الأربعاء، مارس 11، 2009

ما هو سرُّ معانقَةِ الشوكِ للورد؟

سعيد علم الدين
الجواب على هذا السؤال يطرح علينا السؤال الجوهري الذي طرحه في بداية القرن الماضي الأمير والمفكر اللبناني شكيب أرسلان، وهو: لماذا تقدم الغرب والآخرون وتأخرنا؟
ومن خلاله نستطيع طرح مجموعة الأسئلة المتشابكة والمتشابهة التالية:
ولماذا توحدت جارتنا أوروبا وتشرذمنا، وفي المآسي والحروب الأهلية والصراعات والانقسامات غطسنا وفطسنا؟
يجيب أحدهم صارخا: سايكس بيكو هو السبب. أقول هذا تبرير لا يستقيم. لأنه لو كان حقا سايكس بيكو السبب، لتوحدنا بعد أن حصلنا على استقلالاتنا. ولنمت فكرة الجمهورية العربية المتحدة الحلم لتضم على الأقل نصف العالم العربي، بدل أن تنقسم بعد ثلاث سنوات متحررةً من كابوس الوحدة الشكلية.
ولماذا نتمسك نحن حتى الموت بالقشور والسخافات والخرافات والحضارة الغربية تكاد تبلعنا بل وقد انتهى الأمر وبلعتنا، وكل ما نقوم به إنما هو محاولة تقليد فاشلة في معظم الميادين ولحاق ولهاث وراء ما يبدعه الغرب والصين واليابان وكوريا للبشرية من إنجازات حضارية وعلمية فذة؟
ولا بد هنا من طرح السؤال المحوري:
لماذا ربحت اسرائيل كل حروبها ونحن خسرنا؟
ويهب احدهم صارخا وماذا عن الانتصار الإلهي التموزي في لبنان وانتصار غزة التاريخي في حرب حماس ضد القوة الاسرائيلية المتفوقة.
من يعتقد انه انتصر في حرب تموز في لبنان وفي حرب غزة في فلسطين فأقول له: قبل ان تقول انتصرنا، قل ماذا ربحنا؟
فالنصر إذا لم يكن ربحا فهو خسارة.
اما اسرائيل فقد ربحت الكثير استراتيجيا من هذين الحربين.
ففي لبنان استطاعت فرض الهدوء على جبهتها الشمالية، حيث سيطر الجيش اللبناني مع اليونفيل في الجنوب ولم يعد حزب الله يتعنتر كالسابق على اسرائيل بصواريخه وعملياته العسكرية، سوى حاليا بالخطب العرمرمية والتصريحات، ولم يعد يجرؤ على اطلاق رصاصة او صاروخ على اسرائيل ولن يجرؤ. والدليل على ذلك انه منذ نهاية الحرب عام 2006 وحزب الله يعلن براءته من كل ما يحدث من ضرب صواريخ مذعورة على اسرائيل حيث تسقط احيانا داخل لبنان.
اما في غزة فها هي "حماس" تعود الى الحظيرة العربية المصرية وتتصالح مع فتح وستنصاع بالتالي للشرعية الفلسطينية بعد تمردها عليها وللشرعية العربية والدولية، والا فلن تفتح المعابر وستنعزل غزة ولا يمكن ان تتحقق فكرة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة الديمقراطية الموحدة.
وسنحاول هنا الإجابة على سؤال الأمير شكيب الجوهري:
لماذا تقدم الغرب أو الآخرون وتأخرنا؟
إن الغرب لم يستطع التقدم والتطور والانطلاق حضارة وعلماً إلا بعد أن اقتنع قادته الروحيون والسياسيون بحق الفلاسفة والمثقفين والشعراء والمفكرين، وبعد تضحيات جمة من قبل هؤلاء، بنقد التراث والمسلمات والثوابت والدين والمقدسات وكل ما يمكن انتقاده بحرية ودون ملاحقة ومحاكمة وتصفية وحذف وحرق وإعدام.
نذكر هنا على سبيل المثال بعض الأسماء لفلاسفة عمالقة كان لهم الدور الرائد في التقدم الأوروبي الغربي وبالتالي الإنساني: كنيوتن الإنكليزي، وبيركلي الاسكتلندي، وغاليليو الإيطالي، وسبينوزا اليهودي الهولندي، ومارتن لوثر الألماني، وفولتير الفرنسي، وكانط وغوته وهيغل ونيتشه وروسو وجون لوك وديكارت وغيرهم العديد من مصابيح التنوير في اوروبا.
فهل لو سمح الزعيم الكبير جمال عبد الناصر لمثقفيه ومفكريه بحرية النقد لكان خسر حرب حزيران ومعها سيناء خلال ساعات؟
وهل زجه للمثقفين والمفكرين في السجون واضطهاده للفكر الآخر جلب له النصر على اسرائيل؟
ان قمع الناقد المثقف العربي وعدم السماح له بكشف الخلل وتنوير الطريق هو الذي ادى الى انهيار الجبهة المصرية بهذه السرعة والسورية والاردنية ايضا في حرب حزيران.
وهل لو سمح صدام حسين لمثقفيه ومفكريه بحرية النقد لكان وصل الى حبل المشنقة واوصل العراق الى هذه المصيبة الكارثية؟
والى اين سيصل بشار الاسد في اضطهاده وسجنه وقمعه لمثقفيه ومفكريه؟ بالطبع الى الهاوية التي تليق بأمثاله من الطغاة.
لنا أمل بأن حرية النقد الموجودة والمتأصلة والمتجذرة في لبنان ستنقذ هذا البلد من ارهاب أذناب أنظمة القمع والفساد والشمولية والدكتاتورية.
ومن هنا يأتي رعب بشار الاسد الحقيقي من نجاح التجربة الديمقراطية في لبنان وفي العراق ويحاول تخريبها بشتى الوسائل.
عندما تقتنع القيادات العربية الروحية والسياسية بحق النقد للمفكر والفيلسوف عندها نكون قد خطونا الخطوة الأولى على الطريق الصحيح في الخروج من حالة التخبط والهوان التي يمر بها العالم العربي حاليا.
إن النقد هو حق الفرد أو الجماعة على الدولة والمجتمع على السياسة والدين، وليس منة من حاكم أو عطية من أحد. ومواجهته من قبل حكامنا ومشايخنا بالسجن واتهامات التخوين والعمالة والكفر والالحاد هو خدمة مجانية لإسرائيل.
متى سنكتشف أن النقد بحد ذاته هو قوة للمجتمع وقدرة خلاقة شعورية متأججة إبداعية عند المنتقِد تفرض عليه التعبير بطريقة ما:
إما بأغنية أو مسرحية، بلوحة أو منحوتة، بقصيدة أو فكرة، بقصة أو خاطرة، بحكاية أو أسطورة، بمقالة في صحيفة أو بمقابلة في فضائية، بخطاب، بكتاب، بخطبة أو حديث، أي عدم السكوت عما يراه من أخطاء. فالناقد هو مصلح بالدرجة الأولى!
والساكت عن قول كلمة الحق شيطان اخرس!
وكيف سيسكت الحر ومن تشبعت روحه المبدعة بقيم أخلاقية ومثاليات عليا، صار الدفاع عنها هو الدفاع عن ذاته الإنسانية المعانية توجعا، وهو يرى هذه القيم فريسة سهلة تمزقها الأكاذيب ببراثنها وتنهشها الأضاليل بأنيابها؟
وعدم السكوت عن قول الحق فيه خطورة كبيرة على ان تتحول الواحة الغناء الى صحراء قاحلة.
وقول كلمة الحق دون خوف هو الذي جعل اوروبا والغرب واحة للملاين من المهاجرين الذين تركوا العالم العربي وربما لغير رجعة.
والمثل العربي الشهير " لسانك حصانك إن صنته صانك" يدعو بكل أسف الى لجم الناقد، ويدل على ان حق التعبير عما يجول في القلب والضمير كان ثمنه قديما في الثقافة العربية غال جدا وما زال حتى اليوم، وفي أكثر الأحيان دفع صاحبه ثمنه من راحته:
ملاحقة وسجنا وعقابا، ومن حياته: إعداما أو قتلا أو اغتيالا. والتسامح في هذا الأمر من قبل الخليفة أو الملك أو الحاكم، إذا حدث كان عبارة عن منة أو عطية. والأمثلة كثيرة عبر التاريخ. فالفيلسوف اليوناني سقراط خيروه بين السكوت عن انتقاداته أو شرب السم ففضل شرب السم. وصار أمثولة في التاريخ الإنساني يثبت للأجيال المتعاقبة عبر العصور أن النقد حق يجب أن ينتزعه الفرد من الدولة والمجتمع حتى ولو قدم الروح في سبيل ذلك.
فتقديم الروح هنا في سبيل قضية مشروعة ومبدأ حق لن يذهب هدرا. هو انتصار لقضية يشرعها ويخلدها الناقد بدمائه.
وكلُّ الدول الحديثة المستقرة المزدهرة الشبعانة الديمقراطية المتطورةِ المتأَلقةِ المعطاء القادرةِ على حل مشاكلِها والانطلاقِ بِمجتمعِها حثيثاً إلى الأَمام. وليسَ الرجوع إلى الوراء. مبنيةٌ على حق النقد.
هذا الحقُ هو حبٌ لعمل الخير الشديد لصالح المجتمع.
حب من نوع آخر. احينا حتى الموت عندما يتعرض المفكر بسبب انتقاداته للحاكم أو الدين في أنظمة الاستبداد الدموية الى العقاب بالسجن أو الموت.
النقد هو التسامي والارتفاعُ إلى أعلى درجاتِ الحب ، هو الملحُ في الطعام. ومن لا يقتنع بهذا الكلام ، فالتَّجربةُ أكبر برهان. وليجرب مرةً واحدةً الأَكل بدون ملح.
وكما أَن الأَكلَ هو عمادُ الحياةِ الأَساسيِّ الْمُسِر، ايضا فإن النقدَ الحر هو عمادُ النظامِ السياسيِّ المستقر.
وليس من مصلحَةِ الحكمِ ، أن يشتريَ المعارضةَ ، يقضي عليها ، يَمنعَها من التعبيرِ، ويقولَ لها إلى الوراء أو إلى الأَمام سر، وإلا فإنه يصبحُ عندها حكمُ أَصنامٍ ودمىً ونصبح في دولةِ أَشباحٍ ومخابرات وظلام، شعارُها ومهما برَّرَت ونَظَّرَت في الأَمر: "اركب على الشعب وجُر". والمنتقدُ الجريءُ الأَغر هو كاشفٌ عارفٌ للأُمور مُحب. والمُحبْ يغار. ومن يغارْ ينتقد.
والغيرةُ هي فلفلُ الحبِّ وبهاراتهِ، وفقط الحمار لا يغار وعليهِ يركبُ الكبارُ والصغار .
ألا يجب ان نغار من اسرائيل التي تسمح بحق النقد؟
ومن دون المعارضةِ الحرةِ وحقِ النقد، فلا يمكن أَن نَبنيَ أوطانَ المستَقبل والغد، ولا يمكنُ أَن نخرجَ من الورطة العربية الخانِقَةِ على كلِّ الصُّعُد. والحاكم وكل من يخشَ النقدَ وحقَ النقد فأيامُ حكمِهِ، ومهما طالَ الأَمد على الأَصابعِ تُعد.
ومن يريد أن يفهمَ بعمق حق النقد ، فعليه أن يفكرَ ملياً ، بسرِ معانقَةِ الشوكِ للورد.

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

أمعة

غير معرف يقول...

لا تحكي عن الورد يا شوك
انت مفكر انو الحرية ما بتكون الا بسب السياسيين لبعض على شاشات التلفزيون ومفكر ما بتكون الا بالدعارة والفسق ومفكر ما بتصير الا بكتابة المقالات مقابل المال ... هل هذه هي ديمقراطيتك
تفووووووووووو عليك وعلى الصبي سعدو ابن الزانية وعلى السنيورة ابو حنك اعوج وعلى الخنزير جعجع وعلى الكلب ابن العاهرة جنبلاط وعلى كل 14 شباط

بتمنى ما تمسحو هالتعليق بناء على ديمقراطية الكاتب البغل

غير معرف يقول...

لماذا ربحت اسرائيل كل حروبها ونحن خسرنا؟
That explains everything about you