الخميس، مارس 26، 2009

الديمقراطية والحرية.. والدول العربية

انطوني ولسن

دعوني ابدأ التعريف بالديمقراطية ثم بالحرية بعد ذلك.
الديمقراطية هي نظام حكم الحاكم فيه منتخب من الشعب مباشرة واهم اعماله خدمة مواطنيه طوال الفترة المتفق عليها حسب دستور البلاد الديمقراطية وعدد المرات التي يمكنه (الحاكم) ان يتقدم بها لترشيح نفسه حسب ما ينص عليه دستور البلاد.
اذا كانت البلاد تتبع النظام الجمهوري، الحاكم يختار نائبه ليحل محله سواء في وجوده خارج البلاد او وفاته.. وله الحق ايضا في تشكيل الوزارة التي ستساعده في ادارة البلاد ومراعاة الصالح للمواطنين.
وبعض الأنظمة الجمهورية بعد اختيار رئيس الجمهورية تبدأ انتخابات الوزارة ويتم التصديق عليها من رئيس الجمهورية بعد اختيار رئيس الوزراء الذي يكلف باختيار معاونيه.
ومهما اختلفت اشكال انظمة الحكم يظل الحكم الجمهوري يتم عبر التصويت الشعبي للمرشحين من الاحزاب السياسية صاحبة الاهلية في الترشيح. اما النظام الملكي فقد اصبح منذ زمن طويل الملك او الملكة كما يقال عنهما.. يملك ولا يحكم.. وطبيعي تولي المنصب يكون وراثيا، ويدير البلاد رئيس وزراء منتخب ديمقراطيا وتنطبق عليه شروط اختيار رئيس الجمهورية.
وهذه نظرة سريعة عن الديمقراطية نلخصها نظام حكم يرتكز على حرية اختيار من يدير شؤون البلاد طبقا لدساتير وقوانين شرعتها البرلمانات ولا شيء آخر.
اما الحرية فهي سلوك فردي، اجتماعي، ثقافي وحضاري.
أي ان الحرية يمارسها الفرد بالطريقة التي ارتضتها الجماعة اتي تشكل المجتمع لتبرز الناحية الثقافية لهذا الفرد الذي هو جزء من المجتمع ومدى ما وصل إليه من رقي حضاري.
واهم ما يقنن الحرية انها تنتهي عند اول سلم حرية الآخر فلا تفرض نفسها عليه ولا تلزمه بان يخضع لها، لان له مطلق الحرية في اختيار ما يريد ان يتخذه من اسلوب حياة ينتهي عند اول سلم حرية الاخر إن كان فردا او جماعة.
قدس الله الحرية منذ البدء. لقد اعطي لآدم وحواء كامل الحرية في عدم اكل ثمار شجرة المعرفة. ولو لم يكن ما اعطاه الله لهما في هذا الشأن هو الحرية ما كان قنن لها الجزاء الذي يقع عليهما ان اكلا من ثمار شجرة المعرفة بتحذيره لهما اذا اكلا منها موتا يموتان.
وهذا اول دليل على قدسية الحرية ان ترك الأمر لآدم وحواء ليفعلا ما يريدان.. وبكامل حرية حواء بعد ان اغرتها الحية اكلت.. وفعل آدم نفس الشيء بعد ان قدمت له حواء الثمرة.
وهذا اول درس اعطاه الله للانسان الحرية الملتزمة. اي الحرية التي لا تؤدي الى الفوضى.
ونرى ايضا الله المعلم الاكبر بكامل حريته المقدسة تجلى وظهر لابراهيم في شكل انسان ومعه ملاكان وبشره بابن من زوجته ساره العاقر التي لم تصدق البشرى في قلبها. فأنبها الله الفاحص القلوب والكلي.
وتجلى ايضا لموسى في العلية «الشجرة المشتعلة ولكنها لا تحترق» وتكلم الىموسى واستمع اليه. فعل الله العلي القدير هذا ايضا بكامل حريته المقدسة.
واعظم تجلي هو ظهوره البشري في شخص المسيح على الارض ليرفع عن نسل آدم الذي أحبه اجر خطية الاختيار الذي وقع فيه وحواء بكامل حريتهما.
اذن الحرية شيء مقدس ونفيس ويجب ان يتعامل بها البشر دون الحاق الضرر بانفسهم كما فعل آدم وحواء.. بل على البشر احترام الحرية التي في احترامها احترام للذات.. للنفس.. للانسان.
وكأي شيء في الحياة لا كمال للبشر، لان الكمال لله وحده.
لذا عند التطبيق العملي للحرية نجد من يسىء استخدامها. ومن يسىء الى نفسه باسم الحرية.
وأعيد القول ان الحرية الغير ملتزمة تؤدي الى فوضى، وهذا ما يحدث مع من يتشدقون باسم الحرية ويقولون عن انفسهم انهم احرار.
وجد الغرب في الديمقراطية طريق خلاص لشعوبه فاتخذتها الدول الغربية نظاما لها يقيها من شرور ديكتاتورية الحاكم الأوحد الكاتم على انفاسهم غير العادل والذي يسخر الشعب لارضاء نزواته وتحقيق اطماعه وتوريث شروره لاحد ابناء عائلته. وقد الغت الديمقراطية كل هذا القلق لانها اعطت الشعب القوة في اختيار افضل المرشحين لادارة شؤونهم. واذا حدث عدم وجود مرشح واحد من بين المرشحين يصلح، فان الشعب عليه اختيار اقل المرشحين ضررا ولا ينتخبونه لفترة اخرى ويعمل البرلمان على الحفاظ على حقوق المواطنين ان حاول الحاكم المساس بها.
واذا جئنا بالحديث عن الدول العربية والديمقراطية والحرية،وجب علينا ان لا نظلم شعوب هذه الدول لانها لا يمكنها التكيف مع الديمقراطية او الحرية، لان هناك مقدسات موروثة سواء دينية او اجتماعية او ثقافية يمكنها التعايش مع الديمقراطية او الحرية، لانها الدول العربية ما زالت تعيش النظام القبلي الذي يعطي رئيس القبيلة كل الصلاحيات لادارة شؤونهم، ولا يمكن معارضته ومناقشته في امر من الامور التي تهم القبيلة، ويستغل رئيس القبيلة الدين لتحقيق اغراضه عبر رجال الدين الذين هم في واقع الامر الوسيط بين الله موحي بالدين الى رسله، الذين بدورهم اخذوا السلطة والتفويض في اصدار الفتاوي والاستشهاد بها حتى لا يناقش احد ما يريد قوله او تنفيذه رئيس القبيلة. فاصبح لرجل الدين اهمية لدى رئيس القبيلة فكان له الحكم الفيصل الذي يستعين به الحاكم، رئيس القبيلة، ولم يكن هذا الشكل من الحكم فقط عند العرب، بل كان سائدا بين شعوب العالم كله مهما اختلفت دياناتهم او معتقداتهم الدينية سواء سماوية او غير سماوية.
ومع التطور الزمني الطبيعي انتقل رئيس القبيلة من الخيمة الى قصر كبير وازداد عدد الخدم والتابعين وتغير لقب شيخ القبيلة او رئيسها الى لقب ملك او سلطان او امام.. او امير البلاد، بل مع لقب رئيس الجمهورية لم يتغير شيء بالمرة في ادارة شؤون البلاد العربية.
الحاكم العربي بغض النظر عن لقبه.. في داخله بعدما يتولى الحكم شيخ القبيلة او رئيس القبيلة، فهو رب العائلة الكبيرة، وهو من بيده الأمر والنهي والسماح والعفو وكل ما كان يتمتع به شيخ القبيلة الصغيرة من سلطات لا يعارضه فيها احد. وقد استعان من انتقل الى القصر الكبير برجل الدين واستخدمه واستغله كما فعل ساكن الخيمة من قبل. بل اننا نرى احد زعماء العرب تصحبه خيمته حيثما اتجه او تواجد على أي ارض بلد غير بلده. واعتبره حقيقة اصدقهم جميعا سواء في خيمته او لباسه ويقول للعالم انه لم يتغير لا من الداخل ولا من الخارج.. هو شيخ القبيلة ورئيسها يحمل الآن لقب الزعيم مع رتبته العسكرية.
ولم يتغير ايضا مع التطور لحكام العرب من سكني الخيمة الى سكني القصور فكر التوريث مهما تطورت القاب الحكام ان كان ملكا او سلطانا او اماما او اميرا او حتى رئيسا للجمهورية ينتخب ظاهريا من الشعب ولكنه يشدد ويعمل، بل وقد لا تشغله هموم مواطنيه قدر انشغاله بتوريث حكم لولده.
والشعوب العربية لم يغير التطوير منها شيئا.. سكنوا البيوت والشقق وبعضهم القصور، ولكنهم ما زالت البداوة في عقولهم ووجدانهم. وما زال رجل الدين الوسيط بين الله في علاه والحاكم في قصره هو الذي له سامعون. وما زالوا اذا احبوا يحبون حتى الموت واذا كرهوا يكرهون حتى الموت، ولا اعتراض او معارضة حتى لو تظاهرت بعض من الدول العربية بالسماح بوجود احزاب معارضة. ولم نر حزبا معارضا واحدا في اي دولة عربية كان او نأمل ان يكون له تأثير ايجابي على مجريات الامور في بلادهم.
شيئان يجب ان يبتعدا عن نظام الحكم في الدول العربية.. الدين.. والجيش، على الرغم من ان كليهما له قوة وأهمية.
الدين مهم جدا للحفاظ على الصلة بين الانسان وخالقه.
وهنا تكمن قوة الدين الذي له قوة الايمان، وقوة الايمان تكمن في بناء الانسان المؤمن الشريف الذي لا ينساق وراء احد حتى رجل الدين دون روية ومعرفة حقيقة الله المحب الغفور السامح بوجود الغير، حتى لو كان هذا الغير هو ابليس نفسه، ليختار الانسان بكامل حريته الطريق الذي يؤمن انه هو المؤدي الى اللقاء مع الله الذي يسبقه عمل مشيئة الله من حب الخير والغير حتى لو اختلف معهم في اختيار الطريق.
اما الجيش قهو قوة.. قوة مهمتها تكمن في الحفاظ على الوطن والدفاع عنه، لان الجيش القوي هو الدرع الحامي للوطن ولكل مواطن يعيش على ارض الوطن مهما كان وضعه الاجتماعي او ايمانه الديني، او لو كان حتى ملحدا، لان هذا المواطن ربما لم يكن له حرية اختيار وضعه الاجتماعي لكنه يتمتع بحرية اختياره الطريق الذي يوصله بالخالق.
اما اذا تدخل الدين والجيش في السياسة والحكم.. هنا يدق ناقوس الخطر.
الدين ستحتويه السياسة.. واذا احتوت السياسة الدين فان مغرياتها ستعطي رجل الدين القوة والمال. ويستغل رجل السياسة الدين ورجل الدين لتقوية نفوذه ويتحول الى ديكتاور حتى لو لبس ثياب الحمل.
ونختم القول بانه مع شديد الأسف الديمقراطية والحرية لا مكان لهما في الدول العربية..ومن يتشدق بهما فهو كاذب.
لأن ارض الواقع ستفضحه وتكذبه.
وارض الواقع تقول ان البداوة ما زالت مسيطرة ومهيمنة على عقول وافئدة الشعوب العربية وحكامهم.
حتى الدول التي لم تكن يوما دولة بدوية مثل مصر.

ليست هناك تعليقات: