السبت، مارس 28، 2009

الجندي جلعاد شاليط أصبح حصان طروادة للسياسة الإسرائيلية

عبـد الكـريم عليـــان

الخامس والعشرين من حزيران للعام 2006، هو اليوم الذي أسر فيه المقاتلون الفلسطينيون الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في العملية العسكرية التي سميت بالوهم المتبدد، واعتبرت في حينها خسارة فادحة للجيش الإسرائيلي، منذ ذلك الوقت وحتى الآن دفع الشعب الفلسطيني ومازال.. ثمنا باهظا لا يكمن عده وحسابه في الأرواح والممتلكات، وذاق أهل غزة الويل جراء الحصار الغاشم الذي فرضته إسرائيل بمساعدة دول إقليمية وعالمية لإرضاء الإسرائيليين.. هذا أقل ما يمكن عمله من العالم الذي يدعي التحضر ويحترم حقوق الإنسان؟! وكأن الإنسان الوحيد على هذه الأرض، أو على الأقل في الشرق الأوسط ،هو: الإسرائيلي ! ونسي هذا العالم، أو تناسى بأن القادة الإسرائيليين قد استدرجوه ليشاركهم جرائمهم البشعة والموغلة في الجريمة بحق الإنسانية جمعاء.. إذ كيف يقبلون أن تمارس إسرائيل العقاب الجماعي ضد شعب بأكمله؟ لا ذنب له سوى أنه طرد من أرضه منذ أكثر من ستين عاما، ومازالت العصابات الإسرائيلية تلاحقه في تشرده أينما كان لتقضي عليه، ولا تعطيه فرصة ليثبت للعالم أنه جدير بمشاركته الحضارة والتقدم.. وكلما خطا خطوة للأمام تغتاظ منها إسرائيل فتتحين الفرصة بالانقضاض عليه لتعيده مكسورا سنوات حتى يجبر كسره ليعود من جديد، وهكذا دواليك.. بعد خمسين سنة من النضال قبل الشعب الفلسطيني الضعيف اتفاقا هزيلا قد لا يلبي طموح طفل لاجئ من أي مخيم أو قرية أو مدينة.. وقبلت إسرائيل اتفاق أوسلو على مضد تحت ضغط دولي، أو كنتاج لما بعد الحرب على العراق، أو أنها قبلت بذلك مؤقتا لتعود بعد وقت بلخبطة الأوراق حينما رفضت دفع الاستحقاقات للفلسطينيين، وبذلك أعادت دوامة العنف للمنطقة من جديد.. لأنها لم تتعود على الهدوء والاستقرار، أو أنها اكتشفت أن ذلك يتنافى مع وظيفتها وكينونتها كجسم غريب في المنطقة.. وتوصلت لنتيجة واحدة هي: السلام والاستقرار سوف يضعفها أمام شعوب المنطقة!

عندما انتبه العالم لوحشية إسرائيل فعرض على الجميع حلولا سميت في حينها خارطة الطريق التي اقترحتها الرباعية الدولية.. ومع ذلك لم يعجبها الاقتراح وراحت تلتف عليه بانسحابها الخبيث من غزة لتوهم العالم بأنها بذلك قد تخلت عن شيء ثمين لصالح الفلسطينيين وراحت تطبق الخناق على غزة من كل النواحي والاتجاهات.. وعندما أظهر الفلسطينيون أنهم مثل: أي شعب متحضر يمارسون الديمقراطية بشفافية ونزاهة شهد لها العالم أجمع، اغتاظت أكثر.! ووجدت في نتيجة الانتخابات حجة، أو مبررا لتستمر في معاقبة الفلسطينيين والانقضاض عليهم من جديد بحجة فوز حماس كمنظمة (إرهابية)، والحقيقة من وجهة نظر الإسرائيليين أن العرب جميعهم إرهابيين، وما شعار "الموت للعرب.." الذي يردده الشعب الإسرائيلي بأكمله إلا دليلا على تطرف وعنصرية هذا الشعب الذي وجد في تراثه وتجربته ما يعزز سياسته الفاشية ضد البشرية بأكملها وليس العرب فحسب! فراح يعادي ويتجهم ضد أي بلد يمكن أن يعتدل بعض الشيء إذا ما وقفت بجانب العرب حتى لو كان معنويا، وأقل ما يمكن أن تقوم به ضد هذا البلد تنعته بأنه ضد السامية..

هكذا هي إسرائيل على مدى أكثر من ستين عاما تدور في فلك الحرب.. ستون سنة من سفك الدماء غير كافية لإنتاج ديجول إسرائيلي يقرر مرة واحدة: أن سياسة العنف لا تولد إلا عنفا متزايدا... ستون سنة من ملاحقة شعب أعزل غير كافية وغير مقنعة لهم بأن ذلك غير مجدي ولا يمكن أن يقضي على شعب، وكلما أوغلوا في الجريمة كلما زاد هذا الشعب عنفوانا وشموخا.. وكلما زاد فساد القادة الإسرائيليين وفساد مجتمعهم البغيض.. هكذا هي إسرائيل! ليبرمان وجماعته الذين لم يتعلموا العبرية بعد! صاروا جد متطرفين ولا يرغبون بوجود العرب هنا.. وحازوا على تأييد واسع من المجتمع الإسرائيلي الذي تربى على التطرف والعدوان.. ولن ننسى أن هذا المجتمع لم ينتظر رئيس وزرائه رابين أن يحقق لهم قليلا من السلام فاغتالوه على الفور، ومنذ ذلك الوقت وهم يبحثون عن مبررات تبعدهم عن تحقيق السلام، ويضعون العراقيل تلو العراقيل في طريق تقدم الشعب الفلسطيني خطوة إلى الأمام دون أي اعتبار لحقوق الإنسان ولو كان ذلك يكلفهم المزيد من الضحايا، وما قضية شاليط إلا برهانا واضحا على سياستهم الهوجاء، وإن لم يكن شاليط فسوف يجدون عشرات الشلاليط لتنفيذ هذه السياسة، ضاربين بعرض الحائط كل آمال العالم الذي بات يحلم بأن تكف إسرائيل عن إقلاق مضاجعه..

إسرائيل أوقفت الحرب على غزة وانسحبت منها؛ لأنها لا تريد حلولا وخوفا من أن يتوحد الفلسطينيون وينتهي الانقسام تاركة شاليط خلفها لحسابات سياسية كي يبقى مسمار جحا، أو حصان طروادة الذي به يمكنها تنفيذ سياستها التي تريد... وهاهو ينجلي الأمر تماما خاصة أن حوارات المصالحة الفلسطينية في القاهرة بدأت تعطي ثمارها، لكنها اصطدمت بسياسة إسرائيل لأن أي برنامج لحكومة الوحدة الفلسطينية لن ينجح، ولن تفتح المعابر، وسيبقى الحصار وسيستمر العدوان مادام شاليط في غزة، وإن تجدد الحديث عن إعادة إتمام صفقة التبادل قبل تسلم الحكومة الإسرائيلية الجديدة؛ فستجد هذه الحكومة أو أية حكومة مبررات كثيرة لاستمرار حالة اللا حرب واللا سلم التي ظلت إسرائيل تعتمد عليها منذ قيامها وحتى الآن! وإن كان الفلسطينيون يبحثون عن أية وسيلة لتحرير أسراهم من القيد، فإسرائيل يوميا تعتقل منهم المزيد والمزيد بمبرر، وبدون مبرر.. هكذا هي إسرائيل إن نجحت باستخدام حصان طروادة في تنفيذ سياستها، لكنها نسيت أو تناست أن طروادة وإسبارطة لم تعد موجودتان، وبعدها انقرضت إمبراطوريات عظمى .. وهكذا ستزول إسرائيل طال الزمن، أم قصر لأنها تعيش أساطيرا وهمية في عصر أصبح العالم قرية صغيرة ولا يمكن لأي دولة أن تعيش معزولة عن محيطها..

عضو صالون القلم الفلسطيني

Elkarim76@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: