الثلاثاء، سبتمبر 11، 2007

رد على رسالة نهاد المشنوق إلى وليد بك

سعيد علم الدين
نشرت "السفير" البيروتية بتاريخ 07.09.10 رسالة موجهة من الكاتب نهاد مشنوق الى الزعيم الوطني وليد جنبلاط. قرأتها واسترعى انتباهي بعض النقاط التي سأعلق عليها.
يقول الكاتب لجنبلاط: "وجد فيك جمهور رفيق الحريري الثائر لاغتيال زعيمه، موقعاً مقاتلاً فكان له من يقوده إلى الثأر العشوائي لكرامته ورفض الاعتراف بالنتائج المترتبة على اغتيال الرئيس الحريري من فقدان للهوية السياسية، ومن احساس بالاحباط، تلاشى تدريجاً الى حد اعتبار حقوقه السياسية ليست محفوظة فقط، بل ان باستطاعته الغاء صفحات من كتاب تاريخه وتغيير خريطته السياسية لأن دمشق ليست الممر الآمن لعروبته".
أقول: يخلط الكاتب هنا على طريقة بعض العرب، شعبان برمضان، أو القمح بالزؤان، أي بين الثأر العشوائي العشائري من ناحية ومعرفة الحقيقة عبر المحكمة المشفوعة بالقرائن والبراهين والأدلة والشهود لكشف القتلة ومعاقبتهم وإحقاق الحق، وبين العروبة الحقيقية الأصيلة وتجارها الذين سجنوها ذليلةً في معتقلاتهم وأقبية مخابراتهم وفساد أنظمتهم وعجزهم عن الانتقال بمجتمعاتهم إلى رحاب الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخنوعهم المذل أمام الصهاينة بل وأحيانا التناغم معهم على حساب لبنان المنكوب بعروبتهم البعثية او العبثية، وتأمين أمن إسرائيل من حدودهم الآمنة بوجود نظامهم الذليل، فلا تطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان، وخستهم في قهر المثقفين واغتيال اللبنانيين والعرب الشرفاء من ناحية أخرى. هؤلاء مستغلو العروبة أبشع استغلال هي منهم براء ومن ادعاءات امتلاكها. بل هم أعداؤها الحقيقيون. يرتكبون عظائم الآثام بحقها، يحللون لأنفسهم ما يشاؤون، يبتزون ويساومون وعلى لبنان وهو يتعرض للضرب المدمر من العدو الإسرائيلي يتفرجون.
ينسى الكاتب أنه ومنذ اللحظة الأولى لارتكاب جريمة 14 شباط طالبت مئات الألوف من اللبنانيين يوم الدفن وصارت بالملايين يوم 14 آذار بمعرفة الحقيقة. وهذا مطلب حق لا غبار عليه إلا على القتلة. " بدنا الحقيقة" صار شعارا عالميا وما زال وهو لمصلحة كل الشعب اللبناني واستقراره ومصلحة الأمة العربية كأمة حضارية لها دورها الإنساني وليست مخابراتية قاتلة تحكمها العصابات الجاهلة. أكدت الجامعة العربية في اجتماعها الأخير في القاهرة وبوجود الوزير السوري المعلم، بأن كشف الحقيقة ومتابعة المحكمة مطلب عربي لا يمكن المساس به. مع العلم والكاتب يعرف أن الطبقة السياسية اللبنانية الإلهية منها والأرضية، طالبوا بمعرفة أو كشف الحقيقة، ولكن بالفم وليس بالفعل. حيث عراهم موضوع المحكمة ومتابعتها من ورقة التوت. فالنظام السوري لا يريد أن يسمع كلمة محكمة وتوابعه وأزلامه في لبنان لا تريدها، فقاتلت لدفنها وأغلقت البرلمان لإفشال اقرارها لبنانيا. ليس هذا فحسب بل وسبب نصر الله في محاولته للهروب من الحقيقة والمحكمة حربا إسرائيلية مدمرة بتقديمه الذريعة المناسبة في الوقت الغير مناسب للعدو.
نحن اللبنانيون لا نحتاج إلى شهادات في العروبة من أحد وبالأخص من أهل عروبة البرغل المجروش لصنع الكبة البشرية النية. نحن من نعطي هؤلاء الضالين عن الطريق العربي السوي شهادات في العروبة الأصيلة الوفية الصادقة لقيم ومبادئ وأخلاق وفروسية العرب.
هل المطالبة بمعرفة الحقيقة هو أخذ ثأر؟
حسب رأي الكاتب على الشعب اللبناني وجنبلاط اعتبار ما حدث قضاءً وقدرا وانتهى الموضوع. ومبروك على القاتل! والشاطر بشطارته. وصحتين على قلب الشاطر.أي أنه في هذا الموقف الإحباطي يهدر دماء شهداء انتفاضة الاستقلال جميعا ويفرح قلب القاتل لكي يتابع التقتيل باللبنانيين كلما أحب وأراد أو لم يعجبه حديث هذا وسياسة ذاك.
حقيقة عصابة "فتح الإسلام" الإرهابية أن دمشق كانت ممرا عربيا آمنا لها لخراب لبنان والتسبب بنكبة أهل مخيم نهر البارد ثانية.
النكبة الأولى على يد إسرائيل والثانية على يد النظام السوري، وبشاهدة العريف في الحرس السوري الجمهوري محمد بن حمزة الشيخ عثمان الذي قبض عليه فاراً بعد سقوط المخيم واعترف أن عربان نظام الشام هم من أرسلوه لمحاربة العدو "المنتج الإسرائيلي" أي شرفاء لبنان.
تقول "استطاعت «العجيبة السياسية» المسماة بقوى الرابع عشر من آذار".
أقول: هذه ليست عجيبة سياسية، بل حقيقة لبنانية وطنية صلبة افرزها مخاض 30سنة احتلال واغتصاب وهيمنة وتعسف واضطهاد وقهر للشخصية اللبنانية وحسد منها وحقد عليها من قبل رأس النظام السوري. الذي توج حماقاته التي لا حصر لها بجريمة 14 شباط الحاقدة على شخصية الرئيس الشهيد رفيق الحريري اللبنانية العربية الفذة، فكان الرد العفوي الشعبي المليوني على تجمع 8 آذار الشاكر لممارسات النظام السوري هو 14 آذار وحقيقة أحرار 14 آذار.
تقول: "صمدت الحكومة نتيجة تماسك الأكثرية النيابية معها ...." .
أقول: لقد صمدت الحكومة والأكثرية والشعب والجيش لأنهم جميعا على حق في دفاعهم البطولي عن النفس والقرار اللبناني الحر والسيادة والاستقلال والحقيقة وتحقيق المحكمة. وصاحب الحق سلطان وأهل الباطل يحتلون الساحات ويعتصمون على العامل والبطال، يستقيلون من الحكومة في النهار ثم يعودون تحت جنح الظلام لتصريف الأعمال، ينرجلون قضاياهم المقبوض ثمنها من خامنئي بالدولار الطاهر تنفيخا ويعطلون الأشغال.
إقفال البرلمان يعطل سير الدولة و"الإستاز" بري ولا على بالو!
الحكومة والأكثرية والشعب ما زالوا صامدين رغم كل محاولات النظام السوري وعملائه في ضرب الأمن والاستقرار والتفجير وعمليات الاغتيال، وسيظلوا صامدين إلى أن تتحقق أهداف انتفاضة الاستقلال. وهي تخص كل الشعب اللبناني من الجنوب إلى الشمال ومن الساحل إلى عرسال.
تقول: "انتصبت القامة السياسية لسعد الحريري وريث والده".
أقول: الزعيم سعد الحريري ليس وريثا لوالده على شاكلة بشار لحافظ، وإنما هو منتخب من الشعب. وبانتخابات شهد المراقبون الدوليون على نزاهتها. معركة الشمال الانتخابية كانت طاحنة وخاضها سعد من طرابلس حيث استقر بجدارة واستطاع بمهارة استقطاب كل أهل الشمال، مما أدى إلى نجاح لائحة حلفائه بالكامل. هذا ليس توريث هذا كفاح ديمقراطي عصري شريف!
تقول: "أُقرت المحكمة الدولية ... ، إذ إنها المرة الأولى في التاريخ التي تشكّل فيها محكمة من أجل جريمة سياسية فردية".
أقول: هنا ترتكب يا أستاذ نهاد خطأ جوهريا في اعتبارك أن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري " جريمة سياسية فردية".
فالجريمة ليست سياسية فردية كاغتيال أنور السادات أو جون كندي وإنما أكبر بكثير إنها جريمة اغتيال وطن من خلال اغتيال زعمائه وقادته.
ومن هنا فالمحكمة الدولية لم تُنشَأ لشخص ولا لشخصية، وإنما لوطن تفترسه أنياب الاغتيال السياسي العروبي الوحشية البشعة والذي بدأ حتى قبل اغتيال الزعيم كمال جنبلاط. السلسلة معروفة حتى اغتيال الشهيد وليد عيدو ولا مجال للتكرار.
حتى أن جريمة 14 شباط الإرهابية لم تستهدف الشهيد رفيق الحريري أبدا بل استهدفت موكبه بالكامل، حيث قتل معه العشرات وجرح المئات. هذا يعتبر نوع من الابادة الجماعية ليتم من خلالها تدجين اللبنانيين كما دجن النظام السوري شعبه المغلوب على أمره. كان من الممكن لو أرادوا أن تتم عملية الاغتيال برصاصة قناص، خاصة وان المنطقة وبيروت كلها تحت سيطرتهم. ولكن الهدف كان زلزلة لبنان وإبادة موكب الحريري وتركيع الإرادة اللبنانية لمشيئة طاغية الشام.
ولهذا فقرار إنشاء المحكمة تاريخي مفصلي شجاع ويؤسس لمرحلة مشرقة جديدة من المستقبل اللبناني والإنساني الحديث. فالمحكمة هي محكمة عالمية دولية بامتياز وليست لبنانية عربية على طريقة عضوم تسير على العكاز.
وهي في الأساس لوضع حد لفوضى القتل والاغتيالات السياسية في العالم والتي أصابت لبنان بالصميم، وأصبحت مهنة محترفة لأنظمة القتل والتعتيم. هذه الاغتيالات لا ينجو منها احد، إلا نادرا وأي إنسان يعيش دوامة العنف الضاربة في لبنان ويعترض على المحكمة فهو مشارك بطريقة او بأخرى في هذه الاغتيالات المنكرة.
وهكذا فالأنظمة التي اتخذت الاغتيال السياسي وسيلة: سريعة الإنجاز، رخيصة التكاليف، لإسكات الرأي الآخر والمعارض، دون أن يكون هناك من يسائل ولا من يحاسب ترتجف اليوم أمام القرار الأممي 1757 المستند الى الفصل السابع.
أما بالنسبة لعمليات الجيش العسكرية المتأنية في البارد والمدروسة بشدة فلا يمكن مقارنتها مع عمليات النظام السوري الذي دمر حماة على أهلها بمجازر موثقة ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء.
أما بالنسبة لانتخاب رئيس للجمهورية فلا بد من طرح السؤال التالي لبنان الوطن إلى أين؟ فمستقبلنا على المحك والغالب يجب أن يكون لبنان السيد الحر الديمقراطي العربي المستقل، وليس لبنان الساحة المفتوحة لمشاريع الآخرين.ولهذا يجب أن يتم الانتخاب حسب نصوص الدستور، وأن يكون رئيسا لبنانيا يعمل لمصلحة "لبنان أولا" ويصالحنا مع الشرعية الدولية بتطبيق كل القرارات المتعلقة بلبنان. أكتفي بهذا القدر.

ليست هناك تعليقات: