الأربعاء، مارس 18، 2009

ما الذي يفتقده الاقباط في مصر؟

انطوني ولسن

ما الذي يفتقده الاقباط في مصر؟!!.. عندما تقع عين القارئ على هذا العنوان، سيصاب للوهلة الاولى بشيء من الاستغراب، وستنتابه الهواجس والهلع والخوف ولا شك الكثير من الاسئلة سوف يطرحها عقله الباطن باحثا عن إجابات لها.
القارئ معذور سواء كان قبطيا مسيحيا أو غير ذلك. لان الاقباط في مصر يعيشون مثل غيرهم من المصريين يلحقون ابناءهم بالمدارس من الحضانة الى الجامعة وكلها مؤسسات تعليمية حكومية، يمتلكون الارض والبيت والسيارة مثلهم مثل الآخرين، يعملون في جميع نواحي الحياة العملية اصحاب المؤهلات او الحرفيين ولا فارق بينهم وبين بقية ابناء مصر، لا تجد بينهم «شحاذ» يمد يده كما يفعل غيرهم من ابناء مصر.
يعتلون أعلى المناصب ومنهم وزراء ومدراء واساتذة جامعات ورجال أعمال، بل من بينهم «الاقباط» من هم من اغنى اغنياء العالم وليس مصر فقط.
واذا كتبنا عن وجود جامعة حكومية يصرف عليها من جميع دافعي الضرائب من المصريين ويحرم من الالتحاق بها اولاد الاقباط بحجة انها جامعة تتبع جامعة الازهر.. اي اسلامية تدرس الى جوار الطب والهندسة وخلافه العلوم الدينية الاسلامية، اذا كتبنا عن ذلك يقولون لنا وما الغريب في ذلك الدولة إسلامية ويجب تخريج شباب جامعي ملم بعلوم دينه، وانتم لديكم كليات اللاهوت لتدريس علم اللاهوت للراغبين من ابناء الأقباط.. ونؤكد انها تدرس اللاهوت ولا شيء غير ذلك. اي يلتحق بها كل خريج اي جامعة حكومية أو خاصة بعد حصوله على اجازته الجامعية لما درسه وتخصص فيه ان كانت دراسات علمية أو أدبية.
وقد يخطر على بال القارئ موضوع بناء وترميم الكنائس لماذا لم اتطرق إليه الآن.. اقول لك عزيزي القارئ مهلا عليّ مهلا، لأن هذا الموضوع جد شائك لانه ظاهر للعيان. يستطيع كل مصري ان يلمس بنفسه هذه الظاهرة التي ازدادت تطرفا ضد بناء الكنائس وترميمها.
جميع اعمال التطرف والاضطهاد التي تتم ضد الاقباط مبطنة.. أي يشعر بها القبطي في تعامله المباشر سواء مع الادارات الحكومية.. تعليمية او غير تلعيمية او غير حكومية بما في ذلك الاعلام بجميع فروعه المقروء والمرئ والمسموع.
على سبيل المثال يجري حاليا هذا اللغط حول التبرع باعضاء الانسان هل محرم أم غير محرم؟!.
مع تتبعي للموضوع عبر القنوات التلفزيونية المصرية الحكومية او غير مصرية، لم اجد مسيحيا واحدا مشتركا في الرأي، لا علماني ولا كهنوتي، وكأن المسيحي القبطي المصري هذا الأمر لا يخصه ولن يقبل المريض المسلم قبول اي من اعضاء جسد المسيحي المتوفي والمتبرع به رسميا قبل وفاته، حتى ولو كانت حياته متوقفة على ذلك. فهل هناك ابشع وافظع من هذا التعصب الأعمى الذي يسيطر على عقول الناس.
اسأل هنا بمناسبة، الحديث عن احتياج الانسان لاعضاء إنسان آخر توفاه الله لتستمر الحياة للانسان المريض.. مع تقدم العلم والملاحظ ان عمر الانسان قد طال عن ذي قبل..وقد اتجه العلماء ونجحوا في استخدام اعضاء بعض الحيوانات وخاصة الخنزير واهم ما في اعضاء جسم الجنزير القلب القريب جدا من قلب الانسان.
وسؤالي هنا ماذا لو احتاج احد كبار المتشددين من المسلمين في مصر او حتى في المملكة العربية السعودية الى قلب وحدث عدم وجود قلوب تبرع بها المسلمون ماذا سيكون الموقف؟!! هل سيقبل قلب الخنزير.. ام يفضل الموت؟!
اعتقد انه سيقبل قلب الخنزير او قلب الحزتيت او اي قلب ليعيش على شرط ان لا يعرف احد بذلك.
وهذا يذكرني بحدوثة كان الناس يتداولونها في مصر. الحدوتة تقول أن احد المشايخ كان يتحدث الى الناس عن نجاسة الكلب وكيف اذا تبول (الكلب) على حائط يجب أن يهدم الحائط.
وكان بين الحضور مفكرا لم يقبل الكلام هكذا، فانبرى وسأل الشيخ.. وماذا لو كان الحائط الذي تبول عليه الكلب حائط منزلكم؟!.. أجاب الشيخ قائلا قليل من الماء يطهره..
هكذا نعيش وهكذا كنا.. وهكذا اصبحنا.. وهكذا سنكون.. لماذا؟!! لا أعرف!!..
لقد تم تغييب العقل سواء بفعل فاعل أو بإرادتنا حتى نضمن الآخرة التي هي خير وأبقى..
وأعود الى سؤالي الذي وضعته عنوانا لمقالي.. ما الذي يفتقده الاقباط في مصر؟!! وأضيف إليه وفي خارج مصر..
1- التقوقع لاقباط مصر: التقوقع كلمة غير محببة وخاصة عندما نتهم بها الأقباط.. لأنهم أصحاب حضارة وثقافة ولهم فضل كبير في انتشار العلم والمعرفة للعالم قديمة وحديثة ومعاصرة.
لكن فليعذرني القارئ عندما ابدأ حديثي عن ما الذي يفتقده الاقباط في مصر بكلمة التقوقع.. لانني وبكل صراحة هذا ما أشعر به وأنا هنا في سدني.. لانني ايضا اشعر بهذا التقوقع بين الاقباط في استراليا وقد يشعر غيري في اماكن اخرى من العالم بنفس الشعور.
التقوقع او الابتعاد عن المشاكل قد يكون محمودا في زمن معين او لفترة محدودة تطبيقا للحكمة التي تقول «قد تقتاديك الشجاعة أن تجبن ساعة». لكن الساعة سارت ساعات وأيام وأشهر وسنون وعقود.
حقيقة ان هناك طفرة غير معهودة بدأت تخرج الى العلن وبكل شجاعة. لكن اعتقد ان القوقعة لها جذور دفينة في وجدان القبطي المسالم الذي يريد العيش دون شغب او مشاكل مضحيا بحريته وحقوقه المسلوبة ليأمن لنفسه ولبيته السلامة والأمان.
لكن يجب التوعية.. التوعية بأهمية الخروج خارج القوقعة ومعرفة ما يدور حوله من احداث.
2- عدم المشاركة: وهذه في الحقيقة آفة الآفات. لانني ان ظللت مشاهدا غير مشارك فقط.. فأنا نصف حي ونصف ميت.
لان المشاركة هي الحياة.
لماذا لا يشارك الاقباط في مصر مع كل نقابة، يخرج اعضاؤها بمظاهرات تنظيمية للمطالبة بحقوقهم؟!!.. ألا يوجد قبطي في نقابة المحامين او الاطباء او الصيادلة.. أو الخ!!.. بلا شك يوجد أكثر من واحد.. فلماذا لا يشاركون؟!!
اتمنى ان لا يكون ذلك لاسباب دينية!!.. وأتمنى أكثر وأكثر ان يتحرك الاقباط في مصر ليس فقط بالمشاركة بل بالعمل في كل مجالات الحياة العملية والادبية الثقافية والرياضية والفن بما فيه المسرح والسينما والتلفزيون بل والاغاني ايضا.. عيشوا الحياة.. شاركوا في كل شيء.. انضموا الى الاحزاب السياسية كجماعات واشخاص.. بانضمامكم للاحزاب السياسية ستخلقون حزبا او أكثر قويا يمكنه ان يكون حزبا معارضا بكل ما تعنيه هذه الكلمة.. انتم يا أقباط مصر رمانة الامان والميزان في مصر. عدم مشاركتكم للحياة في مصر قلب الميزان وابعد الأمان ليس فقط عنكم.. ولكن لكل المصريين.
الانتخابات البرلمانية ولرئاسة الدولة، العالم القادم فهل ستتحركون وتشتركون وتكونون فاعلين متفاعلين في كل ما يهم الوطن مصر؟!!

اتركو الحساسية التي ملأت قلوبكم وعقولكم وتحملوا حتى تثبت اقدامكم على ارض الواقع..على ارض الحياة.. على ارض مصر.. لانكم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني.. وجزء يشهد له التاريخ والعالم من قبل والآن.
السماء لكل مؤمن.. والوطن لكل مواطن يعمل ويشارك في كل مناحي الحياة..
اعلم جيدا ان مصر الآن بين السندانة والمطرقة.. سندانة الاخوان ومطرقة الوهابية.
لان هذا العصر الذي تعيشه مصر، يعد العصر الذهبي للاخوان منذ تكوين الجماعة عام 1957 حتى الآن وعلى الرغم من انها جماعة محظورة.
فهل ما زال شبح اغتيال الرئيس السادات بايديهم يخيم على مجريات الامور في مصر حكومة وشعبا؟!..
وهل الريال السعودي قد أصبح في مصر الأله الذي يُعبد حتى سمحوا بالتفريط في شرف وعرض بناتهم من أجله وجعلوا المذهب الوهابي يسيطر ويؤثر في عقول وافئدة المصريين؟!!
وماذا ستفعل مصر حيال المد الفارسي القادم اليها لامحالة؟!!..
ثانيا: اقباط المهجر
أعيب على أقباط المهجر انهم ايضا متقوقعون؟ غير مشاركين فيما يدور حولهم، ملتهون بأنفسهم ، لا يريدون المعرفة، يتعبدون ظاهريا وباطنهم لا يعرفون ماذا هم عاملون او راغبون في عمله.. هل حقا قلبا وعقلا يحبون مصر؟ وماذا عن المهجر هل ايضا حقا قلبا وعقلا يحبون هذه البلاد؟.
يحاولون في مصر ألصاق التهم بكم. يتهمون اقباط المهجر بانهم خونة. يقولون عنهم انهم مشعلي نار الفتنة الطائفية. يعملون على استقطاب البعض منكم ليكونوا عيون المخابرات المصرية في بلاد المهجر. سقط بعض ضعيفي النفوس في الفخ ظنا منهم انهم يفعلون هذا من أجل مصر ولحبهم العظيم لمصر. من يحب مصر يحب كل المصريين ويدافع عن اي مظلوم في مصر، والواقع والحقيقة اقباط مصر المسيحيين اكثر الناس تعرضا للظلم والاضطهاد وضائعة حقوقهم. ومع ذلك اقباط المهجر لم يفيقوا من تجارب الحياة. لم يتعلموا ان القضية القبطية هي قضية عادلة.. وكل قضية على المدافعين عنها ان يعدوا الحيثيات التي يتقدمون بها لمحكمة الضمير.. الضمير المصري اولا، ثم الضمير العالمي بعد ذلك.
ما يقوم به البعض من اقباط المهجر عظيم جدا لكن غير كاف. كم اتمنى على اقباط المهجر القيام بترجمة كل ما يحدث لاقباط مصر بلغات البلاد التي يعيشون على ارضها حتى لا يعيش اولادهم بعيدين عن حقيقة الأمر لربما لعدم معرفتهم للغة العربية. والترجمة مهمة لغير الابناء ايضا حتى يقتنع اي متشكك في عدالة مطالبهم ان يقتنع ويؤمن بان اقباط المهجر هم جزء لا يتجزأ من النسيج المصري المنظومة الكاملة المتكاملة.
أتمنى.. وما أكثر تمنياتي.. على اقباط المهجر ان كانوا حقيقة مقتنعين بعدالة مطالبهم ان يتحدوا ويعملوا من اجل تحقيق حلم كل مصري محب لمصر.. خاطبوا الناس.. اعقدوا ندوات توضيحية ليعلم من لا يعلم بانكم اصحاب حق ضائع.. حق مسلوب.
اجعلوا بينكم وبين كل حر في مصر قناة تواصل دائم ومستمر.. ولا تنسوا اهمية الاعلام.. فهو الصوت الصارخ بالحق أو بالباطل كما يستخدمه البعض.
انهضوا يا أقباط مصر داخل مصر وخارجها.. اخرجوا من اكفانكم اذا كنت حقا تؤمنون بان لكم حقا ضائعا.
وهذا جزء من الذي يفتقده الاقباط في مصر وفي بلاد المهجر.. واصرخ واقول:
ولحد امتى نخاف ونقول يا حيطة دارينا
مع الاعتذار لمسلسل «بنت من الزمن ده».

ليست هناك تعليقات: