الجمعة، أبريل 10، 2009

فوز الدويلة خسارة للدولة

سعيد علم الدين

ومن ينتخب "حزب الله" على أساس برنامجه الانتخابي المعلن، إنما يساهم في تشريع سلاحه وتعزيز دويلته!
فالدول لا يمكن أن تحكمَ برأسين!
كيف لا وكيان الدولة هو صورة عملاقة عن كيان الانسان.
وكما ان الانسان ينهض بجسمه وعلى قدميه منتصبَ القامة يمشي برأس واحد: هو مركز قراره وصاحب طموحاته وأفكاره وابداعاته ومعطي أوامره لباقي أعضاء داره،
ايضا فإن الدول بلا استثناء تنهض برأس واحد هو الملك او الرئيس: رمزها الوطني، وممثلها امام باقي الدول والشعوب، وحامي دستورها وصائن استقلالها، وحامل خِتْمِها وبتوقيعه يشرِّع قوانينها ويحل برلمانها ويكلف رئيس الحكومة تشكيل حكوماتها.
ولو ان الإنسان على هذه الأرض كان بجسد واحد ورأسين، لانقرضت البشرية منذ أزمان. والدليل ان ولادة طفل برأسين هي نادرة الحدوث، وان حدثت فهي مأساة لصاحبها الذي لا يمكن ان يعمر بسببها طويلا.
لبنان ليس استثناء بين الدول وهو قبل استقلاله في القرن الخامس عشر على أيام الإمارتين المعنية والشهابية كان يحكمه أميرٌ، ومنذ قيام جمهوريته عام 1926، صار يحكمه رئيسٌ للجمهورية بصلاحيات واضحة يحددها دستوره.
هذه المقدمة تأتي ردا على رئيس كتلة "حزب الله" النائب محمد رعد، الذي قدم للرأي العام الاثنين 6 نيسان 2009، رؤية حزبهم السياسية من خلال بنود برنامجهم الانتخابي الذي جاء فيه:
"المقاومة تضع نفسها في خدمة قوة لبنان، وترى أن أي استراتيجية دفاعية يجب أن تنطلق من منطق الاستفادة من خبرات وقدرات المقاومة في تعزيز قوة الجيش اللبناني".
هذا الكلام يكشف بوضوح هدف "حزب الله" من استراتيجيته الدفاعية التي ينظِّرُ لها ويحاول فرضها على اللبنانيين بأي وسيلة، ألا وهي وجود دولتين الى ما لا نهاية في لبنان:
بجيشين وسلاحين ومرجعيتين وسياستين وثقافتين وقيادتين ورأسين ورئاستين.
الدولة اللبنانية حسب مفهوم رعد يجب ان تتخلى عن دورها كباقي دول العالم لتبقى ضعيفة مستباحة مخترقة ولتكون "قوة لبنان دولة المقاومة" التي سيستفيد من خبراتها وقدراتها شارب الشاي ومقدمه للعدو الاسرائيلي الجيش اللبناني.
هذا الفكر الضال يريد حزب الله زرعه في عقول اللبنانيين لتضليلهم، وفي حال فوزه في الانتخابات تكون دولته قد تأبدت شرعيا من خلال صوت الناخب.
وبالتالي سيكون مقابل رئاسة الجمهورية الشرعية الدستورية الديمقراطية المنتخبة بحرية من كل فئات الشعب بقيادة الرئيس ميشال سليمان، رئاسة حسن نصر الله لدولة ولاية الفقيه الشمولية التي سيكون لها الكلمة الفصل والاخير في كل قرار من قرارات الحرب والسلم.
أي وصاية دولة الفقيه الإيرانية بقيادة مرشدها الأممي على الدولة اللبنانية وشعبها.
هذا ما أكدته ممارسات "حزب الله" من خلال حروبه، واعتصاماته، وحرق دواليبه، واحتلالاته، وتهديداته في السنوات الأربع الدموية المنصرمة من دون ادنى شك لجميع اللبنانيين.
وكشر هذا الحزب عن أنيابه بوضوح في محاولته المستميتة فرض رئيسا للجمهورية على شاكلة لحود يشرع ويتمسك بسلاح وسياسة "حزب الله" أكثر من تمسكه بالجيش اللبناني وسياسة دولته الشرعية.
وهذا ما حدث بالضبط أمام الملوك والرؤساء العرب في مؤتمر القمة العربي في الخرطوم 2006 من مناقشة حامية بين رئيس الحكومة السنيورة ممثلا للدولة اللبنانية ورئيس جمهورية المقاومة اميل لحود ممثلا لدويلة حزب الله.
هذا مثال ساطع على ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل من صراعات متفجرة في لبنان لن تنتهي الا بسيطرة الدولة الديمقراطية الشرعية وبسط سلطتها على أراضيها أو بالهيمنة عليها وسلب قراراها من قبل دولة ولاية الفقيه الشمولية.
وهكذا ستكون، في حال فوز حزب الله وجماعة 8 اذار في الانتخابات، قيادة الجيش اللبناني الشرعية والممثلة لكل فئاته وطوائفه، تابع لقيادة ميليشيا "حزب الله" المذهبية اللون والعقيدة والأيدلوجية الخاضعة لسياسة إيران ولمحورها في إبقاء لبنان ساحة مفتوحة لتأجيج الصراعات.
فلا يمكن ان تقوم في لبنان دولة سيدة ديمقراطية مستقلة ذات قرار وطني حر بوجود ميليشيا "حزب الله" وتوابعه من أحزاب ومنظمات ارهابية تتلقى اوامرها من الخارج، وتعمل مع هذا الخارج على منع قيام الدولة اللبنانية السيدة المستقلة.
هذا سيقود الى ضرب ارادة الشعب اللبناني وانهاك دولته ليتحول برلمانها الى برلمان هش ضعيف في صراع مع نفسه ومتصارع على كل شيء وحكومة اكثر هشاشة يقودها خانع لمشروع ولاية الفقيه كعمر كرامي او الحص مثلا.
ومن هنا يجب ان نفهم لماذا يتمسك "حزب الله" بسلاحه اللاشرعي ويحاول من خلال صوت الناخب تشريعه.
فوز حزب الله في الانتخابات يعني فوز دويلة حزب الله على الدولة اللبنانية والهيمنة بالتالي على قراراتها كافة.
إن التمسك بالسلاح تحت مسمى مقاومة من قبل حزب الله ليس من أجل صون سيادة لبنان وحفظ استقلاله، وهو الذي ينتهكهما بمربعاته المسلحة عامدا متعمداً، ويضع بالتالي استقلال لبنان بمحاولاته السافرة في استتباعه بالإكراه إلى المحور الإيراني السوري على كف عفريت.
وجود جيشين وقرارين على أرض لبنان هو ضعف استراتيجي وانهاك وطني سيؤدي الى الشرذمة والتقسيم وضياع السيادة والاستقلال في حال فازت دويلة حزب الله على مشروع قيام الدولة اللبنانية.

ليست هناك تعليقات: