الجمعة، أبريل 20، 2007

رئيسُ الجمهوريةِ يُنْتَخَبُ فقط بالأكثرية


سعيد علم الدين
نقل نقيب المحررين ملحم كرم عن لحود تأكيده "ان نصاب الجلسة النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية هو غالبية الثلثين، وكل ما يقال خلاف ذلك مجرد تفسيرات وتعليقات واجتهادات سياسية لا علاقة لها بنص الدستور".
كلام لحود هذا هو هرطقة دستورية على المزاج لا أساس لها من الصحة، واجتهادات غوغائية دون اجتهاد، وتعليقات ترمى في سلة المهملات، لأن المادة 34 من الدستور عطفا على المادة 49 تؤكد العكس تماما.
فالرئيس القسري لحود لا يستطيع تفسير الدستور كما يشتهي على هواه ولا يستطيع توريث الرئاسة لميشال عون الذي يهواه.
فهنا الكلمة الفصل لأحكام الدستور ولنواب الأمة فقط لا غير.
ففي انتخاب رئيس الجمهورية تقول المادة 49 من الدستور دون ذكر لكلمة اكتمال النصاب القانوني التالي:
" ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي".
فلا حديث كما يدعي لحود عن اكتمال النصاب القانوني بالثلثين. أي أن الرئيس ينتخب دون نصاب قانوني بغالبية الثلثين، وإلا فبالغالبية المطلقة.
تأكيدا لما أشرنا إليه تظهر قانونية الجلسات بوضوح في المادة 34 التي لا تتحدث عن الثلثين كنصاب قانوني أيضا، وإنما التالي:
" لا يكون اجتماع المجلس قانونيا ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه، وتتخذ القرارات بغالبية الأصوات."
هذا ما يقوله الدستور بوضوح الذي يتحدث عن الأكثرية وليس عن نصاب قانوني من الثلثين لعقد جلسة قانونية لانتخاب رئيس الجمهورية أو لمنح الحكومة الثقة.
واستزادةً في الشرحِ للحود واستفادةً لبعض المتفقهين الجدد نقول:
لبنان بلد دستوري وحسب بنود الدستور الحديث المكتوب منذ عام 1926 إضافة أو إزالة لبعض التعديلات المهمة التي طرأت عليه أو أُلحقت به تباعاً:
هو جمهورية ديمقراطية دستورية برلمانية عربية يحكمها النظام الديمقراطي الاقتصادي الحر عبر التبادل السلمي للسلطة بين الحكم والمعارضة، محدد بفترة زمنية واضحة تفرض نفسها على الدولة ولا يمكن التلاعب بها ولا تمديدها، إلا لظروف استثنائية جدا - كالحرب التي تعطل بطبيعتها الفوضوية إجراء انتخابات سَليمَةً سِلْميَّةً مثلا-، ومن خلال إرادة وطنية داخلية حرة وليس فرضها من الخارج كما حصل في التمديد القسري الغير شرعي للحود من قبل حاكم النظام السوري بشار الأسد في العلن، ومن قبل مرشد النظام الإيراني خامنئي في السر.
ولبنان أيضا جمهورية دستورية يحكمها الدستور من خلال فصل السلطات وتحديد الصلاحيات للرؤساء عبر نصوصه القانونية الأساسية وبنوده الواضحة الملزمة للحكم والمعارضة. فدستور الطائف الذي أنهى الحرب دفع ثمنه الشعب اللبناني غاليا جدا: مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين والمهجرين والمغتربين والخسائر الروحية والمعنوية التي لا يمكن ان تعوض والمادية التي تقدر بآلاف الملايين من الدولارات. تماما كالشعب الفرنسي الذي دفع ثمن دستوره في الإخاء والمساواة والحرية والديمقراطية والعلمانية ثورة عام 1789 التي أكلت الأخضر واليابس، هزت العالم وغيرت وجهه التاريخ وكلفت الشعب الفرنسي الحروب والفوضى وعشرات الآلاف من القتلى. وتماما أيضا كالشعب الألماني الذي كلفه دستوره أو قانونه الأساسي عام 49 حربا عالمية حصيلتها عشرات الملايين من القتلى والجرحى وتقسيم لبلادهم واحتلالها لأكثر من نصف قرن وخسارة أجزاء شاسعة وكبيرة جدا منها للدول المجاورة.
ومن هنا فالدساتير ليست قصائد شعر وطنية تلقى في المناسبات، وليست أغاني عاطفية أو أناشيد حماسية وإنما نصوص واضحة بكلمات مفهومة لا تفسر حسب الأمزجة أو يلعب بأوراقها الريح السياسي أو حزب ولاية الفقيه الإلهي.
ولهذا فمن يفرط بها يتحمل مسؤولية عمله الأرعن هذا أمام الله والشعب والتاريخ وما سيجره ذلك على البلد التعددي الصغير من ما لا يمكن أن تحمد عقباه. حتى ولو امتلك البعض 30 ألف صاروخا على شاكلة رعد لحماية المجرم قاتل عظماء الأمة والشهداء الأبرياء، وحتى ولو امتلك عشرات الآلاف من الميليشيا الإلهية لقتل الحقيقة ووقف المحكمة وعرقلة العدالة لينجو المجرم الشرير من العقاب، فلن تكفيه صواريخه وميليشياته أبدا لقهر إرادة الشعب اللبناني في الحرية والسيادة والتقدم والازدهار والاستقلال والبناء والنجاح والانطلاق، وكشف الحقيقة، وحب ورود الحياة وعطورها ورفرفة فراشاتها وزقزقة عصافيرها وتفتح زهرة ثورة الأرز المباركة وانتشار أريجها في كل أنحاء العالم.
فكيف إذا كان الشعب اللبناني وقواه الحرة وحكومته الشرعية وأكثريته النيابية الحية مدعومة من الشرعية العربية والدولية ومجلس الأمن الساهر على لبنان أكثر من بعض اللبنانيين الفاشلين في حب وطنهم والسهر على مستقبل أطفالهم؟ الذين يفضلون مصالحهم الأنانية الآنية أو المصالح الإيرانية الصفوية السورية البشارية على مصلحة وطنهم.
فالكلمة الأولى هنا للحق الذي يعلى ولا يعلى عليه، وللحقيقة التي ستظهر رغم تلبد الغيوم وستشرق عبر المحكمة الآتية بلا ريب كالشمس التي لا تعرف المغيب، حتى ولو شبه لهم.
أما الباطل الفاجر فهو ذاهب إلى الحضيض ومعه أهله وصواريخه وميليشياته وعاره وظلامه وحقدهِ وعيوبه، وتناقضاته، ومربعاته وأشباحه وألواحه، وضباط اغتياله واحتياله وغروره واختياله.
فالكلمة الفصل هنا للعدالة التي لا تقبل القهر والبلطجية والتسييس والابتزاز والانحراف، وللأخلاق التي لا تعرف الكذب والدجل والافتراء، والنفاق واللف والدوران وإغلاق البرلمان والرياء والخسران، وللشرعية التي تقوم على مداميك ثابتة لا تهزها الأيام والأنواء، وللقانون المدعوم بشرائع الأرض والسماء، لكي لا تسيطر شريعة الغاب والإرهاب ويفلت المجرم من العقاب.
ولبنان أيضا هو جمهورية برلمانية يحكمها مجلس النواب عبر نواب الأمة، الذين يمنحون ثقتهم للحكومة وهم الممثلون الشرعيون لإرادة الشعب، الذي انتخبهم بإرادته الحرة وبانتخابات نزيهة وقانون انتخابي وافق عليه الجميع دون استثناء وتحالفات سياسية لم يفرضها فريق على الآخر.
ومن هنا فمن لم تعجبه نتيجة الانتخابات فلا يستطيع بعد سنوات نقضها بالتحجج بقانون 2000 التعسفي، ومن ينفرط عقد تحالفاته السياسية لأي سبب كان، فلا يستطيع أن يفرض على الأكثرية إجراء انتخابات مبكرة.
فكيف إذا كانت هذه الأكثرية مريحة وتملك العدد الكافي من النواب للحكم؟
ولبنان أيضا حسب مقدمة الدستور هو عربي الهوية والانتماء، وعضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، أي لبنان جمهورية عربية بفعل اللغة والشعب والتقاليد والعادات والثقافة والحضارة والمصير والانتماء، ويأتي من يزايد علينا يوميا بالعروبة والهوية كجماعة "حزب الآلهة". وهدفهم ليس الهوية العربية وإنما الإيرانية وحضارتهم ليست العربية الأصيلة وإنما الفارسية المستوردة. حيث بدأت مناطقهم تتفرس وأحياؤهم تتأيرن خارجةً من طبيعتها اللبنانية الأصيلة وثقافتها العربية. والكثير منه أخذ يلدغ لسانه بالفارسي!
عودة إلى لحود وقصر بعبدا الذي أصبحت أبواقه النافخة يوميا تذكر بنعيق الغربان، ترويجاً للفتنة، وتبشيراً بالحرب الأهلية خوفا من المحكمة الدولية.
وجاء في الأخبار "ورأى لحود أن إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي بشأن قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يعني حربا أهلية في لبنان، لأن ذلك يعتبر افتعالا لمشكلة داخلية تستفيد منها “إسرائيل” التي ستستغل تنازع اللبنانيين مع بعضهم".
هذا القول لا يتفوه به إلا شخص غريب لا علاقة له بلبنان ومأساته، حاقد على الوطن، مشارك في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ويرتجف مع حلفائه المجرمين من كلمة محكمة.
ولهذا يبشر بالخراب كما يبشر الغراب!
وأصبح لحود في غفلة من الزمن رئيسا لجمهورية لا يفقه حتى فقرات دستورها.


ليست هناك تعليقات: