الأحد، نوفمبر 15، 2009

إيران وملء الفراغ في المنطقة العربية

محمد فوزي عبد الحي

في عالم الحياة، لا يوجد ما يسمى بالفراغ، حتى العاطل لا بد وأن يملأ فراغه بشيء ولو كان تافها، ولذلك ورد عن الإمام الشافعي: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

ولكن الفراغ الذي تعانيه الساحة العربية المهلهلة على مستوى النخبة – وأعمق وأوضح الأدلة على ذلك الأسماء المرشحة لخلافة مبارك على عرش مصر ، حيث لا نجد خطيبا بارعا متعلما ومثقفا متوهجا كأوباما، ولا محافظا متقشفا يشعرك أنه الثورة الخمينية حية حية تتقد لا تموت مثل أحمدي نجاد، كما لا نجد أحدا في جدية ووطنية وعقلية وتخطيط فلادمير بوتين الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي، بل والأدهى اننا لا نجد رئيسا ذكيا وقوميا مثل بيلير إنجلترا أو ساركوزي فرنسا – خلقت جرأة وأعطت ثقة لاختراق العرب على كافة الأصعدة وخاصة عندما يكون الطرف الذي يملأ الفراغ يشراك حركات التحرير أزمتهم ويمد يد العون ولو بحذر وبقدر لحركات الرفض والمقاومة والتي يجتمع على احترامها إن لم يكن حبها كل عربي، وهذا هو الباب الذي دخلت منه إيران إلى القلب العربي بالرغم من الخلافات القديمة والندوب النفسية وتباين الجغرافيا الفكرية والعقدية بين المحيط السني والإخوة الشيعة الذين نتمنى أن نحبهم.

خلقت حالة الاستبداد العربية المعاصرة نوعا من الفراغ على المستوى السياسي ونجم عنه فراغ على صعيد الاستراتيجية العربية، أدى إلى فقدان الثقة في توجهات النخبة ولو صاحبتها نوايا حسنة وعلى الأخص بعدما أثبتت الايام صحة حجب الثقة عنها..

ففي مصر، الأخت الشقيقة وصاحبة الوصاية التاريخية والمستحقة على المحيط العربي كما التاريخ العربي منذ العهد الأيوبي وحتى عام النكبة 1967 قد استقرت بركات ولاة أمرها على توريثها كعزبة ومن ثم فإن مخططاتهم لمصر لا تتجاوز مخططات الملتزم الإقطاعي صاحب العزبة، والمصريون يعون جيدا مفردات العزبة والملتزم الإقطاعي ويعرفون كيف كان ولا زال يعاملهم، ومن ثم فكيف لسياسات سادة العزبة أن تملأ الفراغ الإقليمي، خاصة والمثقف المصري العادي قومي الهوى إسلامي النزعة، والإدارة المصرية لا تدعم هذا التوجه العقدي لدى الأغلبية المصرية وهو ما يفسر نجاح التيار الإسلامي في الشارع المصري .

أما السعودية جواد البعث التوحيدي وصاحبة البركات النفطية، فحفظ العرش في السلالة المباركة أهم - ولا ريب - من مصلحة الأمة، وهذا يفسر الحلف الأمريكي للمملكة منذ نشأتها وحتى اليوم. هم فقط يصدرون لنا فتاوى تبديع أهل السنة، ونعوت الفرقة الناجية، ويعلنون أن علماء الأمة عاشوا اثني عشر قرنا وهم أشاعرة ضالون مبتدعون حتى شاء الله أن يحي الملة بشيخ الإسلام، وعلى ذلك فسلالة الشيخ تصدر لنا التوحيد الحقيقي الذي عاش مقبورا اثني عشر قرنا حتى بعث أخيرا في الجزيرة، ومعه بطاقات الخضوع للإمام وقضاء الدهر في الطاعة العمياء حتى تموت الأمة كلها ولا تفتات على السلطان.

عموما لم تكن السعودية بتوجهاتها الحالية الضيقة ولن تكون يوما بقائدة للأمة لأن الأمة ترفض من البداية البدعة الأموية الملعونة في توريث الحكم، والتي لم يعلن أحد من المشايخ المجددين من أهل الجزيرة أبدا أنها بدعة – كما اهتموا بما دون ذلك من البدع التي لا وزن لها والتي يعد البعض منها سننا في الحقيقة - وبالرغم من عدم وجود نص على جواز التوريث والتمليك، ورغم أنها لم تكن من سنة النبي، ورغم أن الصحابة ما رضوا بذلك، ورغم أن النبي قال – كما يستدلون على تسعين بالمئة من أحكامهم -: "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" ، ومن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد". وهذا عمل ليس عليه أمر الأمة، وليس من الإسلام إلا إن مفتي السلطة ممن تقوم قيامتهم لمؤذن صلى على النبي في مكبر الصوت لم تقم أبدا قائمتهم على عرض الأمة وكرامتها وسرقة إرادتها وتوريثها مثل حذاء قديم يرثه الابن من الوالد..

لقد سئمنا حديث الإصلاح المعوج الذي لا يصل إلى غاية، لقد حاربت أمريكا من أجل الوحدة وانتصرت وحاربت من أجل الحرية وانتصرت، وحاربت ألمانيا من اجل القومية واستمرت من أجل الكرامة وانتصرت، واجتمعت دول لا رابط بينها من دين ولا لغة ولا عاطفة غير الوحدة الجغرافية والسيادة المسيحية الرسمية فكونت الاتحاد الأوربي وانتصروا.

نحن لا نكره أصحاب العروش، لا نريد ان نزيلهم، دعهم يكونوا أمراء وملوك شرف يلبسون التيجان ويتمتعون بما بدا لهم شريطة أن يتركوا الأمة لتستأنف مسيرتها، كفانا استبدادا أيها العرب! إننا اليوم لا نحارب السلالات الحاكمة، إننا نحارب من أجل الوجود الذي نريده لنا ولهم في الغد، إنهم اليوم مثل الصحبة التي احتلت قاع السفينة في الحديث النبوي الصحيح وأرادت خرق السفينة من القاع لتصل للماء فإن تركناهم وما هم عليه من الفساد والاستبداد غرقنا جميعا وهم معنا بالطبع..

أما جزائر المليون شهيد، ففرنسا تعلن الوصاية العقلية واللغوية والوصاية السياسية والعسكرية ومعها الحقد الإمبريالي ومصالح النفط الأمريكية وأطماع أشباه بني أمية في الجزائر، ومع كل ذلك ثورات الحقد التي فجرها الغرب في العرق الأمازيغي الذي نشر الإسلام في أفريقيا ونصره في الأندلس وأقام دولتي المرابطين والموحدين، وجاهد المحتلين ولكنه اليوم نسي تاريخه الإسلامي الماجد وتعلق بالعصبية التي حرمها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رسول العرب والأمازيغ والناس أجمعين، ولو قال المصريون نحن فراعنة، والسوريون نحن أشوريون، والفلسطينيون نحن كنعانيون، إلخ لخربت ديار الإسلام وتقوضت أرض العرب أكثر مما هي عليه الآن.

أما العراق فقد خرج – بفضل استبداد صدام وغبائه الذي قلما تجد له نظيرا في التاريخ - عن حرم مكة ليحتضن حوزة قم وتحضنه آيات الله الفارسية الصنع التي ترفع لافتة الجمهورية الإسلامية ولكنها تدعو الخليج العربي الخليح الفارسي وتنسى أن القرآن عربي وأن المسلم الحق، عربيا كان أم غير عربي، يشرف بكل عربي لغة وسلوكا وانتسابا، ولو لم أولد عربيا لتمنيت أن أكون عربيا لا حبا في العرب ولا فخرا بهم بل حبا لكلمة الله ودينه ونبيه. تفتت العراق، وسقطت دولة العرب والإسلام لتقوم دويلات الطوائف الكردية والشيعية والسنية وهلم جرا..

كما أن باقي الدول غير مؤهلة لملء الفراغ نظرا لضعف قوتها البشرية وضيق أراضيها وضعف دورها الإقليمي فدول مثل البحرين وسلطنة عمان والإمارات وقطر والكويت ولبنان الممزق لا تسطيع لعب دور إقليمي فاعل وموثر لصغر وزنها وضيق رقعتها وقلة سكانها ومحدودية جيشها، أما سوريا الجريحة وليبيا القذافي وتونس بن علي، فلا يمكنها ذلك أيضا فلديها مشكلاتها السياسية ونظمها الدكتاتورية كما أنها نموذج للدولة العزبة أيضا.

أما الصومال ومورتيانيا والمغرب فدول بعيدة عن القلب، والصومال في حكم الفوضى المخطط لها دوليا حتى إشعار آخر، وأما السودان فقد كفا الغرب شره بتقوية شوكة الانفصاليين في الجنوب والشمال وتسميم عقول الطامعين بالذهب الأسود الثائر ....

هل ندرك حالة الفوضى، حرب استقرار الكرسي على الموج البركاني، الاستبداد، التخلف، تحويل الأموال وسلب الأمة مقتنياتها التاريخية، كل هذه الجرائم في حق الأمة العربية تركت العرب بلا خريطة استراتيجية، ولكل هذه الاسباب وغيرها فمن حق المد الشيعي الصاعد في إيران كما هو حق أمريكا وإسرائيل وفرنسا ملء الفراغ...

وإذا كانت إسرائيل وأمريكا يدعمان التعدي الاثيوبي والتناحر الصومالي والتمرد المسيحي في جنوب السودان ليس حبا في المسيح بل في السيطرة والذهب والبترول والماء وكرها للعرب والإسلام والشريعة فلما لا تدعم إيران الحوثيين في صعدة ضد الحكومات السنية في السعودية واليمن؟

وإذا كانت إسرائيل وباقي القوى الغربية تقاسم امريكا فطيرة العراق، فلما لا تأخذ إيران نصيبها بيد إخوة الدين الطائفيين من شيعة العراق؟

وإذا كان القلب العربي في يد إسرائيل، والقدس الرمز تحت سيطرة اليهود، والمستعمرة اللبنانية في يد الاستثمار السعودي الحريري فلما لا نتقاسم النفوذ على القلب بيد حزب الله..

تشهد المنطقة الآن محاولات جادة من كافة القوى الغربية والشرقية لاستقطاب المال العربي، كما اشهد دخول تركيا إلى الحلبة العربية، وإنني إذ أرحب بتركيا أردوغان ورفاقه باعتبارها أجندة وطنية إسلامية فإننا يجب جميعا أن ننظر بعين الريبة لمحاولات إيران العبث بأمن المنطقة بعدما تبينت النوايا المتطرفة على أرض العراق. إن السادة زعماء الدول العربية المحورية وعلى رأسها مصر يقع عليهم إعداد أجندة لملء الفراغ الذي تعيشه المنطقة وبناء جسور لقيام كيان عربي قوي لا يمكن للكيانات الخارجية العبث به، علما بأن قيام هذا الكيان يمثل النقطة (أ) في معركة الزوال التاريخي للخلية السرطانية المدعوة تجاوزا دولة إسرائيل.

أخيرا، لا يسعني غلا التقدم بالتحية للشعب الفارسي البطل، تحية لرجال أمريكا العظام وزعماء فرنسا المخلصين، تحية خاصة لقادة إسرائيل المجرمين ... لو كان عندنا أبطال أو رجال أو قادة لما كان هناك فراغ، أما وأصحاب الفخامة والجلالة والسمو يتوارثون العزبة العربية ونحن من مجموع التركة فهنيئا لمن يغلب فالعبيد والجواري ليس لهم حق اختيار السيد!!!!

ليست هناك تعليقات: