الثلاثاء، يناير 27، 2009

ليفني والأسطوانة المشروخة وكلام ميتشل الممجوج

راسم عبيدات

دأبت وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيفي ليفني"وطاقمها الحكومي على ترديد أسطوانتهم المشروخة،في كل مرة يقومون بها بعدوان جديد على الشعب الفلسطيني،من عمليات قتل واغتيال واعتقال وتدمير وتجريف وغيرها،بالقول بأن الهدف من ذلك هو ضرب وتدمير البنى التحتية لقوى"الإرهاب"الفلسطيني وتقوية التيار المعتدل في الساحة الفلسطينية والعربية،وهذا التبرير وتلك الذرائع نسجت وحيكت في تبرير العدوان الأخير على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.

ومن شده جهلنا وهبلنا كفلسطينيين وعدم فهمنا للسياسة الاسرائيلية،يبدو أننا غير قادرين على استيعاب أهداف السيدة "ليفني" وجوقة حكومتها من مثل هذه العبارات،فنحن على جهلنا نعرف أن من يريد أن يقوي تيار أو طرف معتدل في الساحة الفلسطينية،يقدم له مبادرات حسن نوايا حقيقية وتنازلات جدية في قضايا الصراع العربي- الإسرائيلي،كوقف الاستيطان مثلاً أو هدم وإزالة جدار الفصل العنصري،التوقف عن سياسة الاقتحامات للمدن الفلسطينية واغتيال نشطاء فصائل المقاومة والإفراج عن المئات من الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام العالية والمؤبدة..الخ.

أما وأيضاً حسب جهلنا وقلة خبرتنا فإن ما تقصده السيدة "ليفني" وجوقتها الحكومية في تقوية السلطة الفلسطينية،فهو تقوية الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا لحماية الوطن والمواطن الفلسطيني،بل لكي تمارس دور الوكيل والشرطي عن إسرائيل في ضرب وتصفية فصائل المقاومة الفلسطينية،فهذا يا سيدة"ليفني"ليس تقوية للسلطة الفلسطينية،بل هو حفر لقبرها بيدها ووضعها في حالة من التصادم والتعارض مع شعبها وقوى مقاومتها،وزيادة في تراجع هيبتها ودورها وشعبيتها ونفوذها،فالشعب يريد من السلطة الفلسطينية ومن خلال النهج والطريق التفاوضي الذي خطته واختارته أن تستعيد الحقوق الفلسطينية في إطار دولة فلسطينية مستقلة وعودة للاجئين وغيرها.

ولكن الوقائع والحقائق على الأرض يا سيدة "ليفني"،تقول عكس الذي تقولينه تماماً،فطوال مدة وفترة المفاوضات مع حكوماتكم المتعاقبة والتي تجاوزت الثمانية عشر عاماً،لم نلمس أن لديكم أية استعدادات لتقديم أية تنازلات جدية ولا جوهرية وحتى في الإطار الإنساني والحياتي،وبالتالي لا ندري أو نعرف كيف ستعملين أنت وحكومتك التي كل التوقعات تقول بأنها سترحل قريباً لتأتي حكومة أخرى أكثر يمينية وتطرفاً،وستتحفنا مرة أخرى عن التنازلات المؤلمة من أجل السلام وتقوية التيار الفلسطيني المعتدل،والذي لا نعرف كيف سيتقوى في ظل استيطان متواصل ومتزايد ومتصاعد،وعمليات تهويد وأسرلة وتطهير عرقي!!،أما إذا كان القصد من ذلك إقامة سلطة أو تيار فلسطيني على غرار حكومة كرازاي في أفغانستان والمالكي في العراق،فالمرجح حتى اللحظة الراهنة أنه لا يوجد طرف فلسطيني مستعد للقيام بهذا الدور وهذه المهمة.

أما الإدارة الأمريكية الجديدة فهي كسابقاتها من الإدارات الأمريكية،لن تأتي بجديد فهي في إطار تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل ستستمر في تبني الرؤية الإسرائيلية لعملية السلام،أي المداخل الأمنية لحل القضية الفلسطينية،وسنكون أمام مبعوث أمريكي ذاهب وآخر قادم وهكذا دواليك،وستستمر المسألة في الدوران في نفس الحلقة المفرغة،أحاديث كالتي بدأ بها "ميتشل" جولته للمنطقة بأن المقاومة الفلسطينية هي من يتحمل المسؤولية عن العدوان الإسرائيلي على غزة،وتنفيذ رؤية الدولتين بحاجة إلى أن تقوم السلطة الفلسطينية بسلسلة من الإجراءات وعلى رأسها تفكيك البنية التحتية لفصائل المقاومة،وسيأتي ميتشل بدل المرة مرات وكذلك المبعوثين الأوروبيين الغربيين،وسيكون هناك الكثير من الزيارات والمحادثات واللقاءات والمؤتمرات،وكلها للتأكيد على أنه في الحركة بركة ،أي عملية طحن الهواء وخض الماء،والنتيجة هي مفاوضات على الطريقة الإسرائيلية،التفاوض مع الفلسطينيين أطول مدة ممكنة ودون تقديم أية تنازلات لهم،مع استغلال لهذه الفترة لكي تحقق إسرائيل أهدافها على أرض الواقع من استيطان وأسرلة وتهويد وتطهير عراقي،ومواصلة للحديث عن تنازلات مؤلمة من أجل السلام.

وباختصار شديد سيأتي "ميتشل" وسيذهب في عهد إدارته عشرات المرات إلى المنطقة،ويسجل ملاحظاته وانطباعاته ويرفع تقاريره،وستقوم الإدارة الأمريكية بدراستها وربما طرح مبادرات جديدة ننشغل بها نحن العرب والفلسطينيين،،وستقوم الإدارة الجديدة بالتعاون مع إسرائيل وأوروبا بمشاغلة لنا نحن العرب والفلسطينيين من خلال افتعال حروب وصراعات على هذه الجبهة أو تلك،وتعمل على تجنيدنا خلفها تحت نفس الحجج والذرائع،وهو الخطر الذي تشكله دول وقوى وأحزاب المعارضة والمقاومة والممانعة العربية على الأمن القومي العربي وفي المقدمة منها الخطر الإيراني والشيعي على الأمن والمصالح العربية،والقضاء عليه سيمكن من إقامة الدولة الفلسطينية،ونفس الكلام الممجوج سيستمرون في ترديده والتشدق به حتى يأتي موعد قدوم وانتخاب إدارة أمريكية جديدة،ويبدأ الفيلم من جديد بأبطال جدد وإخراج جديد،ولكن يبقى الجوهر والمضمون واحد،دعم مطلق ولا محدود لإسرائيل ووعود بإقامة دولة فلسطينية وعود يجري ترحيلها من إدارة أمريكية قديمة إلى إدارة أمريكية جديدة،ونحن العرب والفلسطينيين نقتتل ونختلف مع بعضنا ونلهث خلف تلك الوعود والمبادرات،دون أن يكون لنا أية رؤية أو آليات وبرامج وخطط للرد على كل هذه المماطلة والتسويف والاستهتار بنا قيادات وشعوب.

فكأن عشرات السنوات من المفاوضات وعدم التجاوب والتعاطي مع المبادرة العربية للسلام والتي داستها إسرائيل بدباباتها أكثر من مرة ويجري ترحيلها كالنعش الطائر من قمة عربية إلى قمة أخرى،غير كافية لدول النظام الرسمي العربي وفي المقدمة منها دول ما يسمى بالاعتدال العربي،لكي تغلق النافذة في وجه هذا الخيار والذي لم يقود لا لدولة فلسطينية ولا استعادة الحقوق العربية،بل كلما أمعنت الدول العربية التمسك بهذا الخيار،كلما زادت إسرائيل من قمعها وعدوانها وإذلالها لدول النظام الرسمي العربي.

فالرد على "ليفني وميتشل وساركوزي وميركل وبراون وبلير وغيرهم،يكون بالمصالحات العربية - العربية والفلسطينية - الفلسطينية ورسم استراتيجيات موحدة في التفاوض والمقاومة وبدون ذلك نستمر في حالة التوهان والدوران في الحلقات المفرغة وضياع الحقوق والأوطان.

ليست هناك تعليقات: