السبت، أبريل 21، 2007

إلى الحزابلة والحراكلة: كفاكم متاجرةً بالطائفة الشيعية..!!


بقلم: آية الله العلامة الشيخ محمد جميل حمود العاملي
ما أبرعكَ يا سيد في قلب الأوهام إلى حقائق

في ظلّ الأحداث السياسيّة الطّارئة على السّاحة اللبنانيّة، والتي بلغت حداً بالغ الخطورة، اقتضت الضرورة الشرعيّة والوطنيّة أنْ ندلي بدلونا؛ لنقول الحقَّ بعد أنْ طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، حيث استبدَّت زمرة من الشيعة بالأمور الدينية والوطنية؛ مدَّعِيةً بأنها مخوَّلة للإمساك بالقرار الدِّيني والسياسي لما تملكه ـ هذه الزمرة ـ من قواعد شعبيّة تخوِّلها التكلُّم باسمها...
إنّ واجبنا الوطني والدِّيني معاً يستدعيان المجاهرة بالحقيقة، وإعلان الحقّ، مهما كانت نتائجه مُرَّةً وآثاره سلبيّة على الصّادع به، وأنا العبد الفقير إلى رحمة ربّي، أقول الحقّ ولا أخاف في الله لومة لائم (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (الأحزاب:39)، كما أنني لا أدّعي أني أمثِّل الشريحة الكبرى للقواعد الشيعيّة في لبنان، لكنني أمثِّل الحقَّ ـ وهو فخرٌ لي ـ ويؤازرني ويؤيدني ثلّة قليلة من المستضعفين الذين لا صوت لهم ولا جهة تؤيّدهم لأنهم لم يرهنوا أنفسهم للمال والسلطان...إننا ثلّة من المؤمنين الذين هُضِمَت حقوقهم بسبب عدم ولائهم لمن بيده أسباب القوّة والإقتدار.
إنّ الوضع من الناحية الدينيّة والوطنية حسّاس للغاية وخطير جدّاً، ولا يجوز السّكوت لأنّ ذلك يُعطي مبرِّراً لهذه الزّمرة المتسلِّطة لكي تتفرَّد بقرار السِّلم والحرب، وجرّ الويلات على العباد والبلاد ممّا يؤدي إلى مفاسد عظيمة على الدِّين والشريعة والوطن، لذا فإنّ ما يجري بإسم الدِّين ويستغلّه الحزب وقادة حركة أمل إنما هو بِدعٌ واستغلال لشعارات الدِّين والمقاومة، وعلى العالِم أنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ لإبطال البدعة بالحجّة والدليل، لذا جاء في الحديث الشريف عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "إذا ظهرت البدع في أمّتي فعلى العالِم أنْ يُظْهِرَ عِلْمَه وإلاّ فعليه لعنة الله".
وعليه؛ فإنّ ما يجري بإسم الطائفة تارةً، وباسم المقاومة تارةً أخرى، والوطنية طوراً ثالثاً، ما هو إلاّ بدعة يجب على كافّة العلماء الشرفاء الذين لا ينضوون تحت ألوية الأحزاب أنْ يرفعوا عقيرتهم ويخرجوا من صمتهم تجاه المدّ الخطير الذي يقوده كلّ من الحزب والحركة؛ ليسحبوا ـ أي الحزابلة والحراكلة ومَن ينحو منحاهما ـ الطائفة الشيعيّة إلى وادٍ سحيق. وإنني على يقينٍ بأنّ كلامي سيرتدّ عَلَيَّ سلباً، لكنّ الحقَّ أحقُّ أنْ يعلو حتى تتمّ الحجّة ولا يقول أحد: ( لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى) (طه:134).
والخطاب الأخير للأمين العام للحزب خطيرٌ جدّاً على المستوى الديني أوّلاً؛ لكونه صادراً من متلبس بثوب الدّين، حيث كان حريّاً به أنْ يراعي الثوب الذي عليه والعمامة التي يعتمرها على الأقلّ؛ لأنّ العالِم لا يكون إلاّ حكيماً حليماً، صابراُ وشكوراً، لا تأخذه الحمية السياسيّة من أجل نيلِ حكمٍ أو سلطان. فإنْ لم يكن بمقدوره أنْ يتصف بحِلْم رسول الله وبصبر الإمام عليّ وكظم غيظ سيدة النساء فاطمة (عليها السَّلام)، فعليه أنْ يقلِّد الصابر السيد المجاهد العلاّمة موسى الصدر ـ أعاده الله تعالى سالماً ودفع عنه كلّ مكروه ـ أليس هذا أفضل من التغطرس بالقوّة والإلتجاء إلى العدّة والعداد ووفور الرِّجال.. لغة الحديد والنّار.. لغة الوعد الوعيد..
ونحن ننصحه أنْ لا يغترّ بمَن يفدِّيه بحياته ظاهراً، ويلبّي له ويصفِّق عند كلّ كلمة ينطقها؛ لأنّ مَن صفَّق لمسلم بن عقيل بالأمس، ثمّ حملّ السيف لقتاله لاحقاً، سيعيد الكَرَّة على السيد حسن.. فلا تأمَنْ من هؤلاء، ولا تركن إليهم؛ لأنهم أنفسهم صفقوا لغيركَ ممّن سبقكَ ثمّ غدروا به..
وأؤكّد القول بأنّ ما يستجدّ على السّاحة اللبنانية من أحداثٍ وآراء سياسيّة تكاد تطيح بمستقبل اللبنانيين عامّة والشيعة خاصّة، نتيجة تصرفات آحادية يقودها الحزب، هي في الواقع استبداد بالقرار اللبناني والشيعي، تحت عنوان: ((المقاومة والمشاركة الوطنية))، في حين أنّ هذه الدعاوى واهية واهنة كبيت العنكبوت، ولا علاقة لها بالوطن ولا بالمقاومة، وإنما هي مشاريع لها خلفيات إيرانية تارة وإقليمية طوراً؛ تهدف إلى تحقيق طموحات دنيوية وسلطات آنية لبسط نفوذ معين وترويج أفكار معيَّنة.
إنّ النهوض بواجبات الحرب والسلم والحقوق المدنيّة والإجتماعيّة والسياسيّة وغيرها ليس واجباً ملقىً على عاتق طبقة خاصّة من الشيعة أو ممن يلوذ بجهة معينة، كما لا يقع هذا الواجب على عاتق هيئة أو جمعيّة دينيّة دون غيرها.. وإنما هذا الواجب هو واجب كفائي يُلقى على عاتق عموم اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، ويتحمل مسؤولية إقامته جميع الطبقات وشرائح المجتمع اللبناني بفسح المجال أمام كلّ الطبقات المخلصة بالتعبير عن موافقتها أو سخطها عما يجري على الساحة أو ما يدور خلف الكواليس والغرف المغلقة، وكأنّ عامّة الشعب عليهم أنْ يلبسوا القمصان والمآزر السياسيّة التي ينسجها لهم قادة الحزب والحركة وكأنها وحيٌ من السّماء لا يمكن أنْ يتخلف، والخارج عنه يعتبر زنديقاً أو عميلاً أو جاسوساً لحساب إسرائيل وأميركا.
إنّ الإستئثار بالقرار السياسي بفئة حزبية أو تنظيميّة يعتبر خلاف مبدأ الشورى الذي أمر الله تعالى بسلوك طريقه في تنظيم الحالة الإجتماعية لعامة الناس (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).
إنّ الإستئثار نوع استبداد بالرأي، قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام): ((مَن استبدّ برأيه هَلَك، ومَن شاور الناس شاركها في عقولها)). فاستئثار حزب أو تنظيم بالقرارات العامة باسم الطائفة الشيعيّة تحت عنوان مصلحة البلد، كلام فارغ، لأنّ مصلحة البلد تقتضي ألاّ نؤجِّجَ العصبيات والعنصريات لأجل الثلث المعطِّل أو الضامن حسبما يدَّعون، فمصلحة البلد تكمن في المداراة والمسالمة والمهادنة بين بعضنا البعض.. ولماذا لا يتعظ السيد نصر الله بحكام سوريا حيث يجرون مفاوضات مع إسرائيل لأجل مصلحة بلدهم، فعلامَ يناطح حسن نصر الله زملاءه الساسة اللبنانيين؟ أليس هذا خلاف مصلحة الوطن والمواطنين؟! أمِن الحكمة والعقل أنْ نجرّ البلاد إلى حرب من أجل الثلث الضامن؟! أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟! فهل هذا الثلث يضمن العباد والبلاد من حرب أخرى يا أمين المقاومة؟! أعتقد أنّ دعوى الثلث الضامن ستدمر الوطن عن بكرة أبيه وسيضع الشيعة في قفص الإتهام واللعنة إلى أبد الآبدين..
وأنا أسأل السيد حسن نصر الله: مَن الذي فوّضكَ على الشيعة في لبنان؟! هل أخذت صكّ البراءة من إيران فتتصرف بالفلوس والنفوس؟! ومَن أعطى حكّام إيران الولاية على شيعة لبنان ليتصرفوا بهم كيفما يشاؤون ويرغبون؟!
لا الحزب والحركة ولا أيّ تنظيم سياسي يمثّل الشيعة في العالم. إنّ مَن يمثل الشيعة في مسيرها ومصيرها إنما هم الذين قصدهم الإمام الحجّة المنتظر (عليه السَّلام): ((وأمّا الحوادث الواقعة فارجِعُوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله))، وهل أنتَ واحدٌ منهم يا سماحة الأمين العام؟! كلاّ، لأنّ رواة الأحاديث هم المجتهدون الزاهدون المتقون الذين وصفهم الإمام عليّ (عليه السَّلام) في خطبة المتقين. إنّ مَن يمثل الشيعة في حقوقهم السياسيّة هو كلّ شريف يعطي الحقوق للشيعة كما يعطيها للآخرين، وليس مَن يعطي الحقوق لحزبه أو تنظيمه، أو يعطيها لجهاتٍ خارجيّة على حساب الطائفة أو الوطن، إنّ أيّ حزب أو تنظيم لا يعطي الشيعة حقوقهم كاملةً غير منقوصة فلا يمثل الشيعة ولا ينطق عنهم.. وما نراه اليوم لا يمثل الشيعة ولا يمثل الوطن، بل لا يمثل إلاّ الأحزاب التي لا تعرف قيمة سوى لقاداتها ومؤسسيها، فلا حرمة للوطن ولا كرامة للمواطن... بل إنّ الوطن والمواطن في خدمة الحزب والتنظيم ولو أدّى ذلك إلى سحق الوطن والمواطن.. والشيعة ليسوا مستعدين لأن يضحوا بكيانهم ووجودهم من أجل زيادة الحصص والمكاسب الأخرى لصالح دول تعقد صفقات مع أعدائها مستغلةً شهوة صبيان في لبنان والعراق لا يبالون بمصير الشيعة ولو أدّى ذلك إلى محوهم من الوجود... دعونا ـ أيها الأحزاب المتكالبة على السلطة ـ ننعم بشيء من الكرامة والحرية.. دعونا نعيش مع الماروني والأرثوذكسي والسني والدرزي والكردي.. دعونا نفكر كيف نبني الوطن بحسن الجوار ونبذ الفئوية والإستبداد والتغطرس بالقوّة والجبروت، فالجبروت لله وحده، فلا يحقّ للمخلوق أنْ يتصف بها..
الطائفة الشيعية ليست ملكاً لزيدٍ أو عمرو أو حزبٍ أو تنظيم أو جهةٍ يجرّها إلى الحرب كيفما شاءت عقيرته وجادت به قريحته... إنّ مَن بيده قرار ذلك هم المجتهدون الورعون والشرفاء الودعاء المسالِمون الذين لا يعلو صوتهم سمعهم ولا شحناؤهم قلوبهم، وليس المعممون التائهون في دهاليز السياسة وحبّ الدنيا والتجبر على المستضعفين.. إنّ العلماء المخلصين الذين لا صوت لهم ولا إعلام يدعمهم ولا مال يبرزهم هم وحدهم الذين يعبّرون عن الطائفة الشيعيّة وليس الأحزاب التي لا همّ لها سوى بسط نفوذها وتقوية شوكتها لتحقيق ما تصبو إليه من مشاريع وأحلام ستأخذ بالطائفة الشيعيّة إلى المجهول.. لقد شبعنا شعارات جوفاء، لقد شبعنا كلاماً وعواطف.. لقد تلاعبت الأحزاب بمشاعر الناس وعواطفهم، وأغرتهم بالوعود والأماني، والناس ـ كعادتهم ـ يميلون مع كلّ ريح وينعقون مع كلّ ناعق، لا يستضيئون بنور العلم ولا يهتدون إلى ركن وثيق حسب تعبير الإمام عليّ (عليه السَّلام).
يؤسفنا منطق التهديد الذي ينتهجه قائد الحزب وأعوانه الذين يلوِّحون به لفرض سياستهم ومشاريعهم التي باتت معروفةً للقاصي والدّاني، كما يؤسفنا وقوف المجلس الإسلامي الشيعي طرفاً إلى جانب الساسة الذين يقودون ميليشيات تذكرنا بميليشيات الفلسطينيين والأحزاب أيام الفتنة الغابرة.. إنّ على المجلي الإسلامي الشيعي أنْ يضع حدّاً لغطرسة الأحزاب الشيعيّة التي ستمحق الشيعة.. وإنّنا لا نحسد سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان على ما هو عليه، إذ لا ناقة له ولا جمل، وليس بإمكانه فرض آرائه على الحزب والحركة لأنّه بأمسّ الحاجة إليهما لتثبيت مركزه، أو أنّ هناك شيئاً آخر يمنعه من ذلك هو أدرى به.. ولكنْ أيّاً كانت المبرِّرات فإنّ ذلك لا يمنع المجلس الإسلامي الشيعي أنْ يقول كلمته كما كان ديدنه أيام المرحوم الراحل العلاّمة الشيخ محمّد مهدي شمس الدين؛ الذي كان القمة في الحكمة وسياسة البلاد.. إننا نريد مجلساً كذاك الذي كان أيام الشيخ محمّد مهدي شمس الدين.. نريد من سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان أنْ يصدح بالحقّ ولا يخاف زيداً ولا عمرواً.. فأيامنا معدودات وعلينا أنْ نلقي الحجة على مَن تجبّر وتغطرس..
أيها الأحزاب.. إرحموا الناس، وكفاكم دعاوى دينيّة ووطنية، فالله لا تتجلى صفاته بكم، بل في البسطاء الرّحماء.. ليس من شيم الشيعة الإستكبار على غيرهم ولا الإتكاء على أنفسهم وقوتهم فقد ورد في دعاءٍ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قوله: ((اللهمّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً)).
فالإستكبار مرفوض، وليس من حقّ أيّ طائفة الإستكبار على طائفة أخرى، بمعنى أنّه ليس من حقّ أيّ طائفة أنْ ترى نفسها فوق الأخرى، وكلّ مَن فعل ذلك فإنّه يقضي على نفسه بالهلاك.. ومهما تكن النتائج السياسيّة المترتبة على خروج نواب الشيعة من الحكومة فلا يجوز لقادة هؤلاء المستقيلين أو المُقَالين أنْ يحمِّلوا الوطن بشكلٍ عام، والشيعة بشكل خاص الآثار السلبية على الوطن والمواطنين من أجل غايات رخيصة.. بل يجب أنْ تكون مصلحة الوطن بكافة شرائحه هي العليا، وأنْ تكون مصلحة الشيعة بجلوسهم مع غيرهم من الطوائف متحابين متضامنين، لا أنْ يكونوا في خندقٍ آخر لحساب تياراتٍ وأحزابٍ إلتقاطية تأخذ عقائدها السياسية من أطروحات روسية وصينية وكورية، كما تأخذ تعاليمها الدينيّة والإجتماعية من إيران الأمّ الحنون للأحزاب اليسارية في عصر انقراض الثورة البلشفية الماركسية!!
وأقول بصراحة للأمين العام للحزب: هل الإنتصار الذي أصبغته على حرب تموز من بنات أفكارك أم من إيحاء الولي الفقيه؟!وهل يا ترى إهلاك الحرث والنسل انتصار في مفهوم الأمين العام؟ أي انتصار هذا الذي أذلّ الشيعة وجعلهم يستجدون علبة السردين ومجمع الحلاوة والدثار والفراش؟! أيّ انتصار هذا الذي امتهن كرامة الشيعة وجعلهم يحتاجون القاصي والداني ممن لا يجوّز الشرع الإحتياج إليهم؟! أيّ انتصار هذا الذي دمر بيوت الشيعة وأدخل الرعب إلى كلّ الأفئدة والقلوب؟! أيّ انتصار هذا الذي أفسد الأجنة في بطون أمهاتها وزرع الأمراض الخطيرة في الأجسام والزروع؟! أيّ انتصار هذا الذي سبَّبَ غلاء الأسعار وفساد الثمار؟! أيّ انتصار هذا الذي أزهق النفوس بالمئات وخرّب البنيان؟! ذَكَّرَنا هذا الإنتصار بانتصار أبي عمّار ياسر عرفات عام 1982 يوم أبادت إسرائيل منظمة التحرير والمخيمات ثم خرج من لبنان رافعاً إصبعي النصر يلوّح بهما من على ظهر سفينة تقلّه إلى المنفى.. وذَكَّرَنا هذا الإنتصار بشعارات جوفاء ألصقها بنو أميّة وبنو العبّاس على ملوكهم وسلاطينهم ما بين خليفة الله والحاكم بأمر الله والمعتمد والرشيد والمأمون والأمين والمتوكِّل والمعتز والقائم بأمر الله إلخ..
v ما أبرعكَ أيها الأمين العام بتغيير الحقائق إلى أوهام..
v وما أقدركَ على صنع القصص الخيالية حتى صدّق بها الأعداء..
v وصَدَقَ عليكَ المثل السائر: رمتني بدائها وانسلَّت..
لقد أصبغ على الهزيمة نصراً إلهياً صدّقه الرعاع واستمجّ قوله المستفيدون والطامعون والطامحون.. حتى صار الموتورون يتمنون أنْ يكونوا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يدي ماله وجاهه..
إنّ سرّ النجاح يا أخي هو أنْ تكون مرضياً عند الله تعالى وليس عند الناس، فما ينفعكَ رضى الناس، والله ساخط عليكَ.. وما ينفعكَ الجموع الغفيرة يوم تكون وحيداً في قبركَ تحاسب على كلّ صغيرة وكبيرة؟ وما ينفعك الولي الفقيه إذا كان إمام زمانك ساخط عليك؟ وهل تنفعكَ غداً عباءتكَ التي أهديتها لتلك السافرة؟ فالقديس يخجل أنْ يتظاهر بقداسته لمن طلبها منه!! بل القديس يحرِّم على نفسه مزعمة القداسة.. والزاهد المجاهد لا يرضى من الناس أنْ يفدّوا أنفسهم لأجل حذائه.. والورع التقي لا ينفق الأموال الطائلة على صوره لتُعَلَّق على العمارات والجدران.. ومَن يخاف الله تعالى لا يروِّع الآمنين بوعيد النار.. والمحبّ لإمام الزمان لا يستكبر عن اللهج بذكره والتماس شكره.. والغيور على الأعراض يصونها من شرور الأغيار.. فهل من العقل والدِّين أنْ تنفق مليارات الدولارات على المتضررين بفعل اعتداء إسرائيل وكان بمقدوركم تجنبه من الأساس وإنفاق هذه الدولارات على الفقراء والمساكين قبل الإعتداء؟! وهل أنّ مال الإمام المنتظر (عليه السَّلام) في إيران ومال الإمام الرضا (عليه السَّلام) صار سلعة بائرة لأجل أهدافكم ومخططاتكم وقد حُرِمَ من هذه الأموال ملايين الفقراء في إيران؟! وهل من الدين أنْ يجود السيد حسن نصر الله بمليارات الدولارات تعويضاً على خسائر حرب تموز من أجل الحصول على الثلث الضامن؟! وهل من الدين أنْ يدمر بلد بكامله وتُستباح دماء الناس من أجل سمير القنطار ويحيى سكاف؟! لم نسمع في ملة من الملل أو شريعة من الشرائع السماوية والوضعية أنْ يدمر بلد بكامله من أجل ثلاثة أسرى، والأنكى من ذلك أنّه لو اجتمع العالم كله على أنْ ينقذ الأسيرين الإسرائيليين لن يمكنهم ذلك إذا لم تشأ قريحة السيد حسن نصر الله إطلاق سراحهما، حتى ولو قُتل الشيعة كلهم في لبنان، فالمهمّ أنْ تكون كلمة حسن نصر الله هي العليا بنظر قادة الحزب ومناصريه.. ليت شعري لو أنّ هذه الحماسة كانت لزعيم وطني وديني مرموق كالسيد بطل السلام في الشرق الأوسط موسى الصدر ورفيقيه المظلومين..
ما الحلّ؟ وماذا نفعل؟
يكمن الحل فيما لو كانت قرارات الحزب بيد قادته وليست بيد إيران، ومهما ادّعوا بأنهم مستقلون عن حكّام إيران فإنّ دعواهم تكذبها شواهد الحال والمقال هنا وهناك، إذ ما أضمر إنسان شيئاً إلاّ وظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما دام ولاء الحزب لقادة إيران، وولاء نبيه بري لقادة سوريا وإيران معاً فإنّ الحلول عقيمة وباب السّلام مسدود بوجه اللبنانيين..
نصيحتي لقادة الحزب والحركة أنْ ينبذوا ولاءاتهم لغير لبنان، ومهما تعنتروا فآخر الأمر سيتصاغرون، إذ ما من ظالم إلاّ وسيُبلى بأظلم. فعليكم بالتوبة وإصلاح الأمور قبل فوات الأوان وحلول الندم، وإني على يقين بأنّ كلامي هذا لن يعجب هؤلاء وسيزدادون حنقاً وحقداً عليَّ لأنهم يرون أنفسهم أعلى من أنْ أعظهم وأنصحهم، بل هذه عادة السلاطين الذين نسوا الآخرة فأخلدوا إلى الأرض.
فيا أيها الحزابلة والحراكلة.. لقد سئمنا أخطاءكم بإسم الطائفة، كفاكم عنتريات ولا تركنوا إلى قوتكم وجبروتكم لأنها إلى زوال، كما زال جبروت غيركم.. كفاكم استغلالاً للفقراء والمساكين.. كفاكم استذلالاً لمن احتاجكم بلقمة العيش..
ولن ننعم بالهدوء والسَّلام في لبنان ما دامت الأحزاب والمنظمات تنعم بالحرية بلا قيود وحدود، لذا اقترح على النظام اللبناني الأمور التالية:
1) حلّ كلّ الأحزاب بلا استثناء.
2) تقوية الجيش وقوى الأمن والشرطة حتى لا يكون ثمة مبرر للحزب بإبقاء سلاحه بذريعة ضعف الجيش والمؤسسات التابعة له.
3) بسط نفوذ الجيش وقوى الأمن على عامة المناطق ولا سيّما الضاحية.
4) ملاحقة العناصر المخرِّبة أينما كانوا دون محاباة لجهة على أخرى.
5) إنشاء جهاز محاكمة السياسيين ورؤساء الأحز اب وغيرهم؛ لأنّ عدم المحاسبة يؤدي إلى الإسترسال في التخريب تحت عنوان الحرية والديموقراطية، فللحرية حدود، وللديموقراطية ضوابط بحيث لا تخل بالنظام العام للدولة والمواطنين.
* إقتراح على الحزب:
أقترح عليهم الأمور التالية، وإنْ كانوا يحسبون أنفسهم فوق أيّ اقتراح أو نصيحة، ولكن أعذر من أنذر:
1) إلقاء السلاح الثقيل وتسليمه للدولة أو للجهة التي جاءت منه؛ لأنّ السلاح الثقيل سيعطي ذريعة لإسرائيل بإبادة الشيعة، فلا تعطوه ممسكاً لذلك.
2) أنْ يكون ولاؤه للوطن وليس لحكام إيران وسوريا؛ لأنّ الولاء للآخرين خيانة للوطن، ولن تنفعكم سوريا أو إيران في المستقبل، بل كلّ بلدٍ يسعى لتحقيق مكاسبه على حساب شيعة لبنان، فلا تكونوا أدوات تنفيذية للآخرين، فسيأتي يوم تتخلى عنكم سوريا وإيران عمّا قريب..
3) لا تغالوا في رموزكم الدينية والسياسيّة..
4) إنفتحوا على الآخرين لصالح الحالة العامّة والمحبّة والسَّلام..
5) أنْ لا يتولى قيادة الحزب معمم؛ لأنّ ضرره أعظم على الدّين من غيره فيما لو أخطأ أو أساء.
6) أنْ يهدئ قادة الحزب أعصابهم ويتحلوا بالحِلْم والحكمة؛ ولا سيّما أمينه العام الذي ننصحه بأنْ يكون صبوراً شكوراً حليماً حكيماً، لا متهوِّراً وطائشاً وعصبياً لا يعرف سوى لغة التهديد والوعيد، وهذا النوع من اللغة يتسم به الجاهلون الذين لا يقوم رأيهم على الحجّة والبرهان..
7) أنْ لا يستغلوا الشعارات الدينية لأجل تزيين صور قاداتهم وزعمائهم في عقول المشايعين لهم؛ لأنها لا تنمّ سوى عن انتهازية تقضي في نهاية المطاف على القيم والمبادئ والأخلاق..
* نصائحي لقادة حركة أمل:
1) كونوا كما علّمكم السيد موسى الصدر: منفتحين على عامة الناس.
2) كونوا دعاة السّلام والمحبة، ودعاة اللين والرفق.
3) لا تكونوا أذناباً لغيركم يأخذكم حيث يريد..
4) كونوا حلقة وسط تجمع بين جميع الأطراف على الخير والبركة والمحبة والسّلام.
5) إنبذوا العصبيات التي مزَّقَت البلاد وفرّقت العباد..
6) ألاّ يتفرد نبيه بري بالقرارات السياسية وغيرها في حركة أمل، بل يُفرض أن تكون مشورة بين الجميع في قيادة حركة أمل، كما عليه باستشارة الحكماء في أيّ قرار يتخذه على حساب حركة أمل التي أسسها السيد موسى الصدر والذي ضاع حقه عند أكثر قادة الحركة.
وأخيراً نذكّر قادة الأحزاب بوصيّة الإمام عليّ لواليه على مصر مالك الأشتر وننصحهم بقراءته جيداً، كما ننصح جميع السّاسة والإقتصاديين والإعلاميين أنْ ينكبّوا على دراسة هذه الوصيّة لأهميتها على الصعد الروحية والسياسيّة والإقتصادية والإجتماعية.. قال (عليه السَّلام) لمالك الأشتر كما في شرح نهج البلاغة للدكتور صبحي الصالح ص426 خطبة53:
((... الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك.. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح . فأملك هواك ، وشح بنفسك عما لا يحل لك.. وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم. ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته. ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير. وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك، ويفئ إليك بما عزب عنك من عقلك إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته، فإن الله يذل كلّ جبار ويهين كلّ مختال أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد.
..وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لمعائب الناس، فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها. فلا تكشفن عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك. فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك... ولا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبَّه بالناصحين..
.. إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظَّلَمَة.. والصق بأهل الورع والصدق، ثم رُضْهُم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإنّ كثرة الإطراء تُحْدِثُ الزَّهو وتدني من العزة.. ولا تَنْقُض سُنَّةً صالحةً عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية. ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها. والوزر عليك بما نقضت منها.
وأَكْثِرْ مدارسة العلماء ومنافثة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك.
..ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة.. ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقاً، وأصح أعراضاً، وأقل في المطامع إشرافاً، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً..
.. إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها. والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة. فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام..
وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.
وإياك والمن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك ، فإن المن يبطل الاحسان..
وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط فيها عند إمكانها.. إمْلَكْ حَمِيَّةَ أنفك، وسَوْرَة حدك، وسطوة يدك، وغرب لسانك. واحتَرِسْ من كلّ ذلك بكفِّ البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الإختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك..)).
هذا ما أحببتُ إيراده على الحالة العامة التي ينتهجها قادة الحزب والحركة، وثمة إشكالات كثيرة أحببتُ إيرادها لكنّني آثرتُ كتمانها حرصاً على بعض الخصوصيات وتهدئةً للخواطر، ولكن ما ذكرتُه عسى أنْ يكون ناجعاً عند مَن ألقى السمع وهو شهيد، فهذه شهادتي قد ألقيتُها فهل على الرسل إلاّ البلاغ المبين، اللهمّ اشهد أني قد بلَّغْتُ، والحمد لله ربّ العالمين.


**




ليست هناك تعليقات: