الثلاثاء، أبريل 07، 2009

عارنا الذي في العراق

محمد زحايكة

سيبقى احتلال العراق من قبل الغزاة وسقوط نظامه العربي القومي وصمة عار ليس في جبين الانظمة العربية الميؤوس منها ولكن في وجه الامة العربية وشعوبها من المحيط الى الخليج..؟! وبعد اكثر من ست سنوات على هذا الاحتلال الرهيب - الذي تمكن من تدمير اهم قوة عربية من خلال حصار طويل الامد وتواطؤ ومساعدة مباشرة وغير مباشرة من الجيران - يبدو المشهد سرياليا ورومانسيا حالما جدا على الاقل بالنسبة الى اميركا وربيبتها اسرائيل..!

فلم تكن اسرائيل وصانعتها اميركا لتحلمان بتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الذي يوفر لهما اهم سلعة استراتيجية في المنطقة وهي النفط مجانا ويحول دون نهوض عراق قوي من جديد يبقى سيفا مسلطا على رأس مطامعهما غير المشروعة في المنطقة ..! ولا اريد في هذه الكلمة ان اكرر نفسي او اكرر الاف المقالات التي استوعبت الدرس وحللت الاهداف الحقيقية الشريرة لتحطيم العراق وقيادته العربية .. فقد اصبحت هذه من المسلمات والبدهيات حتى من قبل بعض الاطراف المعادية.. ولكن الذي يشغلني حقيقة هو محاولة تأقلم حتى القوى الشعبية في المنطقة مع هذا الواقع الجديد المسخ في العراق والاعتراف به وشرعنته واسباغ المصداقية عليه بحجة انه لا حول ولا قوة الا بالله او بالعم سام ..!

وانا من الزاعمين ان التعايش مع العار الذي جلبه الغزاة الى العراق معناه بالمختصر المفيد ان على الامة العربية ليس السلام بل الذل والهوان.. وانه لا امل لها في النهوض على الاقل لخمسين سنة قادمة ! – علما بأن البعض لم يعتبرها يوما انها كانت ناهضة اصلا ، حتى تعود للنهوض من جديد - ..! ويرتكز هؤلاء على الطعن في الجينات العربية من حيث ان المقاومة العراقية كانت على وشك الحاق هزيمة ساحقة بالاحتلال الامريكي وملحقاته المسماة عراقية..! لولا ظهور ما يسمى بالصحوات التي وجهت للمقاومة ضربة في مقتل وتساوقت مع المحتل مقابل حفنة من الدولارات..! ففي حين ان المقاومة الافغانية فقيرة الامكانيات وغير العربية اجمالا مازالت ومنذ سنوات طويلة تقارع المحتلين والغزاة وتلحق بهم اكبر الخسائر..! اذن الخلل في الجينات العربية حسب رؤية ومفهوم هؤلاء القوم..! كما انهم يوردون مثالا اخر ما زال حيا قائما.. وهو كيف تمكن الشعب الايراني الجبار من الاطاحة بنظام الشاه وجهازه السري السافاك رغم ان النظام الامبراطوري الشاهنشاهي كان مدعوما من اعتى القوى الدولية وعلى رأسها اميركا في حين ان العراقيين لم يستطيعوا اطاحة النظام العراقي الايل للسقوط الا من خلال الاستعانة بالغازي الامريكي واذنابه رغم محاصرة النظام وتحطيم جيشه واقتصاده على مدار سنوات طوال ..! اذن هي الجينات العربية المتجذرة فيها الرعونة والخيانة واستمراء الاحتلال والاستعمار والذل على الدوام..! وهذا يثبت حسب نظرية هؤلاء ان الشعوب العربية ظاهرة صوتية ليس الا..! وهي في حقيقتها شعوب يائسة فاقدة للحس الثوري تركن الى الخنوع والاستسلام سواء امام انظمتها القمعية الداخلية او في وجه الغزاة والمستعمرين..!

قد يكون في رسم هذه الصورة السوداء مبالغة ما او تجن على الحقيقة ولكنها للاسف صورة واقعية تعكس حقيقة الشعوب والامة العربية التي يبدو انها قد اخذت حظها من التاريخ ولم يبق امامها الا العيش في مؤخرات الامم والشعوب الاخرى والاستكانة الى واقعها الهش الذليل فاقد العزة والكرامة والعازف عن اخذ مكانه تحت الشمس..! والرضا بالقليل ومقولة يا رب الستر وحسن الختام..! ليس من تفسير لما حدث ويحدث الا من خلال هذه النافذة الكئيبة.. صحيح ان هناك محطات مضيئة تمثلت في حالات المقاومة على الارض اللبنانية والفلسطينية والعراقية والصومالية والسودانية الا انها تبقى غير كافية في رسم خريطة المنطقة بما يتواءم ومصالح شعوب الامة العربية عدا عن الخشية الماثلة في امكانية محاصرة هذه المحطات المضيئة ومنعها من استثمار صمودها وانتصاراتها التكتيكية لما هو ابعد من ذلك عبر التحالف العضوي بين مصالح الانظمة القائمة ومصالح القوى الاستعمارية الكبرى المهيمنة على العالم ..!

لقد تم اضاعة فرصة ذهبية ثمينة بتحييد المقاومة العراقية على سبيل المثال وتفريغها من زخمها وقوتها .. فلو تم الانتصار الحاسم على الغزو الامريكي لهذا البلد لتغيرت خارطة العالم وليس المنطقة فحسب..! اذ كان هدف دفن المطامع الامريكية في المنطقة مع تزامن الكارثة المالية والاقتصادية المحدقة على وشك التحقق لولا جينات الخيانة المعشعشة في الذات العربية كما اسلفنا بناء على رؤية وتحليل الكثيرين من المفكرين والمحللين..!

وما العمل الان..! ان حصاد او حصيلة بضع سنوات من الحرب الاستباقية على المنطقة من جانب اميركا واسرائيل وحلفائهما هو لصالح القوى المعادية تماما..! ولا شك ان هناك بعض القوى الاقليمية المستفيدة من الانهيار العربي المدوي وفي مقدمتها تركيا وايران..! اظن ان تفكيك وتذرير الدول والمجتمعات العربية سيتواصل ولكن بتكتيكات جديدة مغايرة لما كانت عليه زمن ادارة بوش ..! وسيكون هناك تحالفا سريا بين القوى الاقليمية الكبرى المستفيدة من الواقع الجديد والقوى المعادية لمصالح الشعوب العربية بهدف تحقيق هذا المخطط ليؤتي اكله على مدار مئة عام مقبلة في ظل بداية نهاية صلاحية معظم الانظمة العربية القائمة التي لم تعد قادرة تماما على تلبية مصالح الاعداء ولا يمكنها تسويق بضاعته السامة كما يجب ..! فلا بد من احداث خلخلة ما تكون من اهم مواصفاتها ترك هذه الانظمة لمصيرها المحتوم والشعوب الى نفق مظلم وحالة من الضياع واليأس والخضوع ورفع راية الاستسلام الا اذا حدثت معجزة في زمن انعدام المعجزات..؟! فمن يمحو عارنا الذي في العراق...؟!

ليست هناك تعليقات: