راسم عبيدات
.....انتهى مؤتمر تجارب تفعيل وتوحيد اليسار في فلسطين والعالم،والذي عقد على مدار يومين في قاعة الهلال الأحمر الفلسطيني برام الله 26 + 27 / 6/ 2009،حيث قدم فيه العديد من الأحزاب اليسارية في أمريكا اللاتنية ودول أوروبا الغربية تجارب أحزابهما الاشتراكية،هذه التجارب التي ركزت بالمجمل على أن قدرة هذه الأحزاب على التأثير والفعل والتقرير بشأن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية،بل الوصول للسلطة،لم تكن ممكنة لولا توحد أو ائتلاف العديد من تلك الأحزاب والقوى،والتي من خلال التوحد والائتلاف،تمكنت من أن تضاعف من حضورها وفعلها سواء على المستوى الجماهيري أو على مستوى البرلمان والسلطة،وبين المحاضرون أن هذه الأحزاب كانت تمسك بقضية مركزية محسوسة،وتمحور نضالاتها حولها مما مكنها من تحقيق التفاف جماهيري خلفها،وأجمع المحاضرون على أن الأحزاب يجب أن تهبط إلى مستوى الجماهير والبرامج يجري صياغاتها من خلال الواقع والعمل،وأنه محظور على الأحزاب أن تبقى في القمة او النخبة وتطلب من الجماهير أن تصعد اليها.
وبالعودة الى اليسار الفلسطيني،فهو بمختلف مكونات طيفه وتعبيراته السياسية والتنظيمية،كان له اسهاماته الكبيرة والكثيرة والتي ما زالت الى حد ما،تلك الإسهامات التي أغنت وأثرت التجربة والساحة الفلسطينية في مختلف ميادين الفعل والكفاح والنضال والعمل المجتمعي والجماهيري بمختلف أشكاله وانواعه،حتى أن اليسار الفلسطيني كان في دور الريادة والقيادة في أساليب العمل السري والتنظيمي،وكذلك العمل الجماهيري،وكان هذا اليسار مكون رئيسي في بلورة الهوية والكيانية الفلسطينية،وصوغ برامجها وتوجهاتها وتصوراتها وقراراتها،ورغم الثمن الباهظ والمكلف الذي دفعته تلك القوى دماً وسجوناً ومطاردة وحصاراً وملاحقة في سبيل الدفاع عن مبادئها ومواقفها والدفاع عن الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية والقرار الفلسطيني المستقل،والانحياز إلى الطبقة العاملة فكراً وممارسة والتبني لأهدافها وتطلعاتها،الا أنها أخفقت في أن تحفر لها مكانة عميقة في الوجدان والذاكرة الشعبية الفلسطينية،وكذلك عجزت في أن تتحول إلى أحزاب جماهيرية بالمعنى الكامل،بل ما نراه اليوم أن هذا اليسار معضلاته واستعصاءاته وأزماته ما زال يغلب عليها العمق والشمولية والتداخل والاستمرارية،وبما يهدد مستقبل هذا اليسار،وينقله من دور الشريك الرئيسي في النظام السياسي الفلسطيني و م- ت- ف إلى دور التبعية والتهميش في الخارطة السياسية الفلسطينية،وفي مجمل الحياة المجتمعية الفلسطينية،ان بقي يتعامل مع أزماته في اطار من النمطية والرتابة العاليتين،وتغيب لغة المبادرة والابداع والفعل،واستخدام نفس الطرائق والأدوات وآليات العمل منذ عشرات السنين،واجادة لغة النقد والتحليل دون وضع البدائل العملية ووضعها موضع التنفيذ.
وهنا علينا واجب التذكير وطرح الأمثلة الحسية،على ضرورة وحدة اليسار الملحة،حيث وجدنا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة،ان قوى اليسار الفلسطيني،حصدت نتائج وتمثيل هزيل في المجلس التشريعي الفلسطيني،وما يجري من تجاوز لدورها في مسألة الحوار الفلسطيني الدائرة في القاهرة،حيث تحول الحوار الوطني الى حوار ثنائي بين حماس وفتح،والمطلوب من القوى اليسارية الفلسطينية،أن تبارك نتائج هذا الحوار لا أن تشارك فيه،وبمعنى آخر التحول الى "كومبارس" وهذا لا يليق بأحزاب تدفع ضريبة يومية،ضريبة من دم ونضالات ومعانيات في سبيل الوحدة والحرية والتحرر من الاحتلال،وكذلك في الحوار الثنائي والذي يمهد لمحاصصة شبيهة بمحاصصة اتفاق مكة،يجري الحديث عن شكل الانتخابات القادمة على أساس رفع نسبة الحسم الى 3أو 4%،و75% تمثيل نسبي و 25% دوائر،وبما يعني أن النتائج التي سيحصدها اليسار الفلسطيني في هذه الانتخابات ستكون أقل مما حصده في الانتخابات السابقة،ما لم تتوحد تعبيراته التنظيمية والسياسية.
ورغم الحديث المتكرر عن تشكيل جبهة يسارية موحدة،كمقدمة لجبهة ديمقراطية عريضة،تضم كافة القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي،لتحقيق نوع من التوازن الداخلي أما قطبيتي حماس وفتح،وبما يشكل حماية للبرنامج والمشروع الوطني من التبدد والضياع،بفعل سياسات الانقسام والخيارات السياسية المطروحة،وما يجري في المجتمع من تحولات تحد من التعددية وحرية التعبير والرأي،وفرض قيم غريبة على المجتمع،تتعارض مع قيم الحداثة والتنوير،حيث نشهد الكثير من الأمثلة والدلائل على ذلك في قطاع غزة،حيث الاعتداءات المتكررة على العديد من المؤسسات،ناهيك عن فئوية مغرقة في التطرف والاقصائية،اسواْ من التي كانت تسود قبل الحسم العسكري في القطاع،حيث تحتكر حماس ليس السلطة فقط،بل وتجارة الأنفاق والوظيفة العمومية وغيرها.
إننا نرى أن المرحلة الحالية،وما يجري من تغيرات وتطورات،تستدعي أن تنتقل تلك القوى من حالة الشرذمة والانقسام وتعدد تعبيراتها السياسية والتنظيمية الى مرحلة الوحدة الاندماجية،فبرامج تلك الأحزاب متقاربة جداً،وان وجدت بعض التباينات والتعارضات في الجوانب التكتيكية،فما يجمعها ويوحدها أكثر وأكبر من تلك التباينات والتعارضات،ولكن هذه التعارضات والتبيانات لا بديل عن حلها،فهي تسبب انتكاسة وحالة من عدم الثقة والتوجس بين تلك القوى،فعلى سبيل المثال لا تستقيم وحدة اليسار مع تعدد الاجتهاد ووجهات النظر تجاه الحوار الوطني والسلطة والحكومة وغيرها.
وعندما يجري الحديث عن وحدة يسارية أو جبهة يسارية موحدة،فحتى لا يخفق هذا الجهد،ولا يكون وحدة لمجموعة من القوى،تعيش مجموعة من الأزمات المركبة والمتداخلة فكرياً وسياسياً وتنظيمياً،وبالتالي تنتج قوة مأزومة على نحو أشد وأعمق،أرى أن هناك العديد من المسائل والتساؤلات التي يجب أن تجيب عليها تلك القوى،إذا ما أرادت طي صفحة أزماتها واشكالياتها المتراكمة والأسئلة والأجوبة وبالضرورة أن تخرج عن الرتابة والنمطية المعهودة،فهذه القوى مجتمعة عليها أن تقر أن أزماتها النوعية،بحاجة إلى أسئلة وأجوبة نوعية،وعليها أن تجيب على السؤال المحوري والهام،بعد كل هذه النضالات والتضحيات الكبيرة جداً،لماذا أخفق اليسار وأين أخفق؟.
والإجابة عن هذا السؤال بحاجة إلى نقد تشريحي وجريء وبدون مواربة وضحك على الذات والآخرين وتحليلات سطحية وعاطفية واستنتاجات مجزوءة وقاصرة،تحول الهزيمة الى نصر وتضخم الحجم والذات والدور والفعل،وهذه حسب وجهة نظري غير قادرة على القيام به،العديد من قيادات هذه القوى التي شاخت وتكلست وتعودت على نمط معين من العمل،وأخرى متخمة بالعمل المكتبي والمهام العملية على حساب الإبداع الفكري،تحاكي ولا تنتج ،وفكفكة حلقات الأزمات التي تعصف بقوى اليسار بحاجة إلى عقول وإرادات قادرة وبلا تردد على مغادرة خط وعيها وسيرها التقليدي إلى وعي وخط سير جديد في تحليل أسباب الأزمة،وكذلك الإجابة على أسئلة الأزمة بقيت في نفس إطار التأويلات المحدودة،من طراز الحصار وشحة الموارد المالية،الظرف الموضوعي المجافي،وغياب الديمقراطية الحزبية،والجمود وضعف البنى الحزبية والتنظيمية،وغياب الحاضنة اليسارية،وغياب وضعف الخطاب الاجتماعي والديمقراطي وغيرها،رغم أن الظروف الموضوعية المجافية نفسها،بل وعلى نحو أكثر سوء،حيث تمكن حزب الله من تجاوزها،وتوجيه هزيمة لإسرائيل،وبما يعظم من دور القيادة المبدعة والمالكة للإرادة والمنصهرة والملتحمة مع الجماهير والمعايشة همومها واحتياجاتها،
ومن هنا نرى أن المقاربات التأملية فيها نقد لعوامل الضعف والركود،وليس لعوامل الأزمة،أي للعوامل الحاضنة للضعف والتي تطورت لتصبح عوامل إدامة وتعميق للأزمة،وعلينا الإقرار أن جوهر الأزمة اليسارية ومظهرها العام،هو في مشروعها النظري وهويتها الفكرية،وهذه الأزمة لم تكن طاغية وملحوظة في مراحل المد الوطني والانتصارات التي حققها الفكر الشيوعي على المستوى الكوني،ولكن هذه الأزمة أخذت بالتطور والتعمق من بعد الحقبة "الغورباتشوفية" وانهيار مركز الاشتراكية الاتحاد السوفياتي سابقاً،وكل القوى اليسارية تعاملت مع هويتها الفكرية على أساس أنها منظومة نظرية جاهزة،جرى إقحامها قسراً على واقع اجتماعي – اقتصادي ودون النظر لخصوصيتة ولم تنتج أي من القوى اليسارية فكراً ونظرية اشتراكية معربة تتوائم مع هذا الواقع،وتأخذ بعين الاعتبار جوانب حياته الروحانية والتراثية حتى أن الكثير من عناصر هذه الأحزاب وبعض قياداتها،لم تستطع هضم هذه النظرية،وبقي تبنيها لها في الاطار الشكلاني،وفي أول محطة جزر ارتدت وتخلت عن مبادئها وفكرها،وهناك العديد ممن أساؤوا لأحزابهم وتنظيماتهم وللنظرية نفسها في التحريض على الإيمان والمؤمنين ودون أن يعوا ويدركوا أن جوهر هذه النظرية،هو العدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروات ...الخ،وترديد صيغ وكليشهات جاهزة عن المدرسة السوفياتية،وكل من كان يغرد خارج السرب أو يخرج عن تلك الاجتهادات،يتهم بالقومجية والماوية والتروتسكية.....الخ.
وكذلك من الهام القول أن صلاحية أي فكر لا تقاس بالمناقب الأخلاقية الرفيعة لأصحابه،ولا بالشحنات الثورية والإنسانية التي يشملها خطابه،مع أهميتها الرمزية والمعنوية،انما بعلاقة الترابط التي ينسجها مع الواقع أولاً،ثم وعي هذا الواقع ثانياً،ثم انتاج المفاهيم والشروط التي تنتج تغير هذا الواقع ثالثاً.
ومن هنا أرى ان الحوارات والنقاشات التي تجريها القوى اليسارية من أجل توحدها،بقدر مالها من أهمية وقيمة عالية في صفوف قواعدها وانصارها وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني،والتواقة لهذه الوحدة واستعادة هذه القوى لدورها وحضورها بين الجماهير،فأن هذه القوى مطالبة بالوصول لهذه الوحدة ليس بالشكل المتدرج،فالوقت أصبح متأخر جدا أمام الخطوات البطيئة والتدريجية،ولكن يجب أن تبنى هذه الوحدة على أسس وقواعد صلبة، تتجاوز الرؤى والنظرات الضيقة والمصالح الفئوية المقيتة.
فأي فشل من شأنه أن ينعكس بصورة سلبية ليس على قواعد وأنصار هذه القوى،بل وعلى الكثير من قطاعات شعبنا الفلسطيني،والتي ترى في هذه القوى خشبة الخلاص وحاضنة ومعبرة عن همومها ومصالحها وتطلعاتها،والإخفاق أيضاً من شأنه أن يضع علامة استفهام كبيرة على مستقبل تلك القوى ودورها الوطني التحرري ومشروعها الاجتماعي- الديمقراطي.
.....انتهى مؤتمر تجارب تفعيل وتوحيد اليسار في فلسطين والعالم،والذي عقد على مدار يومين في قاعة الهلال الأحمر الفلسطيني برام الله 26 + 27 / 6/ 2009،حيث قدم فيه العديد من الأحزاب اليسارية في أمريكا اللاتنية ودول أوروبا الغربية تجارب أحزابهما الاشتراكية،هذه التجارب التي ركزت بالمجمل على أن قدرة هذه الأحزاب على التأثير والفعل والتقرير بشأن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية،بل الوصول للسلطة،لم تكن ممكنة لولا توحد أو ائتلاف العديد من تلك الأحزاب والقوى،والتي من خلال التوحد والائتلاف،تمكنت من أن تضاعف من حضورها وفعلها سواء على المستوى الجماهيري أو على مستوى البرلمان والسلطة،وبين المحاضرون أن هذه الأحزاب كانت تمسك بقضية مركزية محسوسة،وتمحور نضالاتها حولها مما مكنها من تحقيق التفاف جماهيري خلفها،وأجمع المحاضرون على أن الأحزاب يجب أن تهبط إلى مستوى الجماهير والبرامج يجري صياغاتها من خلال الواقع والعمل،وأنه محظور على الأحزاب أن تبقى في القمة او النخبة وتطلب من الجماهير أن تصعد اليها.
وبالعودة الى اليسار الفلسطيني،فهو بمختلف مكونات طيفه وتعبيراته السياسية والتنظيمية،كان له اسهاماته الكبيرة والكثيرة والتي ما زالت الى حد ما،تلك الإسهامات التي أغنت وأثرت التجربة والساحة الفلسطينية في مختلف ميادين الفعل والكفاح والنضال والعمل المجتمعي والجماهيري بمختلف أشكاله وانواعه،حتى أن اليسار الفلسطيني كان في دور الريادة والقيادة في أساليب العمل السري والتنظيمي،وكذلك العمل الجماهيري،وكان هذا اليسار مكون رئيسي في بلورة الهوية والكيانية الفلسطينية،وصوغ برامجها وتوجهاتها وتصوراتها وقراراتها،ورغم الثمن الباهظ والمكلف الذي دفعته تلك القوى دماً وسجوناً ومطاردة وحصاراً وملاحقة في سبيل الدفاع عن مبادئها ومواقفها والدفاع عن الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية والقرار الفلسطيني المستقل،والانحياز إلى الطبقة العاملة فكراً وممارسة والتبني لأهدافها وتطلعاتها،الا أنها أخفقت في أن تحفر لها مكانة عميقة في الوجدان والذاكرة الشعبية الفلسطينية،وكذلك عجزت في أن تتحول إلى أحزاب جماهيرية بالمعنى الكامل،بل ما نراه اليوم أن هذا اليسار معضلاته واستعصاءاته وأزماته ما زال يغلب عليها العمق والشمولية والتداخل والاستمرارية،وبما يهدد مستقبل هذا اليسار،وينقله من دور الشريك الرئيسي في النظام السياسي الفلسطيني و م- ت- ف إلى دور التبعية والتهميش في الخارطة السياسية الفلسطينية،وفي مجمل الحياة المجتمعية الفلسطينية،ان بقي يتعامل مع أزماته في اطار من النمطية والرتابة العاليتين،وتغيب لغة المبادرة والابداع والفعل،واستخدام نفس الطرائق والأدوات وآليات العمل منذ عشرات السنين،واجادة لغة النقد والتحليل دون وضع البدائل العملية ووضعها موضع التنفيذ.
وهنا علينا واجب التذكير وطرح الأمثلة الحسية،على ضرورة وحدة اليسار الملحة،حيث وجدنا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة،ان قوى اليسار الفلسطيني،حصدت نتائج وتمثيل هزيل في المجلس التشريعي الفلسطيني،وما يجري من تجاوز لدورها في مسألة الحوار الفلسطيني الدائرة في القاهرة،حيث تحول الحوار الوطني الى حوار ثنائي بين حماس وفتح،والمطلوب من القوى اليسارية الفلسطينية،أن تبارك نتائج هذا الحوار لا أن تشارك فيه،وبمعنى آخر التحول الى "كومبارس" وهذا لا يليق بأحزاب تدفع ضريبة يومية،ضريبة من دم ونضالات ومعانيات في سبيل الوحدة والحرية والتحرر من الاحتلال،وكذلك في الحوار الثنائي والذي يمهد لمحاصصة شبيهة بمحاصصة اتفاق مكة،يجري الحديث عن شكل الانتخابات القادمة على أساس رفع نسبة الحسم الى 3أو 4%،و75% تمثيل نسبي و 25% دوائر،وبما يعني أن النتائج التي سيحصدها اليسار الفلسطيني في هذه الانتخابات ستكون أقل مما حصده في الانتخابات السابقة،ما لم تتوحد تعبيراته التنظيمية والسياسية.
ورغم الحديث المتكرر عن تشكيل جبهة يسارية موحدة،كمقدمة لجبهة ديمقراطية عريضة،تضم كافة القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي،لتحقيق نوع من التوازن الداخلي أما قطبيتي حماس وفتح،وبما يشكل حماية للبرنامج والمشروع الوطني من التبدد والضياع،بفعل سياسات الانقسام والخيارات السياسية المطروحة،وما يجري في المجتمع من تحولات تحد من التعددية وحرية التعبير والرأي،وفرض قيم غريبة على المجتمع،تتعارض مع قيم الحداثة والتنوير،حيث نشهد الكثير من الأمثلة والدلائل على ذلك في قطاع غزة،حيث الاعتداءات المتكررة على العديد من المؤسسات،ناهيك عن فئوية مغرقة في التطرف والاقصائية،اسواْ من التي كانت تسود قبل الحسم العسكري في القطاع،حيث تحتكر حماس ليس السلطة فقط،بل وتجارة الأنفاق والوظيفة العمومية وغيرها.
إننا نرى أن المرحلة الحالية،وما يجري من تغيرات وتطورات،تستدعي أن تنتقل تلك القوى من حالة الشرذمة والانقسام وتعدد تعبيراتها السياسية والتنظيمية الى مرحلة الوحدة الاندماجية،فبرامج تلك الأحزاب متقاربة جداً،وان وجدت بعض التباينات والتعارضات في الجوانب التكتيكية،فما يجمعها ويوحدها أكثر وأكبر من تلك التباينات والتعارضات،ولكن هذه التعارضات والتبيانات لا بديل عن حلها،فهي تسبب انتكاسة وحالة من عدم الثقة والتوجس بين تلك القوى،فعلى سبيل المثال لا تستقيم وحدة اليسار مع تعدد الاجتهاد ووجهات النظر تجاه الحوار الوطني والسلطة والحكومة وغيرها.
وعندما يجري الحديث عن وحدة يسارية أو جبهة يسارية موحدة،فحتى لا يخفق هذا الجهد،ولا يكون وحدة لمجموعة من القوى،تعيش مجموعة من الأزمات المركبة والمتداخلة فكرياً وسياسياً وتنظيمياً،وبالتالي تنتج قوة مأزومة على نحو أشد وأعمق،أرى أن هناك العديد من المسائل والتساؤلات التي يجب أن تجيب عليها تلك القوى،إذا ما أرادت طي صفحة أزماتها واشكالياتها المتراكمة والأسئلة والأجوبة وبالضرورة أن تخرج عن الرتابة والنمطية المعهودة،فهذه القوى مجتمعة عليها أن تقر أن أزماتها النوعية،بحاجة إلى أسئلة وأجوبة نوعية،وعليها أن تجيب على السؤال المحوري والهام،بعد كل هذه النضالات والتضحيات الكبيرة جداً،لماذا أخفق اليسار وأين أخفق؟.
والإجابة عن هذا السؤال بحاجة إلى نقد تشريحي وجريء وبدون مواربة وضحك على الذات والآخرين وتحليلات سطحية وعاطفية واستنتاجات مجزوءة وقاصرة،تحول الهزيمة الى نصر وتضخم الحجم والذات والدور والفعل،وهذه حسب وجهة نظري غير قادرة على القيام به،العديد من قيادات هذه القوى التي شاخت وتكلست وتعودت على نمط معين من العمل،وأخرى متخمة بالعمل المكتبي والمهام العملية على حساب الإبداع الفكري،تحاكي ولا تنتج ،وفكفكة حلقات الأزمات التي تعصف بقوى اليسار بحاجة إلى عقول وإرادات قادرة وبلا تردد على مغادرة خط وعيها وسيرها التقليدي إلى وعي وخط سير جديد في تحليل أسباب الأزمة،وكذلك الإجابة على أسئلة الأزمة بقيت في نفس إطار التأويلات المحدودة،من طراز الحصار وشحة الموارد المالية،الظرف الموضوعي المجافي،وغياب الديمقراطية الحزبية،والجمود وضعف البنى الحزبية والتنظيمية،وغياب الحاضنة اليسارية،وغياب وضعف الخطاب الاجتماعي والديمقراطي وغيرها،رغم أن الظروف الموضوعية المجافية نفسها،بل وعلى نحو أكثر سوء،حيث تمكن حزب الله من تجاوزها،وتوجيه هزيمة لإسرائيل،وبما يعظم من دور القيادة المبدعة والمالكة للإرادة والمنصهرة والملتحمة مع الجماهير والمعايشة همومها واحتياجاتها،
ومن هنا نرى أن المقاربات التأملية فيها نقد لعوامل الضعف والركود،وليس لعوامل الأزمة،أي للعوامل الحاضنة للضعف والتي تطورت لتصبح عوامل إدامة وتعميق للأزمة،وعلينا الإقرار أن جوهر الأزمة اليسارية ومظهرها العام،هو في مشروعها النظري وهويتها الفكرية،وهذه الأزمة لم تكن طاغية وملحوظة في مراحل المد الوطني والانتصارات التي حققها الفكر الشيوعي على المستوى الكوني،ولكن هذه الأزمة أخذت بالتطور والتعمق من بعد الحقبة "الغورباتشوفية" وانهيار مركز الاشتراكية الاتحاد السوفياتي سابقاً،وكل القوى اليسارية تعاملت مع هويتها الفكرية على أساس أنها منظومة نظرية جاهزة،جرى إقحامها قسراً على واقع اجتماعي – اقتصادي ودون النظر لخصوصيتة ولم تنتج أي من القوى اليسارية فكراً ونظرية اشتراكية معربة تتوائم مع هذا الواقع،وتأخذ بعين الاعتبار جوانب حياته الروحانية والتراثية حتى أن الكثير من عناصر هذه الأحزاب وبعض قياداتها،لم تستطع هضم هذه النظرية،وبقي تبنيها لها في الاطار الشكلاني،وفي أول محطة جزر ارتدت وتخلت عن مبادئها وفكرها،وهناك العديد ممن أساؤوا لأحزابهم وتنظيماتهم وللنظرية نفسها في التحريض على الإيمان والمؤمنين ودون أن يعوا ويدركوا أن جوهر هذه النظرية،هو العدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروات ...الخ،وترديد صيغ وكليشهات جاهزة عن المدرسة السوفياتية،وكل من كان يغرد خارج السرب أو يخرج عن تلك الاجتهادات،يتهم بالقومجية والماوية والتروتسكية.....الخ.
وكذلك من الهام القول أن صلاحية أي فكر لا تقاس بالمناقب الأخلاقية الرفيعة لأصحابه،ولا بالشحنات الثورية والإنسانية التي يشملها خطابه،مع أهميتها الرمزية والمعنوية،انما بعلاقة الترابط التي ينسجها مع الواقع أولاً،ثم وعي هذا الواقع ثانياً،ثم انتاج المفاهيم والشروط التي تنتج تغير هذا الواقع ثالثاً.
ومن هنا أرى ان الحوارات والنقاشات التي تجريها القوى اليسارية من أجل توحدها،بقدر مالها من أهمية وقيمة عالية في صفوف قواعدها وانصارها وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني،والتواقة لهذه الوحدة واستعادة هذه القوى لدورها وحضورها بين الجماهير،فأن هذه القوى مطالبة بالوصول لهذه الوحدة ليس بالشكل المتدرج،فالوقت أصبح متأخر جدا أمام الخطوات البطيئة والتدريجية،ولكن يجب أن تبنى هذه الوحدة على أسس وقواعد صلبة، تتجاوز الرؤى والنظرات الضيقة والمصالح الفئوية المقيتة.
فأي فشل من شأنه أن ينعكس بصورة سلبية ليس على قواعد وأنصار هذه القوى،بل وعلى الكثير من قطاعات شعبنا الفلسطيني،والتي ترى في هذه القوى خشبة الخلاص وحاضنة ومعبرة عن همومها ومصالحها وتطلعاتها،والإخفاق أيضاً من شأنه أن يضع علامة استفهام كبيرة على مستقبل تلك القوى ودورها الوطني التحرري ومشروعها الاجتماعي- الديمقراطي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق