الأحد، يناير 18، 2009

التوجه شرقاً: دول الخليج في علاقاتها مع الأمم الآسيوية

سعيد الحمد

اعلامي من البحرين

لن نقول إن الصديق والزميل الدكتور عبدالله المدني اول من اهتم هنا بالشأن الآسيوي لكنه بالتأكيد من اوائل من اهتموا بذلك وان كان الدكتور المدني قد اعتبر «التوجه شرقاً» مشروعه الذي ظل يشتغل عليه بدأب أكاديمي بحثي ممزوج بالاسلوب الصحفي المبسط القادر على الوصول لاوسع واعرض القطاعات وهي ميزة تحسب لـ «بوتيمور» الذي استهوته الصحافة فرفدها بمقالات ودراسات في مختلف تجليات الشأن الآسيوي وهي مقالات يميزها ذلك الكمّ الوفير من المعلومات عن كل قضية آسيوية يتناولها.

وخيراً فعل عندما جمع تلك المقالات بين دفتي كتاب من الحجم الصغير صدر له مؤخراً يدور حول «دول الخليج العربية في علاقاتها مع الأمم الآسيوية» ولعل صدوره في هذا التوقيت تحديداً يكتسب أهميته سواء من حيث «زمن العولمة» او من حيث مرحلة «الازمة الاقتصادية العالمية» الراهنة فهما زمن ومرحلة تحتمان على كل بلدٍ وعلى كل منطقة وفي مقدمتها منطقة الخليج العربية اعادة تقييم المسار وتجديد خيارات الانفتاح بما فيها خيار «التوجه شرقاً» الذي اختاره بوعي الدكتورالمدني لمقدمة اجدها شخصياً مهمة وجديرة بقراءة معرفية تضيف لها وهذا لن يتأتى اذا لم نخرج من قراءات الايدلوجيا الى قراءات الابسلمولوجيا «المعرفة» وهي اذا اردنا مزيداً من الصراحة مع النفس تنقصنا كثيراً.

وربما تكون هذه السطور في هذه المقالة مدخلاً للفت انظار المثقف المهتم الى هذا الكتاب الذي يأتي في سياق تأسيس قراءات الابستمولوجيا وربما اكون شخصياً «منحازاً» للمقدمة الى درجة تجعلني اخصص هذه المقالة لها.. فالدكتور المدني لا يكتفي فيها برصد مصطلح «التوجه شرقاً» في ظهوره او في شيوعه المعروف والذي ترافق مع المتغيرات العالمية المتسارعة في اوائل التسعينات من القرن المنصرم» وانما هو يحاول الحفر وتتبع ظهور المصطلح في الخليج وفي منطقتنا منذ بداياته المبكرة نسبياً عندما يذكر ويسترجع محاضرة للمرحوم يوسف بن احمد الشيراوي وزير الصناعة البحريني الاسبق «عندما دعا الى شيء من هذا القبيل في محاضرته بلندن حيث اكد على ان مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي تكمن في ادارة وجهها نحو التعاون والشراكة مع شبه القارة الهندية وما وراءها من دول آسيوية ناهضة».

واجدني مدفوعاً هنا لان اقف عند استعراض او عرض مقدمة الدكتور المدني في كتابه الاخير «دول الخليج العربية في علاقاتها مع الامم الآسيوية» لاطرح ملاحظة في ذات السياق ربما حالت او على الاقل عطلت انجاز التوجه شرقاً كمشروع مهم للمنطقة.. ذلك ان المثقف هنا في منطقتنا قد يعاني من عقدتين تجاه «التوجه شرقاً» الاولي هي «عقدة الخواجة» وهي عقدة قديمة متوارثة لا تجد «التقدم» ولا تقرأ عنه سوى بوصفه تقدماً غربياً فقط فلا يولي مثقفنا الخليجي والعربي عموماً ادنى اهتمام بتجارب اخرى متقدمة كالتجربة الآسيوية في ابعادها الانمائية والعلمية والاقتصادية واذا ما حانت من البعض التفاتة الى مثل هذه التجربة فانها التفاتة محكومة بادلوجة النكاية بالغرب وهي في الحالتين تمنعان تأسيس وعي حقيقي بتلك التجارب الآسيوية ومن ناحية اخرى تظل عقدة «العمالة الآسيوية» في الخليج عقدة جديدة تحول هي الاخرى بين المثقف وبين التعرف الحقيقي على التجربة الآسيوية في عمقها العلمي وانجازها التنموي. لذا أجد ان مقدمة الدكتور المدني «التوجه شرقاً» تحتاج من المثقف الخليجي الى ان يعتبرها «مقدمة» دراسات وبحوث ونقاشات تدور حول هذا الموضوع لنستخلص نتائج ونعيد تأسيس ثقافة خليجية عامة او ثقافة مجتمعية تفتح لا على التجارب الآسيوية اقتصادياً فقط وانما علمياً بحيث نشيع بين ابناء جيلنا الجديد الوعي بالتقدم العلمي الذي اجتازته جامعات واكاديميات ومعاهد الدول الآسيوية فتنمو لديه رغبة حقيقية مدفوعة بقناعات ذاتية راسخة لطلب العلم هناك والذهاب الى تلك الجامعات والاكاديميات والمعاهد حيث لا يكفي الانفتاح الاقتصادي والشراكة والتعاون مع الدول الآسيوية وحده اذا لم نرفده ببعثات للجيل الجديد لطلب العلم هناك فيعايش التجربة الاكاديمية والعلمية والجامعية ليعود بقناعات مؤكدة عن انجازاتها وعن حاجتنا للتواصل معها على كل الخطوط ومنها الخط الثقافي.

وفي تقديري انه بات لزاماً علينا نحن المثقفين الخليجيين تحديداً ان نعترف ان هناك فراغاً ثقافياً بيننا وبين الثقافات الآسيوية في معظم المجالات الادبية والفنية والابداعية علماً باننا في الخليج بدأنا مبكرين نسبياً في نسج مثل هذه العلاقات لا سيما في المجال الفني، فالتجارة مع الهند لعقود طويلة في الفترة المبكرة خليجياً قرّبت مختلف الفنون والابداعات لابناء الخليج لكنهم انقطعوا عنها نتيجة التحولات اللاحقة. وأخذ الانقطاع مدى طويلاً بما شكل ذلك الفراغ الذي اشرنا له فيما يظل جهلنا بالابعاد الثقافية والابداعية لمعظم الدول الآسيوية يشكل هو الآخر عائقاً في اقترابنا من التجربة الآسيوية.. مستثنين في ذلك اعجابنا الاعلامي الاستهلاكي بالتجربة اليابانية والذي لم نحاول فيه الاقتراب المعرفي من هذه التجربة وان كان عدد من المثقفين العرب قد تنبه الى حاجتنا الى تأسيس وتكوين معرفة علمية بهذه التجربة اليابانية إلاّ انها ظلت محاولات فردية لم تكتسب بعدها المؤسساتي والمنهجي فلم تدرس ضمن مناهجنا حتى الآن هذه التجربة رغم كل اهميتها ورغم كل انجازاتها وتفوقها.

بطبيعة الحال لست بصدد كتابة مقدمة اخرى موازية لمقدمة الصديق الدكتور «بوتيمور» لكن مقدمة كتابه حفزت فيّ التأمل ودفعتني لاضافة أهمية تعرفنا على البعد الثقافي في التجربة الآسيوية بعمومها فهي ككل التجارب الانسانية جدير بنا ان نهتم بعمقها وبتجلياتها الثقافية والابداعية على كل صعيد فهي في تقديري تؤصل وتهيئ ذهنيتنا الخليجية ووجدانا لاهمية «التوجه شرقاً» الذي جاء مدخلاً لكتاب الدكتور عبدالله المدني «دول الخليج العربية في علاقاتها مع الامم الآسيوية» نتمنى على الصديق المدني ان يكون «مقدمة» لكتب اخرى ننتظرها منه عن التجربة الآسيوية حتى تكتمل دائرة البحث عن معنى «التوجه شرقاً» وان كنا على قناعة تامة بانها لن تكتمل حقيقة ما لم نقرأ كمثقفين خليجيين التجربة الآسيوية ونفتح معها وحولها حواراً ناضجاً لتأسيس معرفة عميقةٍ بها.

ليست هناك تعليقات: