الأربعاء، يونيو 27، 2007

أمن الناصرة يخرج شيء صالح؟ .... تعال و انظر


رشا أرنست

بدأ يوحنا البشير إنجيله بالإشارة إلى يسوع المسيح الكلمة المتجسدة، حيث بدأ الفصل الأول "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" وقبل أن ينهي إصحاحه الأول أشار إلى الناصرة، من حيث آتي يسوع المسيح المخلص. فكان هو الراعي الصالح الذي خرج من الناصرة منذ أكثر من ألفي عام. فهل لازالت الناصرة تخرج صالحين على مثال يسوع؟ الأخبار والإعلام بكل الوسائل والطرق لا يخبران إلا بالعكس. فماذا يعني هذا؟
منذ أيام قليلة قرأنا خبر صغير عن إحراق و نهب كنيسة اللاتين ودير راهبات الوردية بغزة من قبل مجموعة همجية. ولسبب غير معلوم كان هناك تعتيم على الخبر من وسائل الإعلام العربية، على الرغم أن وسائل إعلامنا تقوم مشكورة بنشر كل كبيرة وصغيرة وبشكل ضخم للغاية. ولكني أشكر الله على هذه الغفلة من وسائل الإعلام. فربما هذا للصالح أكثر.
سواء كانت غزة أو الناصرة أو الجليل فجميعهم وطن واحد، فالجزء الذي يتألم يكون السبب بألم الجسد كله. هناك أمور كثيرة تتعلق بالإيمان وهناك أمور كثيرة أيضاً تتعلق بالمحبة. وواقع الإيمان لكل الأديان السماوية يقول أن الله واحد للجميع. وواقع المحبة يقول أن كل أبناء الوطن الواحد هم إخوة على ارض واحدة. فإذا كانت فلسطين تضم بشر كثيرون يؤمنون بالله الواحد ويعيشون بأرض واحدة تحت وطأة ظروف واحدة فما الداعي أن تتهمني بالكفر أو تحرق بيتي أو تقتل ابني؟
الله الواحد لم يكن يوماً ملكاً لأحد، فهو اله الكل، يحب الكل، ويغفر للكل. فلماذا نُصرّ نحن البشر أن نجعل منه اله ظالماً، يفرق بين إنسان وآخر ويفضل بينهما؟ بسؤال نثنائيل"أمن الناصرة يخرج شيء صالح؟" وبإجابة فيلبس عليه وهو يقول "تعال وانظر" فلننظر معاً، من الناصرة خرج يسوع الناصري الذي آتى إلى البشر وجال يصنع خيراً.

وأعطى كثيرون من بعده هذا الكنز العظيم، فمن بعده جاء آلاف من البشر يصنعون خيراً بهذه البلاد. جاء كهنة ورهبان وراهبات على مدى أجيال وأجيال تحملوا كل ظروف هذه البلاد وكانوا ومازالوا قادرين على العطاء حتى لو تعرضوا لأي أذى أو اضطهاد. فهم يعيشون المحبة الحقيقية من أعماقهم مع جميع الناس من حولهم. يخدمونهم و يساعدوهم بغض النظر إن كانوا على نفس إيمانهم أو لا.

ومنهم كهنة وراهبات غزة الذين تعرضت أماكنهم للنهب و التدمير. ليسوا فقط المسيحيين هم الذين يعيشون المحبة بيومهم البسيط وإنما هناك مسلمون كثيرون أيضاً بغزة والمناطق الأخرى يعيشون بمحبة وبساطة مع الآخرين. وهؤلاء مسيحيون ومسلمون هم من يُنادون الآن بوقف القتال والتعصب الأعمى، هؤلاء هم مَن مازالوا يؤمنون بالله الواحد والمحبة الواحدة بالوطن الواحد. هؤلاء مَن يقولون لا للعنف...لا للتعصب...لا للبغض والقتل والدماء...لا للعدو الذي يتربص بنا مثل الأسد الذي يبحث عن فريسته ليل نهار.

هؤلاء الذين مازالوا صامدون بإيمانهم وثقتهم في الله الذي يرى كل شيء، الذي منحهم سلاماً مختلفاً، سلاماً غير سلام العالم"سلاماً أترك لكم، سلامي أعطيكم، لا كما يعطيه العالم أعطيكم أنا يو14:27" سلاماً قائماً بفرح لا يستطيع أحد أن ينتزعه منهم.
"تجيء ساعة يظن فيها من يقتلكم أنه يؤدي فريضة لله يو16:2" نعم تكررت هذه الساعة كثيراً على مر الزمن وها هي تتكرر من جديد بفلسطين والعراق ولبنان. ويظن كثيرون أنهم يؤدون واجباً نحو الله ويقتلون المسيحيين بكل مكان باسم الله. والغريب أنهم كثيرون، والغريب أنهم منتشرون ويزيدون. ولكن إذا كان الله معنا فمن علينا؟ اله البشر، كل البشر، عادل ومُحب، يهب القوة للضعيف، والرجاء للمؤمن، والاحتمال للمُحب. لم و لن يكن أبداً اله تجارب أو تعصب أو حرب. كثيرون يحملون الأسلحة ويتجهون مباشرة لمن يظنون أنه يستحق الموت. هل فكر هؤلاء بمقياس هذا القرار؟ قرار الإعدام على شخص لم يفعل أي شيء غير انه مختلف عنهم؟ والسؤال المطروح على هؤلاء ألم يكن بمقدرة الله أن يجعلنا كلنا بنفس الإيمان؟ ألم يكن قادراً أن يخلقنا بفكر أو شكل واحد؟
منذ بدء الخليقة والإنسان بصراع مستمر، صراع البحث عن إجابة، من وراء هذا الكون العظيم؟ وبكل مرحلة من مراحل البحث يكتشف الإنسان أن من خلق الكون لابد أن يكون أعظم من الخلق نفسه، ليس جزء منه وإنما اكبر وأعلى. وبعد بحث طال كثيراً عرف الإنسان الله، عرفه قوياً عادلاً محباً منح الإنسان ليكون أعظم الخلق بهذا الكون، ميزه بالعقل والإرادة والعاطفة والأعظم من ذلك خلقه على صورته كمثاله ومنحه الحرية. ولكن التفكير الثابت في رحلة البحث عن الخالق هو: من هو الله؟ وبالعصور المختلفة ظلت هناك صوراً كثيرة عن الله هذا الخالق المبدع. وكل عقيدة ومذهب تكلمت عن الله بوجهة نظر، وجهات نظر اختلفت ووجهات نظر اتفقت والمرجع الأساسي في كل هذا هو الكتب السماوية. ولكن الإنسان وبعقله الذي ميزه الله به عن سائر المخلوقات لم يقف عن الكتب السماوية واخذ كثيرون يفسرون بما يرضي غرورهم أو يرضي مطالبهم واحتياجاتهم ونسوا أن الخالق الذي أرسل هذه الكلمات لجميع البشر يعلم ويرى ما يفعلون بكلماته.

الثابت بكل الكتب السماوية عن الله انه واحد لكل البشر، انه المُحب والغافر. والمعلوم لدى كل الخليقة أن الله هو الذي يُجازي بالنهاية. فلماذا يصرّ البشر أن يُنحوا الله جانباً ويأخذون على عاتقهم الحساب والعقاب للآخرين؟
نُصلي من اجل كل هؤلاء أن تستيقظ ضمائرهم و يرجعوا لكلمة الله عن المحبة والتسامح بين البشر. أما المسيحيون في كل مكان وخاصة فلسطين والعراق ولبنان لابد أن يقاوموا ويتمسكوا بإيمانهم وبوطنهم لأنهم باقون مهما حدث. وكل هذا سينتهي لأن الشرّ عمره قصير مهما طال. والله قادر أن يغير كل شيء، ما نحتاجه نحن البشر فقط الثقة به والصلاة إليه لكي يرحمنا. "وستظل قلوبنا حائرة إلى أن تستقر فيك يا الله " كما قالها القديس اغسطينوس. كونوا أقوياء بيسوع المخلص، فهو الوحيد القادر أن يخلصكم من الذي انتم فيه.
من الناصرة خرج الراعي الصالح وحافظ على رعيته وسيحافظ عليها إلى أخر الدهر. ومن الناصرة ستظل تخرج أعمال صالحة ونفوس صالحة تقول نعم للحبّ...نعم للوحدة...نعم للسلام الآتي من الله.

ليست هناك تعليقات: