الجمعة، أبريل 24، 2009

عن الأسرى والمعابر والقدس

راسم عبيدات

........بات من الواضح أن الهجمة الشاملة والمسعورة،والتي تشنها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية على الأسرى الفلسطينيين،أخذت بعداً خطيراً،حيث أقدمت أول أمس الأربعاء 22/4/2009 قوة كبيرة من قوات قمع السجون"المتسادا والنحشون" بالاعتداء بالضرب المبرح بالهروات وأعقاب البنادق والغاز المدمع على عشرين أسيراً من سجن عسقلان،وهم مكبلي الأيدي والأرجل،أثناء نقلهم في سيارة"البوسطة" للمحكمة الإسرائيلية في سجن عوفر،وذلك لرفضهم ارتداء زي"معتقل غوانتنامو" الزي البرتقالي،والذي يهدف إلى وسم نضالنا بالإرهاب وإظهار أسرانا على أنهم مجموعة من القتلة واللصوص والحشاشين،وهذا الاعتداء الوحشي من قبل قوات قمع السجون على أسرانا البواسل في سجن عسقلان وغيره من السجون،يثبت أن إدارة السجون الإسرائيلية،تهدف من هذه المعركة إلى كسر إرادة الحركة الأسيرة الفلسطينية،وتفتيت وحدتها وسحب منجزاتها ومكتسباتها،والعودة بها إلى مرحلة السبعينات.

وقد بدأت معركة تضيق شاملة عليهم في كل مناحي وشؤون حياتهم الاعتقالية،بعد تولي اليميني المتطرف من حزب "إسرائيل بيتنا"(أيتسحاق أهروفينتش) لوزارة الأمن الداخلي،فهو يؤمن كما هو حال رئيس حزبه(أفيغدور ليبرمان) أنه يجب إغراق الأسرى الفلسطينيين في البحر،وكذلك الضابط الذين عينهم في إدارة مصلحة السجون،يصفون كل الظروف المأساوية التي يعيش فيها أسرانا في السجون الاسرائيلية،بأهم يعيشون في مخيمات صيفية،وهم يرون أن السجون يجب أن تكون مكان للتعذيب والقتل،ولعل أخطر ما في الأمر هو الحرب على الجبهة الثقافية،حيث عمدت إدارة السجون إلى مصادرة مقتنيات الأسرى من الكتب وحظرت إدخالها إليهم من خلال الأهالي،وبما يعني بالملموس قتل وموت بطيء للأسرى وحرمانهم من تطوير وامتلاك العلم والمعرفة والثقافة،أي منع الحركة الأسيرة من بناء حركة أسيرة قوية،وعدم العودة بالسجون الى أن تكون مدارس ومنارات علم وثقافة،حيث خرجت تلك القلاع الكثير من الكادرات والقادة والذين شغلوا مواقع تنظيمية وحزبية وسياسية متقدمة في أحزابهم وتنظيماتهم.

هذه المعركة والهجمة تتضح معالمها شيئاً فشيئاً،وهي بحاجة إلى دعم ومساندة جديتين من قبل كل أبناء شعبنا بسلطته وأحزابه وفصائله ومؤسساته الحقوقية والإنسانية والشعبية،وذلك لكي نشكل عوامل ضغط جدية على إدارة السجون الإسرائيلية لحملها على التوقف والتراجع عن تلك الممارسات القمعية والاذلالية بحق أسرانا.

ونحن نرى أنه مع تشكل الحكومة الإسرائيلية اليمينية،نشهد تصعيداً خطيراً بحق الشعب الفلسطيني وعلى كل الصعد والميادين،وتتفتق الذهنية والعقلية الإسرائيلية المغرقة في العنصرية والتطرف كل يوم،عن إجراءات وممارسات وقوانين جديدة،حيث إن عمال شعبنا لا يكفيهم كل أشكال الذل والاهانة على المعابر،فهم يخرجون من بيوتهم من ساعات الفجر الأولى للوصول إلى تلك المعابر من أجل لقمة العيش،ومن ثم يمرون عبر إجراءات تفتيش مذلة وممتهنة لكل كرامة بني البشر،حيث يتم حشرهم في صفوف ضيقة محاطة بحواجز حديدية،،ويتعين عليهم بعد ذلك الوصول إلى التفتيش عبر ما يسمى"بمعاطات" الدجاج ،ومن بعد ذلك الرفع عن بطونهم وخلع ملابسهم،والأمور ليست وقفاً على هذا الحد،حيث ضباط مخابرات الاحتلال يستغلون حاجة العمال للعمل من أجل لقمة العيش أو الدخول إلى القدس ومناطق 48 من أجل العلاج لمساومتهم على ذلك،إما بالتعاون والتعامل معهم وإما بعدم الدخول ،ومن يدخل منهم يتعرض لأبشع أنواع الاستغلال من أرباب العمل الإسرائيليين،والذين في كثير من الحالات،لا يكتفون بتشغيل العمال ساعات طويلة من العمل بخلاف القانون وأجر متدني ودون أية حقوق اجتماعية وصحية،بل وفي كثير من الأحيان،يتعرضون للنصب والاحتيال من خلال عدم دفع الأجرة لهم،مستغلين عدم قدرتهم للوصول إليهم أو رفع قضايا ومحاكم عليهم،وكل هذا المسلسل من الإذلال وامتهان الكرامة بحق العمال الفلسطينيين ليس بالكافي،فقد تفتقت الذهنية الإسرائيلية عن قوانين وقرارات جديدة،تتمثل بأنه على كل عامل فلسطيني يدخل إلى القدس أو مناطق 48 تسجيل اسمه على جهاز الكمبيوتر الخاص بالمعبر ذهاباً وإيابا،وبما يعني مزيداً من الذل والتعذيب،وهناك الكثير من الروايات والشهادات عن تفنن شرطة المعابر في تعذيب العمال من خلال جعلهم ينتظرون ساعات طويلة في برد الشتاء وحر الصيف،ومن ثم الطلب منهم بعد ذلك العودة من حيث أتوا لأن الضابط المسؤول قرر إغلاق المعبر.

وقوانين دخول المعابر هي ليست الوحيدة،بل هناك عشرات القوانين التي يجري تفصيلها واستحداثها كل يوم،من أجل جعل الفلسطينيين يكرهون ويلعنون اليوم الذي ولدوا فيه،أو جعل الموت لهم أرحم من الحياة ألف مرة،وهذا حال السكان العرب المقدسيين،والذين يموتون في اليوم ألف مرة،حيث أن معركة أسرلة وتهويد المدينة على أشدها،فمن الإصرار على هدم حي البستان في سلوان،وترحيل ساكنيه،إلى استحداث قوانين"قراقوشية" بهدف طرد وترحيل السكان العرب الفلسطينيين من القدس،أو على أقل تقدير الحد من وجودهم في المدينة المقدس،فالاحتلال عندما وجد أن سياسة هدم المنازل،وفرض الغرامات المالية الباهظة،لم تردع السكان العرب عن الاستمرار في البناء،استحدثوا قانون الحجز على خلاطات "الباطون" التي توصل الباطون الى البيت المبني بدون ترخيص ومصادرة أغراض البناء الخاصة بالمقاول وكذلك سجنه وعدم ربط البيت غير المرخص بالماء من قبل الشركة الإسرائيلية"جيحون"،ورغم ذلك استمر المقدسيين بالتشبث بأرضهم ووجودهم واستمروا في البناء،ولكي تستحدث إسرائيل قانوناً بفرض غرامة على أي صاحب بيت غير مرخص يقوم بتأجيره إلى أي شخص آخر او حتى التنازل عنه لواحد من العائلة ،وعلى أن يجري هدمه لاحقاً،وهذا ليس بالإجراء الوحيد،فكل ساكن مقدسي يريد الحصول على رخصة بناء،عليه التنازل عن 40% من أرضه لصالح البلدية،لكي تستخدمها لما يسمى بالمنفعة العامة والتي تكون في الغالب لخدمة مشاريع استيطانية.

ولا يكاد يوم واحد يمر دون أن يكون هناك خطط وبرامج جديدة لتهويد المدينة المقدسة، وكذلك من أجل قتل وإفراغ المقسيين من محتواهم الوطني والنضالي،وجعل همهم الأساس يتركز،ليس مقاومة الاحتلال،بل على كيفية تأمين لقمة العيش والبقاء.

إذا أسرانا في خطر....عمالنا في خطر......قدسنا في خطر......ووجودنا وأرضنا وقضيتنا في خطر......وانقسامنا السياسي والجغرافي يساهم إلى حد كبير في هذا الخطر.....ولا يبعد عنا كل هذه المخاطر سوى وحدتنا سوى وحدتنا.

ليست هناك تعليقات: