الأربعاء، أبريل 22، 2009

جورج لابيكا: الفيلسوف الذي بقي مناهضا للامبريالية

زهير الخويلدي

" السياسة كالطبيعة تكره الفراغ. وإن الشعوب تعرف عندما يأتي وقت الشدة كيف تغرف من احتياطياتها العميقة ما تحتاج إليه من طاقة تساعدها على الوقوف على قدميها."[1]

إن الشخص الذي رحل عن الدنيا يوم 12 فيفري 2009 في صمت ودون أن تكتب عنه حتى الصحف والمجلات والمواقع اليسارية ما عدى البعض منها فقط ليس مجرد أستاذ الفلسفة في جامعة باريس العاشرة (نانتير) ومدرسة المعلمين العليا والجامعة الجزائرية والذي ألقى الدروس والمحاضرات لعشرات السنوات وكون العديد من الطلبة والأساتذة وسير الورشات والمخابر وأشرف على العديد من الأطروحات وساهم في العديد من الموسوعات وخاصة معجم الماركسية النقدي الذي عدله عدة مرات ولاقى نجاحا كبيرا وإنما هو المناضل الكبير ضد الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي وقد وصل الأمرإلى حد اصدار حكم الإعدام ضده لمساندته حركة التحرير الوطني الجزائرية وهو أيضا المقاوم المناهض للامبريالية وكل النزعات العنصرية بما في ذلك الصهيونية والشمولية وظهر ذلك خاصة في حرب جنوب لبنان في تموز 2006 أين وقف على خلاف البعض من اليساريين مع حزب الله وأيضا يعد واحدا من المتحمسين المناصرين للقضية الفلسطينية والحقوق العربية وظهر ذلك جليا في محرقة عزة حيث انظم إلى صفوف المنادين بإيقافها وفك الحصار وفتح المعابر والمشهرين بالطبيعة العدوانية الدموية للايديولوجيا الصهيونية فهو قد نحت تسمية "صهيونازية" Sionazisme .

يشهد للابيكا دفاعه عن حماس وحزب الله والمقاومة في العراق ولذلك نجده يرى:" إنهم يعتقدون أن الحزب طالما هو "حزب الله"، وإسلامي، فإنه إذن غير تقدمي...إن حزب الله وُلِد في أحدى المراحل الأكثر قسوة في التاريخ المعاصر للبنان. وهو وُلد بوجه خاص للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي. وأصبح الحزب بمقاومته للاحتلال حزبا قومي"[2].

لقد كرس جورج لابيكا حياته كلها للدفاع عن حقوق المظلومين وللمطالبة بالالتزام بالقيم الإنسانية العادلة وخاصة المساواة والعدالة والحق في المعرفة والتنمية والحداثة وجعل من الفلسفة الماركسية هي المنبع الذي يستمد منه نزعته الراديكالية الرافضة لكل الخيارات اليمينية المفلسفة. فقد أرخ للكتاب الأسود للرأسمالية وتساءل: هل هناك حياة بعد الرأسمالية؟ وكتب عن "أسياد العالم" وعن "الإمبراطورية في حالة حرب" واختص في مقدمة عبد الرحمان ابن خلدون وعلق على العديد من النصوص المنتزعة منها وتناول إشكالية الديني والسياسي فيها، وقد ألف أيضا كتاب "نظرية في العنف" وقد اهتم في كتاب مستقل بإشكالية "الديمقراطية والثورة" وانتهى إلى أنهما مفهومان غير متعارضان إذ ينبغي أن تهيئ الديمقراطية الأرضية نحو الثورة وينبغي على الثورة أن تقود إلى إقامة ديمقراطية حقيقية خاصة وأنه لا يوجد مشروعا آخر للصراع الطبقي المناهض لليبرالية والامبريالية حيث يستدعي العنف المهيمن العنف الثوري كأحسن رد مناسب.

ارتبط اسم جورج لابيكا بالفلسفة والماركسية وارتبطت النظرية الفلسفية عنده بالثورة باعتبارها سياسة الفلسفة وحول هذا الأمر يصرح على لسان روبرسبيير:" يجب تنوير الشعب لا انامته، ان سلامة الثورة تؤسس التيقظ الأكثر حدة"[3].

بيد أن لابيكا لا يعد ضمن التيار الأرثوذوكسي المتعصب للماركسية بل هو مجدد وإصلاحي ومعجب إلى حد كبير بإضافات لويس ألتوسير في "من أجل ماركس" و"اقرأ ماركس" وقد تأثر أيضا بكتاب جاك دريدا "أطياف ماركس" وقراءات هنري لوفيفر لنصوص ماركس ويعتبر أن اليسار في حاجة إلى التحالف مع الثقافة الوطنية والمخزون الثوري للأديان من أجل الاستمرار في التأثير في المشهد السياسي والتغلغل الجماهيري والتحول إلى قوة تغييرية للتاريخ وقد صرح في هذا السياق:" "إن الثوريين عبر العالم وخلال العقود المنصرمة كانوا يدركون جيدا أن المعسكر الاشتراكي كان يعاني من أمراض داخلية تهدد كيانه، لكن لا أحد كان يتوقع أبدا -بما في ذلك العالم الرأسمالي الغربي- السرعة التي انهار بها، ولا أن يتم ذلك بشكل سلمي نسبيا، وفي وقت وجيز قياسا مع حجم التحولات الضخمة التي حدثت"[4]. ولهل السؤال الذي لم يفارقه طوال حياته هو: ما العمل؟ وأين البديل؟

يتبنى لابيكا تحليل علمي للواقع ويرفض الشعارات الفارغة والتنبؤات الإيديولوجية وقد دعا صراحة عندما التقينا به في مؤتمر نظمته مؤسسة بيت الحكمة بقرطاج في السنة الفارطة عن العنف إلى المقاومة من خلال هيئات المجتمع المدني وتركيز نقاط متفرقة مناهضة للعولمة وفي هذا الأمر نجده يقول:" البديل يوجد في الواقع نفسه، والمستقبل الذي يسعى إلى توليده الثوريون ليس كما يتصورون أو يحلمون بل كما هو موجود في الواقع في تناقض جدلي مع الوضع السائد."[5]

عرف لابيكا أيضا بجرأته ونقده الحاد لرجال السياسة والحكم وقد أدلى ببعض التصريحات التي ينتقد فيها سياسات اليمين وخاصة تناقضه مع مشروع ساركوزي الليبرالي وسلفه السابق الديغولي الجيد جاك شيراك، كما أنه هاجم بشدة سياسات جورج بوش الحربية خاصة تجاه المنطقة العربية وعارض احتلاله للعراق وكان في مقدمة المدافعين عن حق العراقيين في المقاومة وشرعية تصديهم لموجات الاختراق الكلياني الامبريالي. علاوة على ذلك دعا لابيكا إلى تصفية تركة الاستعمار وإتباع سياسة الاندماج والتفاعل مع الثقافات التي يحملها المهاجرين وتعاطف مع ما عرف بانتفاضة الضواحي وحمل النظام السياسي اليميني مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية والبطالة والفقر والمرض اذ يقول :" وفي بلدان أوروبا الغربة نفسها نجد أكثر من 32 مليون عاطل وحالات منتشرة من الفقر المدقع تجعلنا نقول بأن "العالم الثالث" أصبح داخل "العالم الأول". أما في أوروبا الشرقية فلقد أصبحت البطالة تمس 75 في المائة من السكان بفعل الانتقال إلى "اقتصاد السوق"[6].

لقد أثار لابيكا العديد من القضايا الفلسفية الراهنة واقتحم العديد من الصعوبات العملية وحاول البحث عن امكانيات الأرحب وتلمس طرق جديدة يمكن أن تسير عليها البشرية في المستقبل ولكن ظلت البعض من تحليلاته يكتنفها الغموض وتتطلب توضيحات وخاصة ربطه بين الديمقراطية والثورة وبين الفضيلة والحرب وشرعنته للعنف وتردده أمام معالجة الدين والسياسة وقد قال حول ذلك:" يبدو من الواضح منذ الآن بالفعل أنه إذا لم تكن تحالينا بلا جدوى أن الجواب الأول وحده مقبول: في الدفاع عن قضية الشعب الى نظرية الثورة تنجز سياسة الفلسفة عقليتها في اقتراحات أخلاقية (سياسية) دينية"[7].

ظل جورج لابيكا إلى آخر يوم في حياته ثوريا رومانسيا عربيا أكثر من العرب يحب فلسطين والجزائر وابن خلدون وينظر إلى عودة الإسلام الاحتجاجي المقاوم على أنها بارقة خير وتعزيز مؤثر في وجهة الصراع الذي تخوضه حركات التحرر في العالم ضد الامبريالية والصهيونية، وبقي متفائلا ومؤمنا بالإنسان والأممية وإقامة جنة السماء في دنيا الأرض، أليس هو المنشد: "إن أمل الإنسانية في العدالة الاجتماعية والتقدم والهناء لا يمكن أن يقتل. وإن بروز البديل الاشتراكي الحقيقي من أحشاء الوضع السائد حاليا ضرورة تاريخية لا محيد عنها، ولن يتأتى بروز هذا البديل إلا بتنمية وتدعيم وتكثيف النضال الديمقراطي في جميع بقاع العالم، شمالا وجنوبا، وترسيخه في المجال الاجتماعي على الخصوص حتى يتأتى فتح الطريق نحو عهد "ديمقراطية المنتجين" وعهد "المواطنة الحقيقية المتكاملة"[8]. ؟

المراجع:

جورج لا بيكا، روبرسبيير سياسة الفلسفة ، ترجمة منصور القاضي، الطبعة الأولى مجد بيروت 1994

جورج لابيكا، مقال لبنان ـبتاريخ 15 سبتمبر 2006، ترجمة حسن خالد، موقع البديل، من أجل عالم أفضل

محاضرة ألقاها بمناسبة مشاركته في ندوة مستقبل الاشتراكية العلمية نظمها حزب العمل السويسري ، عن موقع مغرب الوقائع

كاتب فلسفي

--------------------------------------------

[1] جورج لابيكا، مقال لبنان ـبتاريخ 15 سبتمبر 2006، ترجمة حسن خالد، موقع البديل، من أجل عالم أفضل

[2] جورج لابيكا، مقال لبنان ـبتاريخ 15 سبتمبر 2006، ترجمة حسن خالد، موقع البديل، من أجل عالم أفضل

[3] جورج لا بيكا، روبرسبيير سياسة الفلسفة ، ترجمة منصور القاضي، الطبعة الأولى مجد بيروت 1994

[4] محاضرة ألقاها بمناسبة مشاركته في ندوة مستقبل الاشتراكية العلمية نظمها حزب العمل السويسري ، عن موقع مغرب الوقائع

[5] محاضرة ألقاها بمناسبة مشاركته في ندوة مستقبل الاشتراكية العلمية نظمها حزب العمل السويسري ، عن موقع مغرب الوقائع

[6] محاضرة ألقاها بمناسبة مشاركته في ندوة مستقبل الاشتراكية العلمية نظمها حزب العمل السويسري ، عن موقع مغرب الوقائع

[7] جورج لا بيكا، روبرسبيير سياسة الفلسفة ، ترجمة منصور القاضي، الطبعة الأولى مجد بيروت 1994، ص105

[8] محاضرة ألقاها بمناسبة مشاركته في ندوة مستقبل الاشتراكية العلمية نظمها حزب العمل السويسري ، عن موقع مغرب الوقائع

ليست هناك تعليقات: