويرحب بهم .
ولكن مع من هم مصريين , يحملوا هموم الوطن , ويتألموا لألم المواطن , من مثل الدكتورة بسمة موسي , يقابلوا بالتهديد بالنفي والطرد والوعيد بالقتل , لماذا : لأنهم لايدينوا بدين الأغلبية , فكان عليهم إما أن يكونوا مسلمين , أو منافقين ... فهذا ماتربي عليه المجتمع المأزوم , الذي لايقبل منك أن تكون غير مؤمناً بديانته أو بمعتقده , ولكن يقبلك منافقاً !! .

المرعب في الجريمة هو وجود صحافي يقوم بدور الحسبة الدينية المختلطة بالحسبة السياسية و توظيف مسؤل حزبي ينتمي للحزب الحاكم في مصر , ووجوده علي رأس تنظيم من شباب الجامعة , وقيادتهم لبعض الأهالي من تلك القرية وتعديهم علي البهائيين , وطردهم من مساكنهم إلي حيث يكون مثواهم هو المجهول , تحت دعوي الكفر والردة , والخيانة والعمالة لإسرائيل والصهيونية العالمية , وكأنهم ليسوا بمواطنين مصريين يحكمهم دستور وقانون مغيبين بإرادة سلطة الإستبداد !!

صناعة الفتن الطائفية , واختلاق الأزمات الدينية والعقيدية , أمر موكول بحسم إلي منظومة الإستبداد , فكلما يقع النظام الحاكم في أزمة أصطنع أزمات للمدارة علي أزماته , أو صرف الأنظار عن خيباته المتلاحقة التي دمرت المواطنين , وأذلتهم , وأفقرتهم وأمرضتهم , وجعلتهم يتيهوا في دروب الفساد والإستبداد , وكان الدين و الوطن هما درعي حماية النظام الإستبدادي داخلياً.

وخارجياً ,هناك درع آخر يحتمي به نظام الفساد والإستبداد هو التلويح بالإتهام بمناصرة إٍسرائيل وتأييد الصهيونية , ويستتبع ذلك الإتهام بالخيانة والعمالة , في حين أن النظام الحاكم هو من يبيع الوطن , ويوظف الدين لصالحه , بتأميم المؤسسات الدينية واحتكاره لها وحده , وهو في ذات الوقت من تربطه بإسرائيل شراكة إستراتيجية تكاد تصل لقيام إتحاد كونفيدرالي بين الدولتين ,ويتخذ المسألة الإسرائيلية درع حماية له , بتزكية العداء من جانب الشعب , وإظهار الولاء منه للدولة العبرية !!

استخدام الدين وتوظيف المشاعر الدينية , ليس من وظيفة الفقراء والمرضي والمعدمين , وليس منوط القيام به من الجهلاء والدهماء والسوقة من أبناء الشعب المأزومين برغيف الخبز الذي حلت مصيبة الحصول عليه بسهولة ,, ومن هذا هو حاله يصبح الدين لديه أمر فردي , وشأن خاص به .

أما من له مصالح في الإستمرار في منظومة الطغيان والقتل والإٍستبداد للتخديم علي مصلحته , فلديه مكنة خلق الجماعات الوظيفية التي تخلق التوترات وتزيد من نبرة العنصريات الدينية والعقيدية , وحتي صناعة الأزمات السياسية , ليبقي المجتمع في حالة إحتراب داخلي , ليحصل النظام الحاكم علي مصلحته في البقاء والإستمرار في منظومة الطغيان وحلفاء الطغيان لرعاية مصالحهم فقط علي حساب حالات الإحتراب الداخلي المصنوعة علي عين سلطة الطغيان والقتل .

في مجتمعات الطغيان والقتل والإستبداد , يصبح المخالفين لهذه المنظومة أقلية , سواء كانت دينية أو سياسية , والأزمة ليست في البهائية , أو البهائيين , وإنما علي نفس الخط هي أزمة المسيحيين , والقرآنيين , والشيعة , وهي أزمات مصطنعة في مجتمع مأزوم يسعي النظام الحاكم لتأليب أتباع الأغلبية الدينية ضد الأقليات الدينية سعياً للتغطية علي جرائم النظام الحاكم ضد المجتمع .

من أدوات أنظمة الفساد والإستبداد التي يتم توظيفها , الآلة الإعلامية الجبارة التي أصبحت تسير علي خط متواز مع الآلة الدينية الممثلة في الهيئات والمؤسسات الدينية المؤممة , والآلة الأمنية المنتهكة لحرمات وحريات المجتمع والموظفة كمثيليها في المؤسسات الإعلامية والدينية .

غالبية البرامج الحوارية التي تتم إذاعتها عبر وسائل الإعلام , هي برامج معدة سلفاً , ومعدوها ومقدموها , من أتباع تلك الأنظمة الضليعة في صناعة الأزمات , وخلق الفتن , وصناعة بؤرالإحتراب الإجتماعي من خلال تلك البرامج التي تضر بمفهوم المواطنة لصالح العنصرية الدينية بأبعادها الوظيفية .

كيف يكون هناك إعلام مستقل , ومؤسسات دينية مستقلة , وجهاز أمني مستقل , بل ونظام قضائي مستقل , في ظل دولة مركزية شمولية تسعي لتفكيك المجتمع لإستخدامه كقطع غيار لإصلاح ماتري إصلاحه , وترك ماقامت بتفكيكه حسب إرادة منظومة الدولة المركزية الشمولية , التي حررت الإقتصاد وأممت الصحافة والإعلام , والمؤسسات الدينية ؟!!.

تظل الأزمة قائمة بغياب منظومة الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان , إنتظاراً لمصائب جديدة ضد المسيحيين , أو القرآنيين , أو الشيعة , أو أي أقلية دينية أو عرقية أخري , ليبقي النظام الحاكم محافظاً علي أهداب الدولة المركزية الشمولية الإستبدادية , مستعيناً في ذلك بأجنحة الإسلام السياسي , والأجنحة القومية العروبية , ومستخدماً الصراع الإسرائيلي والعداء للدولة العبربية درعاً واقياً للحفاظ علي وجوده فقط , وليذهب المجتمع إلي الجحيم إن شاء أن يذهب , وإن لم يشأ فليرضي صاغراً ذليلاً لإرادة الطغيان والقتل والإستبداد .

فهل القضاء الوطني في ظل هذه الأوضاع قد يكون له دور ؟

أم أن القضاء الدولي من الممكن أن يكون له دور تجاه تلك الجرائم المرتكبة في حق هذه الأقليات ؟!!

الأمر متروك لمن هو مهموم بالمواطنين قبل الأوطان , ولمن هو مأزوم بقضايا الإنسان قبل الأديان !!

أم أن قضايا القتل المعنوي للآخر ستسمر في حق أبناء المجتمع , لتقوية البنيان المادي لأنظمة الفساد والإستبداد والقتل والطغيان علي حساب هذا القتل المعنوي الذي من الممكن أن يتحول لقتل حقيقي كما حدث في العديد من المواقع ؟!!

وهل سيتكرر نموذج القتل المعنوي لآخرين كما حدث للدكتورة بسمة موسي ؟!

الأيام شاهدة , والمستقبل ملئ بالمفاجآت .

mahmoudelzohery@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: