السبت، سبتمبر 15، 2007

فتاوي بالمقاس السياسي.؟

محمد داود
بسم الله الرحمن الرحيم
" والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وأرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون"
صدق الله العظيم
ولأننا في زمن صناعة الفتاوي، وأصبحت الضرورات تبيح المحظورات، فقد كثرت في الآونة الأخيرة الحديث حول صناعة الفتاوي التي تميزت بخصوصية مشاكسة، وأحياناًً شاذة، كونها نابعة عن انتماءات حزبية وسياسية ضيقة وأحياناً متعصبة، وعدم حياديتها أو نزاهتها، إذ تأتي وفق مبتغيات الحركة الناظمة للمجتمع،.. وجاء وصفنا لها بالصناعة لأنها عبارة عن تركيب وعمل يحتاج إلى دراية واجتهاد، وهي منتج صناعي ناتج عن عناصر عدة منها الدليل ومنها الواقع والعلاقة بين الدليل بأطيافه المختلفة التي تدور حول النص وبين الواقع بتعقيداته.
لقد دار الجدال بين هيئة رابطة علماء غزة المحسوبة على حركة حماس، بعد وصفهم للمصلين في العراء بالآثمين، وأن من يصلي فإنه يزج نفسه وسط شباب من العفن... وغير ذلك من الأقاويل، حيث جوبهت هذه الفتوى من معاني، ردودً أفعال كثيرة على المستوى المحلي والدولي وجوبهت بدلائل تجيز وتحض على الصلاة في العراء، الذي أكدها علماء من فلسطين ودول عربية شقيقة من السعودية ومصر، بالتالي هذا الجدال الكبير بين "الحلال والحرام" أوجد حالة من الشكوك والاختلاف والتعقيد في الشارع الفلسطيني، سيما وأن هذه الصلوات تم قمعها باستخدام القوة المفرطة دون مراعاة للقيم والمبادئ الإسلامية السامية، ودون إي مراعاة لضوابط حرية العبادة وحرية الرأي والتعبير .
فرغم كثرة المساجد إلا أن الإقبال يذهب إلى جعل الصلاة في العراء لأن بيوت الله وظفت لأغراض سياسية وكما يصفونها أبناء حركة فتح بأنها انحرفت عن مسارها الديني البحت وباتت بوقاً ينطق بلسان الحكومة والحزب الضيق من اجل تسيير وتسويق مصالحها الحزبية والتشهير بالآخرين، واستمالة عواطف الناس. والمسجد كان ولا يزال حتى يرث الله الأرض ومن عليها، هو المدرسة الأولى التي يتلقى فيها المسلمون وأبناؤهم جيلاً بعد جيل يلتقون فيها في الجمع والجماعات وسائر المناسبات الدينية ويتلقون فيها ما يفيدهم في حياتهم وينفعهم في دنياهم ودينهم، لأن خطبة الجمعة هي الزاد الأسبوعي الذي يمد المسلم بما يضئ له معالم الطريق فيسير في هديه وإشراقات نوره على هدى وبصيرة ففي هذا الزاد الطاقة الروحية والنفسية ويسمو بعقله ويزكي جوارحه وتعمل على تلاحم فئات الشعب وتصاعد التكافل والتراحم بين الناس، كما وتستغل في طرح الجوانب المهمة التي تشمل العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاقيات والاجتماعيات والمناسبات الدينية والوطنية داخل المجتمع الفلسطيني وتطفئ نار الأحقاد والخلافات والحزبيات الضيقة، الذي حاول العدو الصهيوني على مدار سنوات طويلة تجزئة وتفتيت وإسقاط مجتمعنا بالإفساد والاستهلاك والتبعية. لقد قرأت عدة مقالات قبل أيام، وجميعها عبرت عن اشمئزازها من سياسة استغلال المساجد لأغراض الحزبية، لأن المساجد نقطة التقاء واهتمام لدى الفصائل الراديكالية التي تهدف لاختيار وكسب الشباب واستقطابهم للانضمام للحركة فيما بعد وأقصد حركتي حماس والجهاد اللتان تعتبران المساجد نقطة انطلاقة في انخراط عناصرهما المستجدة وضمهم إلى صفوفهما ، ... وهاتين الفصيلين الإسلاميين التي شهدت بينهما علاقات توافق واختلاف بين مدٍ وجذر، حيث دارت بينهما خلافات في السابق حول السيطرة على المساجد واحتكار بيوت الله لتكون مقرات إعلامية باسم هذا التنظيم أو ذاك كما وصلت حدة الاقتتال بينهم حول الولاية والإشراف على المساجد، وأذكر بعض مساجد في غزة وقعت فيها عدد من الإشكاليات لا الحصر مساجد في حي الشجاعية والزيتون والتفاح والشعف و مساجد أخرى في الشمال والجنوب...... التي شهدت أحداث مأساوية ينتدب لها الجبين، بسبب الولاية ووضع اللوحات الإعلانية أو حول شخصية الإمامة والخطابة أو على جلسات الذكر أو حول وضع الرايات والصور على المآذن أو الجدران، ونحن ليس بعيدين حيث قتل قبل شهر على ألأقل في مسجد الرباط في حي الزيتون الشهيدين "الداية والعمودي" وهم في بيوت الله عقب صلاتهم لصلاة الفجر على أيدي مجموعة مسلحة.
لذلك نناشدكم جميعاً حكومة وسلطة وأحزاب وفصائل وعائلات ومواطنين بأن تجعلوا المساجد لله وأن تعيدوا الإسلام عزته فلا ينبغي أن يشكك أحدً فيها،... وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً" وقال سبحانه : "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها أسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" بالتالي ما تفتون به لا يخرج عن نطاق الاجتهاد الحزبي، لأن الإسلام دائماً يحض على التسامح والمحبة، فهو دين يسر ... ولا تعسروا،... من هذا المنطلق منع الإسلام أن تكون المساجد أو فئات توظفها بأن تكون مسرحاً وأداة لتفريق وحدة الصف الفلسطيني والإسلامي والوطني لأي عذراً كان .
نعم يا سادة الحركتين الإسلاميتين ويا ساد المفتتين، فلا يجوز لأي طرف أن يحتكر المساجد لطائفته أو حزبه ولا أن يخصصه لنشر الدعوات التنظيمية أو يجعلها بوقاً ينطق له ولحركته السامية في نظره، كمنبر إعلامي ، أو أن يفرض ولايته دون المساس بالمحتوى أي الجانب الديني، الذي لابد أن يبقى وأن يكون فقط خالصاً لوجه الله تعالى ومن ثم لصالح الأمة بكينونتها دون أن يكون له أية انتماء حزبي ولا يجوز أن ترفع الرايات الحزبية أو تعلق على جدران وقباب ومآذن بيوت الله "المساجد" وحتى وضع البيانات والمجسمات والصحف والمجلات العامة التي قد تشهر وتمس وحدة الصف الفلسطيني والإسلامي، ولا تخدم وحدة الجماعة ولا المبتغيات الدينية والوطنية بالتالي فالمساجد لله والعبادة فيها مكفولة للجميع دون تحزب وعليه يجب أن لا تستخدم وتستغل للتحريض أو لدعاية المضادة والمس بشخصيات أو الترويج لدعاية سلطوية وحزبية وفصائلية أو طائفية ولا يجوز أن توجه تجريحاً أو افتراءا أو على الأقل تشكيكاً ضد طرف أو جهة ما لم تبين الدلائل والبراهين التي تثبت إدعاءاتك، وهو ما تعانيه مساجدنا التي تسمح بجعل منابرها مصدراً لتشويه والإساءات للأحزاب وللشخصيات واضعاً نصب عينيها خدماتها الحزبية دون غير، ...
فالمساجد للعبادة ولعلاج الأزمات وتصحيح مسار المنهج وكشف الأخطاء والممارسات السلبية والوقوف على حيثياتها من أجل وضع حلول ومن ثم علاجها، فنحن قد نختلف..ولكن اختلاف الرأي..لا ينبغي أن يؤدي إلى اختلاف القلوب. وسبحانه يقول(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).. أما بخصوص المس بالأشخاص فيفضل أن يلمح بها دون التعرض لها مباشرة ولابد في ذلك أن تتأكد من صحتها وبالأدلة والشهود، لأن المساجد أداة لصون المجتمع من الوقوع في براثن الفتن والتعصب الأعمى والخوف، بالتالي زج الشعب الفلسطيني في أتون حرب أهلية ،. ولذلك يفضل اللجوء إلى منهج الله والاحتكام إلى شرعه .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تتباغضوا ولا تتحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل المسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام". فما بالنا ونحن في شهر رمضان المبارك؟ فلا يحق احتكار الدين والمساجد وحرية العبادات و احتكار الخطابة الدينية والسياسية والتفرد بحق فهمه وتفسيره بممارسة الخطاب السياسي باسم الحزب على منبر رسول الله أو في المؤسسات التعليمية التي تستهدف غرس الثقافة الحزبية في نفوس الأطفال وهو من أشد أنواع الفوضى الدينية لأنها تفتقر إلى الرقيب، مما تقزم دور الدين فتحول الدين لصالح طائفة مختارة لا تعترف لطائفة الأخرى بحقها في الشراكة على أساس الأمة الواحدة،.. ومن اجل إعادة الاعتبار لهيبة المؤسسة الدينية، الذي يعد استقلال تلك المؤسسة من شروطه الجوهرية، وهو إحدى خانات إغلاق الباب أمام تدخل السياسة في الدنيا. ومن ثم تأثر المؤسسات الدينية بالأهواء والحسابات السياسية العارضة. وفي الختام أقول / اللهم وحد صفوف المسلمين في فلسطين واجمع كلمتهم على الحق والدين وانصرهم يا رب العالمين في هذا الشهر الكريم. فبعد هذا الحديث هل نقول / اللهم أرحمنا وارحم حزبنا ونظام حكمنا ولا ترحم معنا أحداً...؟ كاتب وباحث فلسطيني

ليست هناك تعليقات: