الجمعة، أبريل 20، 2007

قتل و اختطاف الصحافيين وسيلة إنذار لا أكثر


رشا أرنست
تـُعرف حرية الرأي و التعبير على أنها
الحرية في التعبير عن الأفكار و الآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا يمثل طريقة و مضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقا لقوانين و أعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير . و ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن : " لكل فرد الحق في حرية الرأي و التعبير، ويتضمن هذا الحق حرية تبني الآراء من دون أي تدخل و البحث عن و تسلم معلومات أو أفكار مهمة عن طريق أي وسيلة إعلامية بغض النظر عن أية حدود " . و لكن على مر العصور هناك دائماً حدود لحرية الرأي و التعبير في العالم بكل مستوياته حيث أن هذه القضية من أكثر القضايا الشائكة و الحساسة و تتغير طبقاً لمعايير أمنية و سياسية و دينية تخص كل دولة . أما الصحافة فهي المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور بكافة طبقاته الثقافية ، و هذه الأخبار عادة تكون متعلقة بكل مستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الاجتماعية الرياضية أو الفنية وغيرها . و حرية الصحافة (أو الصحافة الحرة) هي الضمانة التي تقدمها الحكومة لحرية التعبير و غالباَ ما تكون تلك الحرية مكفولة من قبل دستور البلاد للمواطنين و الجمعيات و تمتد لتشمل المنظمات بث الأخبار و تقاريرها المطبوعة و كل ما يتعلق بسبل النشر داخل الدولة . و يستخدم لفظ الصحافة سلطة رابعة ببعض الدول بعد الثلاث سلطات الأساسية التشريعية و التنفيذية والقضائية و قد قال إدموند بروك الفيلسوف الانجليزي بهذا الصدد : " ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف في البرلمان ، و لكن هناك في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعاً " .
و لنستعرض معاً ما وصل إليه حال حرية التعبير و الرأي و الصحافة الحرية في القرن الواحد و العشرون في هذه الأيام . حيث أصبحت الحرية بصفتها العامة و هي حالة
التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان و إنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية أصبحت حرية غير حرة مُكبلة بمئات القيود في كل مكان . فما بالنا بحرية خاصة مثل حرية التعبير أو الصحافة .
أظهرت النتائج البحثية أن عام 2006 م السابق لهذا العام هو الأكثر دموية منذ عام 1994 م ، حيث أن قتل 81 صحافياً ، و مقتل 32 معاوناً إعلامياً ، استجواب 871 صحفي على الأقل ، الاعتداء أو التهديد بالقتل لأكثر من 1472 ، اختطاف 65 صحافياً على الأقل ، و أخيراً و ليس آخراً فرض الرقابة على 912 وسيلة إعلامية على الأقل . هذا مقارنة بعام 2005 م الذي حصد مقتل 63 صحافياً ، مقتل خمس معاونين إعلاميين ، و استجواب 807 صحافياً على الأقل . و ربما سيزيد العدد عند انتهاء العام الحالي الذي شهد حتى الآن في اقل من أربع شهور منقضية أبشع حوادث قتل للصحافيين بأنحاء متفرقة من العالم . تعتبر العراق هي أولى الدول التي تشتهر بقتل الصحافيون حيث أنها خلال أربع سنوات الحرب تعرض 139 صحافياً للقتل . و تأتي المكسيك بالمرتبة الثانية من لائحة الدول الأكثر خطورة على حياة الصحافيين و الإعلاميون .
و السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الصحافيون أو المراسلون على وجه التحديد ؟
بالسابق كان هناك ما يسمى بالسبق الصحفي حيث ينفرد صحفي بالحصول على خبر ما داخل بلده أو خارجها و تقوم جريدته بنشرها سابقة كل الجرائد و المجلات و بهذا يتسع توزيع الجريدة و تكون رابحة هي و الصحفي من الناحية الأدبية و المادية أيضاً . و لكن الآن و في ظل الأقمار الصناعية و الفضائيات التي تبث كل شيء لحظة بلحظة لم يعد هناك ما يُسمى بالسبق الصحفي . فإذا كانت على سبيل المثال قناة الجزيرة الإخبارية منحشرة في كل صغيرة و كبيرة بالتفصيل في حياة البشر في كل أنحاء العالم ، ماذا سيبقى للصحفي أن ينشر ؟ فأصبح المراسل هو أيضاً في حكم الخطر لأنه من ينقل الأخبار . و هنا نجد أن الصحافة أخذت نمط جديد عن السابق و هو المراسلة فأصبح السبق لا يخص فقط الصحفي و إنما يخص بالدرجة الأولى المراسل الذي يضع نفسه في وسط الأحداث و يتكلم . و الكلام دائماً يسبق الكتابة ، فما على المراسل إلا أن يمسك بميكرفونه و يسرد كل ما يود و كل ما عرفه كما أنه يجعل خياله يذهب و بجي إلى حيث لا ندري . فبالرغم من أن وسائل الأخبار التلفزيونية و الفضائية أصبحت أكثر انتشاراً عن الصحف إلا أنها لا تحمل المصداقية الكاملة . فغالباً ما تكون هناك سياسة لكل محطة إخبارية تتخذها في نقل الأخبار عامة و ما يُجاري سياستها خاصة .
عندما يُقتل صحافياً أو مراسل إحدى القنوات الإخبارية من قبل إحدى الجماعات يكون إنذاراً لمن وراء هذا الصحافي أو المراسل . فقتل صحافياً أو مراسل لمجرد انه هكذا و هذه مهنته ليست هدفاً لجماعة معينة و أن وجد استثناءاً . و لكن الاحتمال الأكبر وراء قتل هؤلاء هو بصدد إنذار يوجه للقناة أو الجريدة التي يعمل معها الصحافيون أو المراسلون المستهدفون في هذه العمليات . إنذار ليس لسبب بعينه و إنما تعبيراً لرفض سياستهم الإعلامية أو طريقة تناولهم للأخبار العامة و الخاصة لتلك الدولة التي بها الجماعة الخاطفة أو القاتلة و احتجاجاً موجهاً إلى تلك القناة أو الصحيفة . و لأن سياسة هذه الجماعات هي القوة و العنف ، و البقاء للأقوى ، فبالتالي طريقتهم للاحتجاج أو الرفض هي طريقة الدم و القتل و أقلها الخطف أو التهديد . فهذه نتائج مستوى تفكيرهم الضيق و المحدود .
ما لا تدركه هذه الجماعات التي تستهدف هؤلاء الذين لا ذنب لهم غير أنهم احترفوا بالمهنة القاتلة أن الصحف أو القنوات الإخبارية العالمية لن تقف لمجرد قتل صحافياً أو قتل عشرة من الطقم الخاص بها لأن دائماً هناك البديل لهؤلاء الذين اختاروا طريق الموت . لن ينتهي مبدأ اتخذه هؤلاء سواء مبدأهم هو الإعلام الصحيح و البحث عن الحقيقة أو البحث عن الفضائح ، فلكل منظمة قضية تدافع عنها و تستميت من اجل البقاء عليها ، لأن بقاءهم من بقاءها . و بالفعل أصبحت مهنتي الصحافة و المراسلة الإخبارية هما مهنتي الموت القادم من بعيد ، فمن اختار إحداهما ترك كل شيء من ورائه واضعاً أمام عينيه اتجاه واحد فقط يسعى إليه حتى و أن كان يعلم أن الموت في انتظاره بطريقة أو بأخرى .
شهداء مهنة البحث عن المتاعب كما كانوا يسمونها سابقاً أو المهنة القاتلة حالياً نسبة من شهداء هذا القرن الدموي . فالحرية التي هي هبة من الله لجميع البشر باختلافاتهم أصبحت مملوكة لمن يملكون القرار أو الأسلحة بمختلف أنواعها المادية و المعنوية .
بسجن سامي الحاج و آخرين مثله في جوانتنامو أو باختطاف جونسون الصحفي بفلسطين أو غيره لن تقف الدنيا ، و ستستمر عقارب الساعة في الصراع على من يعيش أكثر و من يقتل أكثر . فالقوي لا يشعر بقوته إلا عندما يظهر ضعف الآخرين أمامه ، و كلما زاد أمام عينيه ضعفهم امتلأ هو بالفخر أمام نفسه بالقوة . و بالطبع هي قوة مزيفة مبنية على أجساد الصحافيون ، و لكن ماذا إذا واجه كل خاطف أو محتل نفسه و جردها من أسلحته التي يمسكها بيديه أو جردها من أفكاره الشيطانية التي يمتلكها بعقله ؟
لن نحتاج للإجابة لأن هؤلاء اضعف من أن يواجهوا أنفسهم . هم فقط قادرين على إخافة و قتل الآخرين لأنهم يجهلون أنفسهم الضعيفة كيف كانت . و لتحتفظ أيها القارئ بإجابتك .

ليست هناك تعليقات: