الثلاثاء، نوفمبر 17، 2009

الإسلام السياسي والسقوط المدوي 3

سعيد علم الدين
كيف لا والاسلام الديني هو اسلام والدي المرحوم الحاج بشير الذي لم يقطع فرض صلاة طوال حياته ومنذ ان تفتحت عيناي على الدنيا وكنت اقلده في صلاته في الصغر الى ان بلغت السابعة عشرة من عمري رافضا التقليد الاعمي باحثا عن الحقيقة ووجدتها بعد بحث طويل وشاق. نعم وجدتها وبوضوح ودون مساعدة احد.
متجلية أمامي كالشمس المشرقة ابدا لا تغيب ولا تذهب.
وهل حقا تغيب الشمس وتغرب؟
والى اين في المساء تذهب؟
الى قنها الدجاجي لتوقظها الديكة في الصباح وعلى العالمين تشرق!
ام ان ظاهرة الشروق والغياب هي ظاهرة من ظواهر الطبيعة، أمها وأبوها الأرض، وليست حقيقة من لحم وتراب وتنك وحديد ودم.
تظهر فقط مع دوران الأرض ولا علاقة لها بالشمس التي تبتسم في سرها وعلى بعض المغفلين تضحك؟
فكر تربح! صدق زغلول النجار تخسر!
نعم الحقيقة التي اصبحت حقيقتي وجدتها من خلال تجربتي الطويلة في هذه الحياة والتي هي اطول من نهر النيل والامازون والمسيسبي والليطاني مجتمعين. لا ابالغ بكل ذلك. لأن الأنهار مجتمعة لها حدود، أما التفكير والتأمل فلا حدود له إنه لا نهائي، كما السماء اللانهائية الأبعاد.
واصبح لي نظرتي الخاصة في الحياة والدين والكون والمجتمع والتي أعبر عنها بكل جرأة وصلابة ومسؤولية حبا لأهلي، وصدقا معهم، واخلاصا لهم، وانسجاما مع نفسي وحقيقتي وتوفي والدي مباشرة بعد ان أدى فرض صلاة المغرب وهو خارج من الجامع. واستبشر الأهل والاصدقاء بوفاته مباشرة بعد قضاء فرض صلاته. قائلين:
"يا هنيال الحاج بشير على هالموتة. الله بحبو"!
كالذي يموت في الحج ويقولون نفس المقولة: "يا هنيالو على هالموتة" حتى ولو كان الاخير انسانا شريرا قاتلا سارقا ناهبا فاسدا كاذبا ماكرا او حاكما مستبدا قامعا ظالما مجرما حاقدا مدمرا فاجرا!
كيف لا والاسلام الديني هو اسلام المرحومة والدتي الحاجة زينب التي ما قطعت فرض صلاة ومنذ ان تفتحت عيناي على الحياة. ولم اتعلم منها الا الصدق والصراحة والشجاعة والجرأة والحب وطيبة المسلم وربتني على الاسلام المحب العطوف وشجعتني على ممارسة الصلاة والصيام ومنذ السادسة من عمري. ومارست ذلك كما اشرت الى سن السابعة عشرة من عمري. ولماذا توقفت بعد هذا السن؟
الجواب على هذا السؤال بحاجة الى مقالة خاصة. لست الان في واردها!
وزرعت امي الايمان بالله والخوف منه ومن عقابه في صدري او عقلي او قلبي منذ الصغر بالاضافة الى البيئة القروية المحافظة في الشمال اللبناني التي ترعرعت بها.
ولكن ما هو الايمان؟ هل هو قطعة ارض؟ وهل ممكن ان يزرع؟ وهل ممكن ان يورث؟ وهل ممكن ان يقلد؟ وهل ممكن ان يُعَلَّمُ؟
لا الايمان لا يمكن ان يزرع او يورث او يقلد او يُعَلَّمُ. وليس هو قطعة أرض في الأرض ولا غيمة في السماء، وانما الإيمان الحقيقي هو بحث دائم عن ذات الانسان، وعالمه الخاص، وتجربته في هذه الحياة.
الإيمان شيء روحاني يَبْحثُ عنه الإنسان ويقتنع به وبحرية ودون اكراه. ولا يرثه عن أبيه كقطعة الأرض المادية. انسجاما مع الاية الكريمة لا اكراه في الدين. أي لا اكراه في الايمان. ومن هنا فان مقولة المرتد يقتل هي احدى المقولات التي تقتل بالدرجة الاولى الايمان وطيبة الاسلام وتحوله الى دين استبدادي يعادي نفسه وينقلب على ذاته.
وتحوله شاء ام ابى الى دين قمعي شرير. ومن يحب الاسلام ويغار عليه يجب ان يرفض هذه المقولة ويحاربها. وهي مقولة سياسية دخيلة منذ حروب الردة وليست من جوهر الدين في شيء.
والايمان الذي يكتسبه الإنسان عبر التقليد والعادات والوراثة والبيئة هو أوهى من بيت العنكبوت. وصاحبه فاقد الثقة بالنفس ضعيف وعند اول انتقاد لدينه ومقدساته ينط مثل المجنون، فيهدد ويتوعد ويتطرف وحتى انه يقتل ويحرق ويجلد ويعدم ويفجر نفسه وينتحر متخبطا على غير هدى في هذه الحياة.
كيف لا والاسلام الديني هو اسلام جدي وجدتي واهلي واقصد بأهلي كل المسلمين في هذا العالم الطيبين المؤمنين المخلصين المحبين الذين يعيشون ويموتون في ظلال إيمانهم بدينهم منسجمين مسالمين مع بيئتهم المختلفة ويمارسون شعائر الدين في احترام كامل للآخر أن كان مسيحيا، يهوديا، بوذيا هندوسيا او ملحدا لا دينياً. انسجاما مع المثل الشعبي القائل " كل من على دينو الله يعينو"
ولا بد هنا من سرد هذه القصة التي تؤكد طيبة الإسلام الديني وحبه للعيش المشترك مع الاخر. ففي الصغر ذهبت مع جدتي للتعزية بوفاة احد رجال القرية. و تفاجأت بدل قراءة القرآن بمنشد يعزف على العود ويغني ممجدا الفقيد المسجى في وسط الدار وحوله النسوة يبكون مجللين بالسواد. كنت صغيرا ولم أفهم ماذا يحدث. وبعد ان انهت جدتي واجب التعزية. ونحن عائدون الى البيت مشيا على الأقدام والمشوار لم يكن قصيرا انه عدة كيلومترات تكبدتها جدتي من أجل واجب العزاء. سألت جدتي مستغربا لماذا لم يقروا القرآن؟ فجاوبتي هؤلاء مسيحيين موارنة يا سعيد. والميت كان صديق المرحوم جدك.
هذا هو الإسلام الديني الذي اعتنقه جدي وجدتي في انسجام كامل وود وصداقة مع الجار وابن القرية المسيحي.
هذا هو لبنان الرسالة والحضارة والاندماج والعيش المشترك، الذي يعمل نصر الله اليوم من خلال اسلامه السياسي عبر ولاية الفقيه الى تدمير هذه الصيغة الفريدة. ولقد استطاع بالمال الحلال حيث تحولت مناطق شيعية كثيرة في لبنان وبالاخص الضاحية الجنوبية التي كانت في الستينيات مختلطة من كل المذاهب والاديان بهمة ثقافة ولاية الفقيه الى منطقة انعزالية مذهبية فارسية الوجه والصُّور والطبيعة والبيئة ولم يعد يجرؤ على السكن فيها الا ابناء الطائفة التي ينتمي اليها الولي الفقيه. الاسلام السياسي شوه وجه لبنان عبر ولاية الفقيه كما شوه وجه العراق وايران ويعمل الان على تشويه وجه اليمن.
أكتب هذا الكلام وكلي ألم لما يحدث بحق أهلنا الأقباط المسيحيين المصريين الأصليين في مصر العزيزة على أيدي اتباع الإسلام السياسي ووهوس جماهيره المسيسة بهمة جماعات الإخوان المسلمين والمنفلتة من عقلها وعقالها وانقلابها على جوهر دينها.
أكتب هذا الكلام وكلي ألم لما يحدث بحق أهلنا المسيحيين أبناء العراق الأصيلين من اعتداءات واعمال تهجير يتحمل وزرها بالدرجة الاولى الاسلام السياسي الشيعي والسني على حد سواء. يتبع

ليست هناك تعليقات: