الخميس، يناير 22، 2009

إزالة آثار إدارة بوش

صبحي غندور

ربّما كانت صدفة زمنية أن تحصل المصالحات العربية في قمّة الكويت بشكل متزامن مع اليوم الأخير من عهد إدارة بوش. لكن لا يمنع ذلك من التوقّف عند المعنى الرمزي لهذا التزامن.

فإدارة بوش قسّمت العالم في سنتها الأولى بالحكم، وبعد أحداث سبتمبر 2001 إلى معسكرين: الخير والشر، ووفق مقولة: "من ليس معنا، فهو ضدّنا". ثمّ قامت إدارة بوش بتوزيع دول منطقة "الشرق الأوسط" إلى محورين: محور "الاعتدال" ومحور "التطرّف"، وبشكل وضعت فيه إسرائيل في خانة "الاعتدال"، والمقاومين لها (أي لإسرائيل) في موقع "الإرهاب المتطرّف". كذلك حرصت إدارة بوش في سنواتها الثمانية على تعطيل أي جهد عربي مشترك وعلى تفكيك التضامن العربي الذي كان قائماً طيلة حقبة التسعينات على التنسيق المصري/السعودي/السوري.

وحاولت إدارة بوش في أكثر من مناسبة أن تُخرج للعلن "شرقاً أوسطياً جديداً" تحدّثت عنه أولاً بعد غزو العراق ثمّ بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف عام 2006، ولم تنجح إدارة بوش في مشروعها رغم استخدام جبروت القوة الأميركية في العراق والقوة الإسرائيلية المدمّرة في لبنان وفلسطين، ورغم ممارسة أشدّ الضغوط السياسية والأمنية والاقتصادية على خصوم واشنطن وحلفائها أيضاً في المنطقة.

أيضاً، حاولت إدارة بوش (وبمساهمات محلية وإقليمية) إشعال فتن طائفية ومذهبية بالمنطقة تؤدّي إلى تقسيم الشعوب أيضاً بين محوري "الاعتدال" و"التطرّف"، وكان منطلقها وساحتها التجريبية هو العراق الخاضع للهيمنة الأميركية.

لقد نجحت حتماً إدارة بوش في مسائل كثيرة تتّصف كلّها بالهدم والتدمير لكنّها فشلت في بناء البدائل المرجوّة لديها، تماماً مثلما كانت عليه سياسة إسرائيل التدميرية في فلسطين ولبنان أكثر من مرّة.

لكن هل يعني انتهاء عصر إدارة بوش تلقائياً زوال آثار سياستها في المنطقة العربية، أم أنّ على العرب مسؤولية هذا الأمر؟! هنا أهمّية ما حدث من مصالحات في قمّة الكويت يمكن وصفها الآن بأنّها الخطوة الأولى لإزالة آثار "البوشية" في المنطقة. فإعادة إحياء التضامن العربي والتنسيق المنشود بين القاهرة والرياض ودمشق، هما الأساس الذي يمكن أن يصحّح الكثير من العطب والخلل في الجسم العربي الواهن.

وقد كانت إدارة بوش، بلا أيّ شك، بمثابة كابوس على العالم كلّه وعلى العرب تحديداً، لكن لا يجب الاستيقاظ من هذا الكابوس والوقوع مجدّداً في "أحلام اليقظة" والأوهام بأنّ إدارة أوباما ستحمل معها الخلاص والسلام لأزمات المنطقة والعالم.

اليقظة العربية المطلوبة هي اليقظة على الواقع بكلّ ما في هذا الواقع من سلبيات وإيجابيات. فما لم يحصل تغيير في الواقع العربي الراهن فلن نرى تغييراً إيجابياً في السياسة الأميركية.

إنّ الحكومات العربية مدعوّة ليس فقط لوقف الصراعات بينها بل أيضاً لبناء رؤية عربية مشتركة، تتضمّن خططاً عملية لقضايا عديدة مشتعلة الآن في المنطقة ومحيطها. رؤية تحدّد الضوابط في الحركة السياسية والدبلوماسية والسقف في التنازلات، وتجمع بين نهج التفاوض وحقّ المقاومة. رؤية تفرز بين العدوّ والخصم والصديق فلا تنجرّ الأوطان أو الأمّة إلى معارك هامشية تخدم الأعداء وتخسر فيها الأصدقاء. رؤية تتضمّن أساليب "الترغيب" و"الترهيب" معاً، فلا يبقى العرب في موقع الراغب فقط بالسلام مع إسرائيل بينما لا تكلّ إسرائيل عن ممارسة أسلوب "الترهيب" والمزيد من الإرهاب على العرب. رؤية عربية تزيل آثار الحقبة "البوشية" عن الإنسان العربي، حاكماً ومحكوماً، وتؤدي إلى إزالة العدوان الإسرائيلي عن كل الأرض العربية.

إنّ ما حدث في الولايات المتحدة من انقلاب ثقافي سمح بوصول مواطن أميركي أسود، ابن مهاجر إفريقي يحمل اسم حسين، إلى سدّة "البيت الأبيض"، لا يعني حدوث انقلاب سياسي في الشؤون الخارجية الأميركية. فستبقى الولايات المتحدة حريصة على دورها القيادي في العالم وعلى حماية مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية في الشرق والغرب، وعلى استمرار وجودها المميز في الشرق الأوسط، لكن الفارق المنتظر بين إدارتي بوش وأوباما يظهر من مضمون ما استخدمته هيلاري كلينتون من تعبير عن سعي الإدارة القادمة لاستعمال "القوة الذكية" ممّا يعني أن إدارة بوش اعتمدت أسلوب "القوة الغبية" لحماية مصالح أميركا أو لتحقيقها. ف"القوة الذكية" هي تلك التي تعوّل على قوتها دونما حاجة إلى استخدامها في تحقيق الأهداف المنشودة. لذلك سوف تتجه إدارة أوباما إلى أسلوب التفاوض مع خصوم أميركاً بدلاً من أسلوب المواجهة والعزل كما كان سائداً في حقبة بوش.

لكن العبرة أيضاً في الحدث التاريخي الذي تعيشه أميركا الآن من خلال وصول أوباما إلى الحكم، هي في مسؤولية الحكومات عن انقسام أو توحّد شعوبها. فجورج بوش وصل إلى البيت الأبيض بقرار من المحكمة الدستورية العليا وبعد شهرين من إعادة فرز أصوات وقرارات لمحاكم محلية، رغم أنّه أيضاً لم يحصل على غالبية أصوات المقترعين الأميركيين. فكان "فوزه" حدثاً انقسامياً داخل أميركا، كما كان خارجياً موضع مهزلة.

وهكذا كانت فترتا بوش في الحكم: انقسام ومهزلة وسط استقطاب حزبي وإيديولوجي داخل أميركا وانعدام لمعاني "الاتحاد" الأميركي.

أمّا وصول أوباما إلى البيت الأبيض، فكان تعبيراً عن وحدة المجتمع الأميركي وعن تجاوز الانقسامات العرقية والسياسية والعقدية، ممّا جعل انتخابه دافعاً لمزيد من التوحّد بين الأميركيين ولطي الصفحة العنصرية في تاريخ أميركا.

كذلك الأمر في صورة أميركا لدى العالم الخارجي، حيث كان انتخاب أوباما شهادة لأميركا وشعبها ودستورها بينما عاشت الولايات المتحدة طيلة فترة حكم إدارة بوش أسوأ حالة في سمعتها ومكانتها الدولية.

الدرس العربي الهام في هذه المحطة السياسية والثقافية التي تقف أميركا اليوم عليها، هو أهمية دور الحاكم ومسؤوليته في الحفاظ على وحدة شعبه وعلى تحويل عناصر التفرّق إلى عوامل توحّد ونهضة. كذلك هو أيضاً هذا الدرس الهام في الارتباط الحتمي بين نوعية البناء الداخلي وبين طبيعة السياسة الخارجية.

وحينما تكون هناك أوضاع دستورية سليمة تسمح بالتغيير السياسي السلمي وبحق المواطنين في اختيار الحاكمين، فإنّ الشعوب تذهب إلى صناديق الاقتراع لتعبّر عن احتجاجها واحتياجاتها ومطالبها، فلا تلجأ إلى العنف، ولا تراهن على الانقلابات العسكرية، ولا تكتفي بالدعاء على الحاكمين الظالمين!.

ليست هناك تعليقات: