الأربعاء، سبتمبر 19، 2007

إعلامنا بحاجة إلى وقفة



رشا أرنست

كاتبة مصرية

ما يحدث في الشارع المصري اليوم من تفاقم لمشكلة رؤساء التحرير الأربعة المحكوم عليهم بسنة مع الغرامة، زاد من حجم مشكلة الإعلام ودوره وحقيقته في مصر، والمسافة بينه وبين السلطة. بجانب الوقوع ما بين المسموح والممنوع للكاتب أو الصحفي هنا. ولعل هذه الأزمة الأخيرة والتي قضت بحبس أربع رؤساء تحرير، أظهرت كثيراً مما يكمن بداخل الإعلام المصري الحديث والمشوش من قبل العاملين به ومن قبل السلطة.
ما ظهر بالإعلام المصري هو شكل مصغر من الإعلام العربي، ولكن كالعادة، المصريون هم أول من يواجه الأحداث. الإعلام في أيامنا أصبح كالمركب التي تتخبط بين أمواج الانفتاح على كل الأخبار والطرق الإعلامية العالمية، وبين صراع القبطان وطاقم المركب المختلفون على كيفية إدارة هذه المركب مع العلم أن الاتجاه واحد والهدف واحد. ولكن يبقى لنا أن الإنسان بطبعه يرى نفسه على صواب دائماً.
قضية رؤساء التحرير الأربعة كشفت الستار عن معركة إعلامية قوية تحدث في المجتمع المصري، أسبابها ودوافعها تصب في مصلحة البلد ولكن الظاهر منها يعكس غير ذلك. بدءً من الحزب الوطني الذي أقام الدعوى، مروراً برؤساء التحرير، وصولا إلى كل من تكلم أو كتب عن هذه الواقعة سواء بشكل فيه بعض التعصب أو بشكل عقلاني أو بشكل إشعال النيران أكثر.
قضيتهم ليست جديدة، فدائما هناك قضية إعلامية تثير الضجة والضجر للشعب المصري. إما أن تكون بين الإعلام والسلطة كهذه القضية، وإما أن تكون بين إعلاميين وبعضهم مثل ما يحدث من تحريض على المذيع عمرو أديب وقناة اليوم باوربت، وإما أن تكون بين إعلاميين وقليل من الشعب الراغب في الإثارة والشهرة عبر الإعلام بكافة أنواعه مثلما حدث مع الإعلامية هالة سرحان في قضيتها الخاصة بحلقة من برنامجها السابق هاله شو. وفي كل الحالات، الطرفان يتكلمان عن مصلحة البلد وأننا نسعى للخروج من عنق الزجاجة، ومواجهة الحقيقة نصف حل المشكلة وجمل تعبيرية غاية في الروعة لا يبقى منها إلا رماد عندما تنتهي الزفة أو الضجة الإعلامية.
المعروف أن مجتمعنا شديد التأثر بما يسمع أو يقرأ ولكن ينقصه الموقف. وربما اغلب المصريون الآن لو تكلموا عن وجهة نظرهم في قضية رؤساء التحرير سيقولون: لم يخطئ أحداً، لم يخطئ الحزب لأنه دافع عن رئيسه وقائده وان كان بشكل هجومي أكثر من اللازم وكأن هؤلاء خونة يعملون ضد بلدهم وهذا بالتأكيد غير صحيح، ولم يخطئ رؤساء التحرير لأنهم مارسوا حريتهم المهنية المتفق عليها وان زادت قليلاً بشكل لا يرضي البعض. فالمواطن المصري البسيط خارج كل هذه الصراعات لان لديه ما هو أهم واكبر من مشكلة أربع صحفيون. فهو منهمك بالبحث عن قوته وتوفير حاجته وحاجة أبنائه. وعيه البسيط هو الدافع لمعرفة ما يحدث في البلد من حوله ليس أكثر، لكنه غير قادر على اتخاذ أي موقف في أي اتجاه. فهو غير محسوب طرف في تلك المسألة. لم يُطلب منه، وإن طلب لن يؤخذ برأيه. المسألة محسومة من البداية. المواطن خارج الحسابات. فهذه تصفيات الكبار وليس للمواطنين شان فيها. ولكن للأسف هو من يدفع غالباً الثمن، فالكل يهتم بشأنه الخاص أما شئون المواطنين فهي بأخر صفحة الاهتمامات.

إعلامنا أصبح مصاب بالاكتئاب، في اشد مراحله، مرحلة توشك القضاء عليه. فاكتئابه قد يؤدي إلى الانتحار بالخطأ. فالإعلاميون لا هم قادرون على ضمان الحرية المكفولة للإعلام المصري. ولا هم قادرون على تحمل القيود السائدة عليهم. الإعلام المصري يحتاج إلى وقفة، وقفة من السلطة لتحديد ما له وما عليه تحديداً واضحاً ووضع قوانين للنشر بعيداً عن القيود أو المحاكمات التي يمكننا أن نتلاشى حدوثها. الإعلام بحاجة إلى وقفة من نقابة الصحفيين ودور النشر من اجل وضع النظام اللازم والضروري للإعلام بكافة وسائله. إعلامنا يحتاج إلى الوحدة الحقيقية بين جميع الأطراف، حتى تسير القافلة الإعلامية بشكل من التحضر والرقي الذي يعبر عن هوية مصرية عاقلة لا تعرف هذا المستوى من الانحدار.
نتمنى أن تكون هذه القضية الصفحة الأخيرة في ملف الإعلام الماضي. وان تنتهي بشكل يرضي الجميع ولا يهدر حق أحد في كلا الطرفين. و يجد العدل مكان له. وان تكون هذه الأزمة الصحفية سبباً نحو الاتحاد الإعلامي الواحد بصوت واحد للمطالبة بتطبيق الحرية العادلة والقانون العادل. وعهد لوحدة كل الإعلاميين ليكونوا صوت واحد وقلم واحد يسعى للسلام في بلدنا العظيم. فلم يعد هناك مكان للصمت أو التجاهل أو التظاهر بأن كل شيء على مايرام. نحتاج إلى نظرة جديدة ايجابية للواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب المصري والعربي، فلا يصح أن يتقدم العالم خطوات للأمام نحو الحرية الحقيقية والديمقراطية. بينما يرجع العالم العربي أميال إلى الوراء. ولا يصح أن نتظاهر بشيء ونعيش شيئاً آخر. كل شيء له ثمن. إن أردنا بلد حرّ ديمقراطي، على الجميع أن يدفع ثمن ذلك، ويُقدم تضحيات مقابل هذه الحرية ويعي مسئوليته كاملة اتجاه المطالبة بهذه الحرية وتنفيذها حتى تكتمل وتقوم بدورها في ضمان حق كل مواطن.

ليست هناك تعليقات: