الأحد، سبتمبر 02، 2007

مطلوب "إعلان مبادئ" فلسطيني أولا

نقولا ناصر

إن انشغال الرئيس محمود عباس في محاولة انتزاع موافقة إسرائيلية على "إعلان مبادئ" حول قضايا الوضع النهائي ، في سباق محموم مع الزمن ، وفي رهان مصيري على المجهول ، وفي غياب كامل لأي مشاركة أو رقابة وطنية أو تشريعية أو إعلامية ، وفي إطار "حالة طوارئ" معلنة تطلق يديه حرة للتفرد في التشريع والتنفيذ والتفاوض بينما الانقسام الوطني يتعمق دون حتى أن تخفف منه وحدة صف أو وحدة رؤية لإستراتيجية التفاوض في إطار ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية التي تقوده فتح ، إن انشغاله هذا في ظروف كهذه يقتضي منح الأولوية لتوافق وطني على "إعلان مبادئ" فلسطيني يمنع تكرار تجربة تمرير اتفاقيات أوسلو في ظروف مماثلة .

لقد كان تغييب المشاركة والرقابة الشعبية شرطا مسبقا لإنجاح تمرير اتفاقيات أوسلو منذ عام 1993 وكان عدم تجديد الشرعية "الثورية" أو "البرلمانية" للمؤسسات الفلسطينية شرطا لازما لمواصلة الالتزام بها من قبل الهيئات المفترض فيها أن تكون ممثلة للشعب الفلسطيني ، حيث كانت "الولاية القانونية" لجميع هذه الهيئات "منتهية" (الرئاسة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي ويشمل ذلك التأجيل المتعمد لانعقاد المؤتمر الحركي لفتح) حتى تم التجديد لرئاسة سلطة الحكم الذاتي ومجلسها التشريعي عامي 2005 2006 لكن دون تجديد مماثل حتى الآن لمرجعية هذه السلطة المتمثلة في منظمة التحرير ، مما يثير أسئلة واقعية حول ما يقال عن توجه لكي تحل سلطة الحكم الذاتي محل المنظمة كمرجعية وطنية تقرر مصير الشعب الفلسطيني .

وقد كانت "وثيقة إعلان الاستقلال" عام 1988 انقلابا إستراتيجيا على الثوابت الوطنية لمنظمة التحرير لأنها كانت الأساس لحل الدولتين والتصالح التاريخي مع المشروع الصهيوني في فلسطين والمدخل إلى الاعتراف الإسرائيلي والأميركي بالمنظمة وهو الاعتراف الذي قاد إلى إنشاء سلطة الحكم الذاتي . إن "الواقعية السياسية" لقيادة المنظمة التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى وضعها الراهن تهدد حاليا بانقلاب إستراتيجي جديد على وثيقة إعلان الاستقلال نفسها .

فهذه الوثيقة لم تتضمن أي إشارة محددة إلى أي من قرارات الشرعية الدولية إلا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مما يعني "تقرير مصير" الشعب العربي الفلسطيني فوق أرضه طبقا لهذا القرار ، لكن قيادة منظمة التحرير اعتمدت في اتفاقيات أوسلو حل الدولتين طبقا لقراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338 ضمن حدود الرابع من حزيران / يونيو ، ثم ها هي الآن تستعد "للتفاوض" على "إعلان مبادئ" حول قضايا الوضع النهائي ل "حل متفق عليه" في هذا الإطار ، مما يهدد بتراجع إستراتيجي جديد لا بد أن تمليه موازين القوى السائدة التي يزيد الانقسام الفلسطيني من اختلالها لصالح قوة الاحتلال الإسرائيلي .

وتستغل واشنطن وجود قيادة المنظمة في أضعف حالاتها وأقلها تمثيلا لشعبها للاستمرار في ارتهانها لحسن النوايا الأميركية لتدفعها أكثر باتجاه المزيد من الحرث في البحر الأميركي بحثا في المجهول الأميركي عن أوهام حل سلمي يكاد يتحول اللهاث وراءه إلى إدمان ، وهو حرث لم تحصد منه القضية الفلسطينية حتى الآن سوى الريح .

فالرئيس الأميركي جورج بوش اقترح "مناسبة" دولية لم يُتٌفق بعد على اسم لها ، فالبعض يسميها "مؤتمرا" وآخرون "اجتماعا" وغيرهم "تجمعا" ، ولم يتسلم أحد دعوة لها حتى الآن ، ولم يتحدد مكانها ولا موعد مؤكد لها ولا من سيشارك فيها ، ولا يعرف أحد جدول أعمالها ، ولم يتجرأ أحد على التكهن بنجاحها ، لكن الرئيس عباس نفسه قال إنها ستكون "مضيعة للوقت" إذا لم تتمخض عن الاتفاق على "إطار عمل واضح" حول القضايا الجوهرية للدولة الفلسطينية المرجوة .

ومع ذلك يبدو جدول أعمال الرئيس عباس مزدحما للقاء أصحاب مشروع هذا "الوهم – الملهاة" بحيث لا يُبقى له أي وقت حتى لحد أدنى من تبادل الرأي الوطني حوله ، إذ من المقرر أن يلتقي رئيس وزراء دولة الاحتلال إيهود أولمرت مرتين في الأقل قبل شهر تشرين الأول / أكتوبر المقبل عندما سيلتقيان في تل أبيب لمرة ثالثة في مؤتمر فلسطيني – إسرائيلي لرجال الأعمال ، يلتقيان خلاله أيضا مع مبعوث "الرباعية" الدولية توني بلير ، قبل الذهاب إلى تلك "المناسبة" ربما في أواخر تشرين الثاني / نوفمبر المقبل ، إثر لقائهما في القدس المحتلة الثلاثاء الماضي بعد ثلاثة أسابيع من لقائهما في أريحا . ومن المقرر كذلك وصول وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للقائهما بين 16 – 19 أيلول / سبتمبر الجاري لحثهما على الاتفاق على ما يسميه البعض "إعلان مبادئ" وآخرون "إطار عمل" ويسميه إسرائيليون "وثيقة اتفاقيات وتفاهم" ، قبل توجه عباس إلى نيويورك في نهاية الشهر ، مرورا بلقاءات عربية ودولية أخرى يستهدف منها تحويل الوهم إلى واقع والتمني إلى حقيقة والمجهول إلى معلوم .

وتبدو القيادة الفلسطينية في رام الله وكأنما قد وضعت كل بيض "المشروع الوطني" لمنظمة التحرير لإقامة الدولة المرجوٌة فوق الأراضي المحتلة عام 1967 في السلة الفاسدة للرئيس الأميركي جورج دبليو. بوش ، في رهان أخير على حسن النوايا الأميركية ، التي تشترط بسوء نية استمرار الانقسام الفلسطيني كشرط مسبق للذهاب إلى تلك "المناسبة" المشبوهة .

لكن حتى لو توصل أبو مازن وأولمرت إلى "إعلان المبادئ" المأمول ، ما الذي يضمن ألآ يكون مصيره كمصير "إعلان المبادئ" الذي وقعه عباس في واشنطن عام 1993 ؟ فحتى لو بلغ التفاؤل حد توقع ضمان الإعلان الجديد بسقف زمني وآليات تنفيذ ، ما الذي يضمن التزام قادة الاحتلال لكي لا يتحول هذا الإعلان إلى "إطار عمل" يُسوٌغ فلسطينيا التعاطي مع الحلول الانتقالية مثل الدولة "المؤقتة" التي يقترحها أولمرت ويرفضها الإجماع الفلسطيني ؟

في 23 الشهر الماضي كتب المحلل الإسرائيلي أكيفا إيلدار في هآرتس: "عبر السنين تعلٌم الفلسطينيون أنه بالنسبة للإسرائيليين لا يوجد ما هو أكثر ديمومة من المؤقت" مضيفا أن أولمرت في محاولاته لإيجاد صيغة تجسر بين الدائم وبين المؤقت تبنى أسلوب "الغموض البناء" الذي يتيح لكل طرف أن يكون له تفسيره الخاص ." فهل تعلم الفلسطينيون حقا ؟!

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: