الأحد، يونيو 10، 2007

في الذكرى الخامسة لاعتقال المناضل عبد الرحيم ملوح



تيسير خالد
في الحادي عشر من حزيران 2002 قامت قوة كبيرة من جيش الاحتلال بمداهمة منزل المناضل عبد الرحيم ملوح. عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطيني، بهدف اعتقاله، وقد نجحت في ذلك.
لم يكن قد مضى على ما أسمته حكومة إسرائيل بعملية السور الواقي سوى شهرين حين أقدمت قوات الاحتلال على اعتقال عبد الرحيم ملوح، في رسالة واضحة للقيادة الفلسطينية، بأن أحداً من أعضائها لا يملك حصانة تحميه ليس من الاعتقال فقط بل ومن الاغتيال والتصفية الجسدية كذلك.
قبل اعتقال المناضل عبد الرحيم ملوح بشهرين فقط وفي سياق عملية السور الواقي كانت قوات الاحتلال قد اعتقلت النائب وعضو المجلس الثوري لحركة فتح المناضل مروان البرغوثي، وبعد ذلك تواصل مسلسل الاعتقالات بدءاً باعتقالي شخصياً في شباط من العام 2003 بعد ملاحقة اقتربت من العام واعتقال المناضل ابراهيم ابو حجله، وانتهاءً باعتقال عدد كبير من أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، كان من بينهم رئيس المجلس المناضل عزيز الدويك.
الهدف كان واضحاً من هذه الاعتقالات. فالاعتقال ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو الوسيلة لبلوغ هدف. هكذا هو الحال في جميع الديكتاتوريات ومع جميع الاحتلالات. تتحرك أجهزة المخابرات بحملات اعتقال ضد الشخصيات والنشطاء السياسيين من قادة القوى والأحزاب، من أجل التشويش على عمل هذه القوى والأحزاب وشل نشاطاتها ونشاط قوى المعارضة. لوائح الاتهام تكون في العادة جاهزة وتدور حول محور مركزي رئيسي هو الأمن، أمن النظام، أو أمن الاحتلال، لا فرق، وخطر يتهدد هذا الأمن. الاعتقال في عرف الديكتاتوريات وعرف سلطات الاحتلال، هو عمل دفاعي، هدفه حماية الأنظمة الديكتاتورية وتمكينها من تجديد قدرتها على مواصلة استبدادها وفي حالة الاحتلال توفير أمنه وتمكينه من مواصلة عمليات القمع والقهر والعدوان ضد القوى التي تناضل من أجل الانعتاق من هذا الاحتلال والانتقال إلى فضاء التحرر والحرية والاستقلال.
وفي الحالة الإسرائيلية، فإن الاعتقال ليس هدفاً بحد ذاته، إنه الوسيلة من أجل الوصول إلى الهدف. عملية السور الواقي، التي تتواصل فصولها منذ آذار – نيسان من العام 2002، كان هدفها واضحاً منذ البداية. فقد كانت ولا زالت حرباً عدوانية ضد الشعب الفلسطيني من أجل توفير الأمن للمشروع الاستيطاني العدواني في الضفة الغربية. ولهذا لم يكن غريباً أن تشرع حكومة إسرائيل بعد أقل من شهرين من بدء العملية ببناء جدار الفصل العنصري باعتباره أخطر مراحل المشروع العدواني التوسعي في الضفة الغربية. في ظل إعادة احتلال المدن والقرى والمخيمات، وفي ظل عمليات الحصار والإغلاق وأوامر منع التجول في هذه المدن والقرى والمخيمات، باشرت حكومة إسرائيل مشروعها لرسم معالم التسوية النهائية مع الجانب الفلسطيني، وأطلقت في الوقت نفسه لقواتها وأجهزة مخابراتها العنان للتوسع في عمليات الاعتقال لتطال القيادات السياسية بما فيها قيادات الصف الأول من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطيني، وفي فرض الحصار على هذه القيادات لتطال رئيس اللجنة التنفيذية، الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي قضى شهيداً بعد حصار واعتقال في مقره امتد لأكثر من عامين.
وإذا كان هدف سياسة الاعتقال للقيادات السياسية في سياق عملية السور الواقي قد أصبح واضحاً في ضوء ما نشهده من نتائج ترتبت على بناء جدار الفصل العنصري، الذي يعتبر بحق أخطر مراحل المشروع الاستيطاني، فما هو الهدف من التوسع في اعتقال القيادات السياسية من وزراء وأعضاء مجلس تشريعي. إن من يقرأ في السياسة، وحتى القارئ المبتدئ، يدرك أن السيد عزيز الدويك، لم يكن قائد ميليشيا أو كتائب عسكرية، ومثله كذلك الأستاذ الجامعي ناصر الدين الشاعر، وغيرهم كثير، حتى يكونوا هدفاً للاعتقال.

وتدرك سلطات وقوات الاحتلال أن هذا التوسع في اعتقال القيادات السياسي لم يغير في مواقف القوى وتمسكها بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وممارساته العدوانية ونشاطاته الاستيطانية، الأمر الذي يسلط أضواء جديدة على الأهداف الحقيقية لهذه السياسة الإسرائيلية، وهي أهداف سياسية بالدرجة الرئيسية وظيفتها محددة وواضحة، وهي التشويش على عمل المؤسسات الفلسطينية في السلطة، التنفيذية منها والتشريعية وشل عملها وصولاً إلى تأكيد الموقف الرسمي الأساس، الذي روجت له حكومة إسرائيل حول غياب الشريك الفلسطيني منذ أن قررت إسرائيل بدعم وإسناد من الإدارة الأمريكية بقيادة المحافظين الجدد فرض الحصار على الرئيس الفلسطيني الراحل واعتقاله في مقره والتعامل معه باعتباره غير ذي صلة.
حكومة إسرائيل تستطيع أن تواصل هذه السياسة وأن تتوسع أكثر فأكثر في حملات الاعتقال السياسي بدءاً بأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مروراً بالوزراء وأعضاء المجلس التشريعي وانتهاءً بالقادة السياسيين لجميع القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية ورؤساء البلديات والمجالس المحلية، وتستطيع أن تشوش بذلك على عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية التنفيذية منها والتشريعية، ولكنها ترتكب حماقة كبيرة، إذا هي اعتقدت أن مثل هذه السياسة يمكن أن توصلها إلى هدف دفع الشعب الفلسطيني إلى التسليم بنتائج إجراءاتها العدوانية والاستيطانية وحيدة الجانب أو تدفعه إل الاستسلام للأمر الواقع والتخلي عن حقه المشروع في مقاومة الاحتلال.
ويبقى ما هو أهم من التنديد بسياسة حكومة قامتها في التعامل مع الشعب الفلسطيني وقياداته ومؤسساته في مستوى العشب. ماذا بشأن مواقف الدول العربية وحكوماتها ومجالسها النيابية، وماذا بشأن مواقف المجتمع الدولي وبرلماناته من هذه السياسة الإسرائيلية. في ظني أن حكومة إسرائيل لم يكن باستطاعتها أن تواصل هذه السياسة لو تعامل المجتمع الدولي مع ملف الاعتقالات السياسية التي تمارسها حكومة إسرائيل مثلما يتعامل مع ملف جندي إسرائيلي وقع في الأسر لدى الجانب الفلسطيني. تستطيع الحكومات والبرلمانات العربية أن تتحرك وأن تمارس الضغط على المجتمع الدولي وتدفعه للتوقف عن سياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

جدير بالملاحظة هنا أن حاجة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال إلى المساعدات المالية والاقتصادية والإنسانية حاجة ملحة وضرورية، غير أن الحاجة إلى العدل والعدالة والتحرر والحرية واغلاق معسكرات الاعتقال الجماعي الاسرائيلية واطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين تبقى مدخل هذا الشعب للتحرر من مساعدات باتت تستخدم وسيلة من وسائل الابتزاز والعبودية.

ليست هناك تعليقات: