الخميس، أبريل 09، 2009

غزة ونظرية السلام الاقتصادي الإسرائيلية

حسام الدجني

تضمن البرنامج السياسي لحكومة السيد بنيامين نتانياهو ما أصطلح على تسميته بالسلام الاقتصادي, وهو بمثابة توفير الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين, والعمل على بناء مشاريع تنموية مشتركة, وصولا إلى ما يعرف بالرخاء الاقتصادي, مقابل تحقيق الأمن للإسرائيليين وعدم المطالبة بحقوقهم السياسية المشروعة.

ومنذ اليوم الأول لتسلم السيد نتانياهو الحكم أوعز لرجال أعمال إسرائيليين بالمباشرة فورا في تنفيذ مشاريع مشتركة مع نظرائهم الفلسطينيين في الضفة الغربية, وهذا يتقاطع مع توجهات الدكتور سلام فياض وهو أحد الشخصيات الاقتصادية الفلسطينية حيث عمل سابقا في البنك الدولي, وتقلد منصب وزير المالية في السلطة الفلسطينية أكثر من مرة, ومنذ توليه رئاسة الوزراء في الضفة الغربية دأب السيد فياض إلى عقد العديد من المؤتمرات الاقتصادية والتنموية, وأدار العديد من المشاريع الاقتصادية على المستويين العام والخاص.

معادلة الأمن التي تطالب بها إسرائيل مقابل نظرية السلام الاقتصادي لها جناحان هما الضفة الغربية وقطاع غزة, وبدون أحد الطرفين يصعب تحقيق هذه النظرية, وبما أن غزة تسيطر عليها حركة المقاومة الإسلامية "حماس", هذا يطرح تساؤلا حول كيفية تطبيق نظرية السلام الاقتصادي, فحركة المقاومة الإسلامية "حماس" هي حركة تحرر وطني, إستراتيجيتها الأساسية هي تحرير الأرض بكل الوسائل المتاحة وعلى رأسها المقاومة المسلحة, فكيف من الممكن أن ينسجم طرح السيد نتانياهو ورؤية حركة حماس؟
وهل سوف يعترف السيد نتانياهو بالأمر الواقع الموجود بغزة؟ وما هو موقف حماس من ذلك وخصوصا بعد حرب غزة وإمكانية فشل الحوار الوطني الفلسطيني؟ وما هو الخروج من المأزق؟
هنا سوف أجتهد وأطرح رؤية استشرافية حول المستقبل القريب والخاص بقطاع غزة في حال فشل الحوار الوطني الفلسطيني, والذي أرجو من الله أن يوفق الإخوة الأشقاء في حركتي فتح وحماس أن يصلوا إلى توافقات حول القضايا العالقة لتعود اللحمة إلى شطري الوطن, لمواجهة التحديات الجسام المتمثلة في الحكومة اليمينية المتطرفة.

أعتقد أن السيد بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة سيهتم في الشهور الأولى من حكمه, لترتيب أوراقه الداخلية, وخصوصا قانون الموازنة العامة, وبعض التعديلات القانونية, وبعض التعيينات في السلك الحكومي, وصولا إلى الاستقرار في الحكم, من المتوقع أن يستغرق ذلك شهري أبريل ومايو, حيث لم تتجاوز سياسته الخارجية في هذه الفترة سوى التصريحات والتهديدات, ويقف مستوى التهديدات بناء على المتغيرات الأمنية والسياسية التي ستشهدها المنطقة.
السيد افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي والذي يعتبر أشد المتطرفين داخل الحكومة وأحد أهم المتحالفين مع السيد نتانياهو, سيعمل جاهدا على تبييض صفحته على الصعيد الإقليمي والدولي, وإظهار نفسه بأنه رجل سلام ورجل حرب, حيث لم يقف عائقا أمام السيد نتانياهو في عدة مسائل حيوية مثل صفقة التبادل وملف التهدئة مع حركة حماس, ويدعم هذا التوجه السيد ايهود باراك وزير الجيش في الحكومة, حيث ستعمل الحكومة على تعزيز العلاقات الإسرائيلية المصرية من خلال هذين الملفين, والذي ستمكن الحكومة من تحقيق الأمن في المنطقة الجنوبية المتاخمة لقطاع غزة, وبهذا يكون بالإمكان أمام السيد نتنياهو من تحقيق نظرية السلام الاقتصادي.

غزة المنكوبة والتي تحتاج إلى أعمار بعد الحرب الإسرائيلية الشرسة عليها, ستجعل من الفصائل المسلحة أكثر مرونة في ملف التهدئة سواء كانت معلنة أو غير معلنة, وكذلك حكومة السيد نتانياهو والتي وقعت إتفاقا مع حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان بضرورة إسقاط حكم حماس في غزة, أعتقد رغم هذا الاتفاق أن إسرائيل غير جاهزة لشن حرب أخرى في ظل المتغيرات الدولية في الشرق الأوسط, حيث تحتاج الدبلوماسية الإسرائيلية إلى المزيد من المبررات التي من الممكن أن تصوغها للولايات المتحدة الأمريكية خاصة, والمجتمع الدولي عامة لشن حرب جديدة أشرس على غزة, وهذا يتطلب فلسطينيا مراجعة ذاتية للخطاب السياسي الفلسطيني المقاوم, ولسلوك فصائل المقاومة في هذا الوقت الحرج.
إن استشراف الرؤية المستقبلية لحكومة نتانياهو لعام 2009 على صعيد جبهة غزة يتوقف على سيناريوهين فلسطينيين هما:
السيناريو الاول: يتوقف على فصائل المقاومة من خلال توافق وطني بهدنة معلنة أو غير معلنة, تكون من طرف واحد أو من طرفي الصراع. نتائج ذلك:
1- ستنزع المبررات والتي لا تحتاجها الحكومة الإسرائيلية, أمام شن حرب جديدة على قطاع غزة, تحت قاعدة لا سلم ولا حرب.
2- سيتم تطبيق نظرية السلام الاقتصادي, ويتم إدخال ما يحتاجه قطاع غزة ولكن بضمانات دولية وعربية, والمباشرة في إعمار غزة.
3- سيدعم نتانياهو الانقسام الفلسطيني للخروج من مأزق الضغوط الدولية والأمريكية لحثه على قبول فكرة حل الدولتين.
4- ستضغط روسيا على السيد ليبرمان "اليهودي الروسي", لحثه على تليين مواقفه السياسية, والمحافظة على مستقبله السياسي.



السيناريو الثاني: تكثيف العمل المقاوم وقصف المدن الإسرائيلية, حيث يترتب على ذلك:
1- حشد دعم دولي وإقليمي ومحلي, للبدء بعملية عسكرية مدعومة دوليا ضد قطاع غزة, تحت ذريعة تحقي السلم والأمن الدولي, وإزاحة حركات المقاومة وخصوصا حماس عن الحكم في غزة.
2- تشديد الحصار وإغلاق المعابر على الضفة الغربية وقطاع غزة.
3- تحقيق مقولة لا يوجد شريك فلسطيني جاهز لعملية السلام, وتعود الكرة إلى ملعبنا كالعادة, بعد أن تكشفت الصورة القبيحة لإسرائيل في العالم سواء كان ذلك في حرب غزة, أو بعد تسلم السيد نتانياهو مقاليد الحكم.
4- اغتيالات وتوغلات محدودة وصولا إلى العملية الكبرى.

الخروج من المأزق:
1- العمل الجاد والمسئول من الأطراف الفلسطينية المختلفة على إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني وتبني إستراتيجية واضحة ومتفق عليها فلسطينيا وعربيا للمقاومة وللمفاوضات.
2- تبني خطاب فلسطيني موحد يكشف الوجه الحقيقي للحكومة الإسرائيلية المتطرفة, ووقف التصريحات الفلسطينية المطالبة بضرورة اعتراف الحكومات بشروط الرباعية الدولية, والتزامات منظمة التحرير الفلسطينية.
3- تبني حركة المقاومة الإسلامية حماس فكرة الهروب إلى الأمام, وهي أن تعمل حركة حماس على الخروج التدريجي من رئاسة أي حكومة, وترشيح وزراء مقربين من الحركة مقبولين دوليا وإقليميا, حيث سيكون ذلك مخرجا منطقيا لتعامل العالم مع أي حكومة مقبلة, وتستطيع حماس عبر وزرائها وسفرائها كسر الجمود في التعامل الدولي معها, لان العالم حاليا غير مهيأ للتعامل مع شخصية إسلامية كاريزمية.
4- إرسال تطمينات لجمهورية مصر العربية, أن حركة حماس ترفض قولا وفعلا فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء, وان حركة حماس هي جزء من الإخوان المسلمين, لكنها حركة تحرر وطني فلسطيني, لا تتدخل في الشأن المصري, والأمن القومي المصري هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الفلسطيني, وخصوصا من ناحية قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس.
5- العمل الدؤوب من جانب المقاومة الفلسطينية, على إشراك القاهرة في الفكر الاستراتيجي للمقاومة, لأن مصر هي الحضن والامتداد الجغرافي والثقافي والقومي والحضاري لفلسطين وقضيتها.

كاتب وباحث فلسطيني
HOSSAM555@HOTMAIL.COM

ليست هناك تعليقات: