الاثنين، يناير 12، 2009

غزة ...الانبعاث الجديد للقضية الفلسطينية

المحامي علي حيدر

الآن، يدخل العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة، أسبوعه الثالث، وقائمة الشهداء تزداد يومياً بوتيرة كبيرة. هناك، في غزة، حيث يقتل ويعدم البشر، من أطفال ونساء وشيوخ بشكل جماعي، وحيث تهدم المنازل، وتقصف المساجد والمستشفيات، وتدمّر المدارس والأماكن العامة على من فيها من أبرياء عزّل ذنبهم أنهم فلسطينيون ملتزمون بقضيتهم ويعيشون في وطنهم... في هذا السجن الكبير- غزة، يولد الأمل، وتلقن أبجديات الحرية وتجسّد مقاومة الاحتلال، وتدرس أدوات النضال. في غزة يوصل الحاضر البائس وبالغ القسوة بذاكرة حية وجرح مفتوح مع الماضي، يتخلل هذا الحيز الزمني 60 عاماً من المعاناة والطرد والظلم والتهجير، وفي المقابل ستون عاماً من محاولات استرداد العافية والتصميم والمثابرة للتحرر.

إنّ غزة الآن أشبه بـ "الصندوق الأسود" الذي يبحث عنه المحققون بعد تحطم الطائرات ليتحققوا أين كان موضع الخلل. وإذا كانت القضية الفلسطينية وقيادتها تعيش أزمة متواصلة، وغير قادرة على التعاطي مع تحديات المرحلة أو لا تستطيع أن تحقق إنجازا ملموساً من المفاوضات ومن العملية السياسية، فالوضع في غزة هو الدليل والحجة الدامغان على ذلك. ولذلك يمكن أعتبار ما يحدث في غزة في الوضع الراهن انبعاثا جديدا للقضية الفلسطينية وإعادتها الى أصولها ألأساسية، والى ثوابتها ومفرداتها التاريخية، وعلى وجه الخصوص من حيث التأكيد على أن هناك محتلا، قامعا ومهيمنا ومسلحا بكل وسائل القوة التقنية والآلة الحربية، ومستفيدا من الصمت العربي الرسمي والدعم الغربي والتأييد المطلق من قبل الرأي العام الإسرائيلي المفتون بجنون القوة والرافض لرؤية المجازر والفظائع التي يقترفها الاحتلال، وفي المقابل هنالك من هو قابع تحت الاحتلال. كما ان الوضع في غزة يشكل ايضا انعتاقًا من حالة المعمعة، الميوعة والتحايل والنفاق المتبادل بين الطرفين (الإسرائيلي –والفلسطيني المتمثل بالسلطة) التى نشهد تجلياتها منذ بداية تسعينيات القرن الماضي والتي وصلت أوجها في الأربع سنوات الأخيرة.

ما من شك، ومن غير المفاجئ بأن القضية الفلسطينية تشهد اليوم أقسى مراحل تطورها، وتقف على مفترق طرق هام، وتواجه العديد من التحديات المصيرية. الكثيرون، من الباحثين والمراقبين، يعزون عدم القدرة على تحقيق أهداف وطنية من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية (مثل استرداد الحقوق، التحرر من الاحتلال أو العودة وإقامة الدولة وبناء المؤسسات) إلى عدم وجود قيادة مسؤولة و موحدة ومنظمة، مع أن هذا الحديث ليس مقصوراً على المرحلة الراهنة، بل يرافق القضية الفلسطينية منذ نشوئها، (أنظر رشيد الخالدي- "القفص الحديدي"، قصة النضال الفلسطيني من أجل الدولة، 2006 باللغة الانجليزية. وأيضاً هلغي باومغرتن في كتابها "تاريخ الحركة والوطنية الفلسطينية 1948-1988 من التحرير الى الدولة"، 2006، ترجم إلى العربية من قبل "مواطن"- المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية)إلاّ أننا نقف اليوم على شفا مرحلة مفصلية تهدد مجمل الوجود الفلسطيني. لذا يترتّب على قطبي السياسة الفلسطينية، فتح وحماس، وبمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية، إجراء حوار وطني جدّي من أجل تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك والقضاء على حالة الانحسار والتمزّق. كذلك وضع إستراتيجية موحدّة للنضال، تشمل خطوات للأمد القريب وللأمد البعيد.

الملح حاليا هو إيقاف العدوان على قطاع غزة بشكل فوري وانسحاب القوات الإسرائيلية منه، رفع الحصار وفتح المعابر وإيصال المعونات والإغاثة لأهله الذين يقتلون، يعانون ويتألمون. وفيما بعد يجبّ الاستمرار بالنضال لإنهاء الاحتلال ( ما يشمل إخلاء المستوطنات، التحرر، العودة والقدس). كل ذلك لن يتأتى، إلاّ بتوفّر شرطين أساسيين:
الأول- توفّر الرغبة الحقيقية والصادقة لدى كافة الأطراف بتجاوز المأزق والأزمة الراهنة.
والثاني- إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كجسم جامع وممثل لكافة أطياف الشعب الفلسطيني.

(عبلين)

ليست هناك تعليقات: