الجمعة، يناير 16، 2009

نيروناتُ العربِ

سعيد علم الدين

لقد حملَت لنا بداية هذا القرن والواحد والعشرين في جعبتها:
فجائعٌ أدمت قلوبنا، ومآسٍ أدمعت أعيننا، واغتيالات بشعة هزت ضمائرنا، وحروب حمقاء دمرتنا، وانقساماتٌ مفتعلةٌ شرذمتنا، وكوارثُ ليست طبيعية بل من صنع نيروناتنا لا مثيل لها، ولا تحصل إلا نادراً في تاريخ الشعوب. مما يدفعنا الى القول:
إذا كان للرومان نيرونٌ واحدٌ فللعرب نيروناتٌ بالجملة!
وستبقى هذه الفجائع والمآسي والحروب والاغتيالات مراراتٌ مُرَّةٌ في الحلق العربي إلى أمدٍ بعيدٍ، لأنها عربيةٌ شكلا ومضمونا وبامتياز. وستكون عارا تاريخيا سيلاحق أصحابها على مر الأجيال وأمام كل شعوب الأرض، ك روما المشتعلةُ بنيران طاغيتها نيرون تلاحقه حتى يومنا هذا.
ومن اللافت للنظر هنا كثرة الشبه بين العصر العربي الحالي في القرن الواحد والعشرين وعصر نيرون(37-68) في القرن واحد.
فألفي سنة مضت من التاريخ البشري وبعض العرب ما زالوا نيرون في شخصهم وفكرهم وتصرفاتهم وغرورهم وعنجهياتهم وجهلهم وحماقتهم في زج شعوبهم بالنكبات والمصائب وحرق مدنهم بالنيران.
لا فرق هنا بأيديهم ام بأيدي الأعداء.
فمن يقدم للعدو الشرس القادر العذر تلو العذر ويستدرجه تحديا ليحرق مدينته ويدمر دولته فلا يلومن بعد ذلك إلا نفسه!
ولكي أكون عقلانيا موضوعيا في مقالي هذا وليس انفعاليا عاطفيا فلا أستطيع أن أقول على عماها:
كل الحق على الطليان، أو كل الحق على الأمريكان، وبالتالي كل الحق على العدو الإسرائيلي، وكفى الله المؤمنين شر قول كلمة الحق او النقد.
لأن النقد، أي الكلمة الحرة الناقدة وليس النقود والعملة المتداولة، هو المطلوب لكي نكشف عن الأخطاء والعيوب.
عيوب حكامنا وقادتنا بالطبع. لأن عيوب حكامنا ولابسي الخوذات السود بدل العمائم من مشايخنا هي التي تعود علينا بالويلات والأذى والقتل والدمار. خاصة عندما نفتقر في لبنان وعالمنا العربي إلى لجنة تحقيق ديمقراطية مستقلة كلجنة فينوغراد التي انتقدت الحاكم والقائد الإسرائيلي كاشفة عيوبه وتقصيره وأخطائه وبكل جرأة، مما فرض عليه الاستقالة من العمل السياسي والعسكري.
لا بد من التذكير أيضا أنه في عصر نيرون كثرت المؤامرات والدسائس والفتن والاغتيالات السياسية التى كانت من صنع يديه، حتى أن أمه "أجريبينا" كانت إحدى ضحاياه وماتت وهى تلعن ساعة ولادته.
هكذا وفي القرن واحد سنة 64، وبينما كانت النيران تتصاعد من قلب روما والأجساد تحترق مع صراخ ضحايها كان الإمبراطور المعتوه نيرون جالساً في برج مرتفع يراقب منظر الحريق بسرور، وكأنه طفلاً يلهو بعيدان الكبريت ويفرح بوهجها اللاهب، وبيده آلته الموسيقية يغنى مع رنينها أشعاره المفضلة لهوميروس عن حريق طروادة.
هكذا وفي القرن الواحد والعشرين سنة واحد. أي يوم11 سبتمبر 2001، وبينما كانت النيران تتصاعد من البرجيين العظيمين في قلب نيويورك، والأجساد تحترق مع صراخ ضحايها، والناس تقفز من الشرفات والشبابيك الى الموت أو النجاة خوفا من النيران، والبنايات تنهار، والدخان يتصاعد، ورجال الإسعاف يجاهدون حتى الإعياء ومنهم من قدم حياته من أجل انقاذ الآخرين، كان الشيخ العربي المسلم المتطرف الإرهابي المغرور أسامة نيرون جالساً في منزله الأفغاني يراقب منظر الحريق المذهل بمنتهى الغبطة والسرور على الفضائيات، وكأنه طفلاً يلهو بعيدان الكبريت ويفرح بوهجها اللاهب، وبيده مسبحته يسبح بها الله شاكرا له على تحقيق هذه الضربة الموفقة التي هز بها الشيطان الأكبر.
تداعيات ضربة ابن لادن الحمقاء كان لها ثلاثة نتائج خطيرة جدا على العرب ولم تنته تداعياتها بعد:
1- تضييق الخناق في الجامعات والمدارس والمطارات والمطاعم والمصارف والمجتمع بشكل عام على كل ما هو عربي ومسلم وفي كل دول العالم، ومن خلال قوانين صارمة جدا لمواجهة التطرف والإرهاب أصبحت مقبولة من الإنسان الغربي، الذي كان سيرفضها حتما لولا ضربة 11 سبتمبر المجرمة.
2- اسقاط كافة الخطوط الحمراء من أمام المجرم شارون في ضربه وبكل شراسة للانتفاضة الفلسطينية الثانية، تزامن ذلك مع عمليات الانتحار التي كانت ترتكبها حماس ضد المدنيين الإسرائيليين صابَّةً بذلك الزيت على نيران شارون المشتعلة حقدا.
3- اسقاط نظام الدكتاتور صدام حسين بسبب اجتياحه الأحمق للكويت وتلاعبه بقرارات مجلس الأمن، الذي أدى إلى حصار وويلات للشعب العراقي ثم احتلال وانهيار تبعه تدخل ايراني وقح وفج وحاقد وطائفي مذهبي متعصب في الشأن العراقي، وبالتالي مد ايراني شرير في الهيمنة على العالم العربي وتعميق خلافاته والتدخل في شؤونه، عدا مئات الالاف من الابرياء العرقيين الذين سقطوا ضحية بن لادن وصدام والغزو الامريكي والتفخيخ السوري المخابراتي الايراني.
هكذا وفي القرن الواحد والعشرين سنة ثلاثة. أي يوم 20 آذار 2003، وبينما كانت النيران تتصاعد من قلب بغداد جراء قصف الطيران الأمريكي، والأجساد تحترق مع صراخ ضحايها كان الدكتاتور صدام نيرون مختبئاً في مكان أمين يراقب سماء بغداد المضيئة بوهج الصواريخ والمضادات الأرضية بسرور، وكأنه طفلاً يلهو بعيدان الكبريت ويفرح بوهجها اللاهب، وبيده قلمه يحاول انهاء آخر فصول روايته التي الفها في ذلك الوقت العصيب وهي بعنوان "اخرج منها يا ملعون". وكأنه يخاطب نفسه!
عجبا! هل هو رئيس دولة وقائد امة أم مؤلف روايات مملة؟
هل فكر صدام نيرون لحظة واحدة بمصلحة العراق ومستقبل شعبه وأهله وحتى عالته؟ بالتأكيد لا!
هكذا وفي القرن الواحد والعشرين سنة خمسة. أي في الرابع عشر من شباط المشؤوم 05. وبينما كانت النيران تتصاعد في قلب بيروت، وبينما كانت السيارات تحترق مع أجساد الأبرياء، وبينما كانت أنات الجرحى وصراخ النساء والمارة تختلط مع صيحات المسعفين وزعيق صفاراتهم، وبينما لم يكن البيروتيون قد استوعبوا الصدمة الزلزال بعد، وبينما العالم كله يقف مذهولا أمام هذا الانفجار البربري، كان بشار نيرون جالساً في قصره الدمشقي يراقب الحدث الرهيب على شاشة التلفزيون، فاركا يديه بسرور، مقهقها بمنتهى السعادة قهقهته العالية التي شاهدناها فيما بعد وما زالت حتى اليوم تلاحقه بصورها الموثقة. تلك القهقهة البشعة الأوصاف، وكأنه يريد التشفي بها من اللبنانيين الشرفاء، الذين لا يكنون لإخوتهم السورين الا مشاعر الحب والوفاء والإخلاص.
هكذا وفي القرن الواحد والعشرين سنة ستة. أي يوم 12 تموز 2006، وبينما كانت النيران تتصاعد من قلب ضاحية بيروت جراء قصف الطيران الإسرائيلي، والأجساد تحترق مع صراخ ضحايها، والأشلاء تحت الركام، ولبنان من شماله الى جنوبه ومن بحره الى سلاسل جباله يدمر ويتعرض للهجمة الشرسة تلو الأخرى كان حسن نيرون مختبئاً في مكان أمين يراقب سماء بيروت المشتعلة بوهج الصواريخ، وكأنه طفلاً يلهو بعيدان الكبريت ويفرح بوهجها اللاهب، وبيده قلمه يحضر لخطبة مسائية مملة جديدة وكأنه مراسل حربي لإحدى الصحف أو المحطات الفضائية. وبدل ان يرعوي ويلملم جراح لبنان المتعب وشعبه المنهك، ما زال حتى اليوم يزهو بما ارتكبت يداه.
هكذا وفي القرن الواحد والعشرين سنة تسعة. أي يوم 27 كانون الأول 2009، وبينما كانت النيران تتصاعد من قلب غزة في مجزرة اسرائيلية بحق شعبها الصابر. كان خالد نيرون من فندقه الدمشقي يهدد ويتوعد رافضا التهدئة ووقف اطلاق النار وغزة تتعرض لأبشع أنواع الدمار.
من يريد النزول الى الحرب عليه اولا ان يفكر بحماية شعبه قبل ان ينازل عدوه والا فليقعد ولا يعرضه لعدو شرس قادر شرير مدمرٍ لا يرحم.
والا فلماذا تزج سوريا الكبرى شعبي لبنان وفلسطين الصغيرين في مقاومات انتحارية وتمانع هي بالكلام؟ حتى انها لا ترد على الضربات الاسرائيلية التي تتعرض لها.
وفي الوقت الذي يمثل فيه النظام السوري قمة الجبن العجز في هذا الصراع الدامي يعمل بخبث لزج الاخرين في آتونه لتبطش بهم اسرائيل وتنكل دون رحمة.

ليست هناك تعليقات: