السبت، نوفمبر 21، 2009

الإسلامُ السِّياسِيُّ والسُّقوطُ المدَّوي 5

سعيد علم الدين

عندما سَخَّرَ الانتحاريون الإسلاميون الطائرات المدنية المخطوفة؛ والتي استسلمت لمشيئتهم، متحولةً في أيديهم الى أسلحة حربية فتاكة؛ لتدمير برجي مركز التجارة العالمي في بداية هذا القرن في نيويورك، لم يكن في الحقيقة هذا العمل الإجرامي الغير مسبوق في التاريخ البشري، والذي ارتكبته أيدي هؤلاء ومن جندهم من أشياخ وأمخاخ لتنفيذ هذا العمل البربري عن سابق تصور وتصميم، وتخطيط وتنظيم، وتآمر شيطاني خبيث، سوى اعلان عالمي لن يمحى من ذاكرة البشرية لانتحار الاسلام السياسي نفسه وبهذه الطريقة الهمجية التدميرية العبثية الحاقدة القاتلة، والتي ازهق فيها ثلاثة آلاف نفس مدنية بريئة في ثوان.
وكرت سبحة ثقافة تناثر الأشلاء ببهجة الانتحار، والموت القذر بأرخص الأسعار، للقاء عذارى الحور الرَّطْبِ الصغار، والتي لم تؤد الى نتيجة تذكر لمصلحة هؤلاء:
لا في امريكا ولا في فلسطين، لا في العراق ولا في أفغانستان، ولا حاليا في باكستان، لا البارحة، ولا الآن، ولا غدا، ولا بعد غد، ولا حتى في أي زمان وقارة وكوكب ونيزك ومكان، وعلى العكس تماما تماما تماما .....
فلقد انقلبت الكرة الأرضية بكاملها فوق رؤوسهم فأصيبوا بدوار وخوار واصفرار وحالة يرثى لها من الاستفراغ الفكري والانساني والاخلاقي والروحي والديني والجسدي الدائم من فوق ومن تحت، والغثيان والقيء وهروب فرسان الوغى مرعوبين بلباس النساء من المسجد الاحمر وغيره، واختباء ابطال النزال في مغارة او قن او سرداب او وراء جدار الى ان ينهار على رؤوسهم بالطبع:
فهم وليس غيرهم من أيقظ أمريكا النائمة من سباتها العميق ومن المحيط الى المحيط، وايقظ معها أوروبا الغافلة عنهم، والأنظمة العربية الفاشلة التي صدرتهم، والعالم أجمع ليراقبهم بآلات تصويره الذكية، ويبث العيون بين حركاتهم، والآذان في مساجدهم، والجواسيس بين ظهرانيهم ويعتقلهم بالجرم المشهود وهم يُحضِّرون لانفجار بشع على الأبرياء هنا ولاعتداء آثم على المدنيين هناك، ويجرجر مشايخهم اللاجئون الى الدول الديمقراطية، والمحتمون بقوانينها الوضعية العادلة جدا جدا الواحد تلو الآخر الى السجون والمعتقلات التي تليق بأمثالهم من عتاة المجرمين، ويُسْكت ابواقهم الدعائية، ويغلق منابرهم الداعية الى سفك الدماء، ويفتش جوامعهم بعد ان حولوها الى أوكار للأسلحة وأدوات القتل والإرهاب وتجنيد المتدينين المغفلين من الشباب، وارسالهم الى حروبهم العبثية الخاسرة سلفا.
وعندما صدمت الطائرات المخطوفة بنسائها وأطفالها وجميع ركابها؛ وبسرعة جنونية، متحولةً في أيدي الخاطفين الى رؤوس حربية صاروخية؛ برجي نيويورك محدثة انفجارا جبارا ودوياً هائلا أدى الى انهيار البرجين، لم يكن ذاك الدوي الا الصدى الحقيقي للسقوط المدوّي للاسلام السياسي على مستوى العالم اجمع، الذي قرر حكم الكرة الأرضية بالعنف والجهل والذبح والقتل وإرهاب الحضارات المتألقة والامم المتقدمة واعادتها الى حظيرته المظلمة البدوية العشائرية البدائية.
ومن شدة دوي تلك الانفجارات التي اصمت آذانهم، ولقوة سرعتها التي اخترقت جدار صوتهم بأَضْعافِ قدرتهم على فهم أبعاد التداعيات الخطيرة التي أحدثتها أيديهم، لم يعودوا قادرين حتى اللحظة على التمييز بين الأبيض والأسود، والخطأ والصواب، والردئ والجيد، فاقدين حاسة الشعور بهوة سقوطهم السحيق.
السبب هو قوة هذا السقوط معطوفة على غيهم وعنجهيتهم وغرورهم وضلالهم وظلامهم وحقدهم على جمال الحياة بتفتح أزهارها الزاهي وتألق نورها الباهي، التي أصمت آذانهم فصاروا طرشانا، وعقدت ألسنتهم فصاروا بلا منطق وحجة، وأغلقت أعينهم فصاروا بلا نظر، واعمت بصيرتهم فصاروا هائمين على وجوههم لا عقلانيين، وتركتهم تائهين بخناجرهم أسرى جرائرهم ومكائدهم ومؤامراتهم وخبثهم يتخبطون شمالا ويمينا وهم يفجرون مرحا وينتحرون فرحا ولا يدرون ماذا يفعلون بحق دينهم الحنيف بعد ان انحرفوا عنه علنا:
غافلين مغفَّلين وفاجرين مفجِّرين، فاسدين مفْسدين ومخالفين متخلِّفين، ظالمين مظْلمين ومهزومين منْهزمين، ناحِرين منْتحرين ومن مجتمَعاتهم أذلاء منبوذين.
لقد سقطت حركات الإسلام السياسي جميعا في حضيض الحضيض لا فرق بين سنية وشيعية وسقط معهم اسلامهم السياسي وهم يحاولون فرضه على المجتمع باساليب القتل والحرب والتمرد والعصيان وسفك الدماء البريئة منقلبين على قوله تعالى" وجادلهم بالتي هي احسن". وهم لا يجادلون مجتمعاتهم بالحجة والمنطق والكلام الحسن كما اراد الله، وانما يقارعونها بالحديد والنار ويحاربونها باساليب الخسة والغدر وخيانة الأهل والأوطان مسببين المآسي والمصائب والنكبات والدمار.
لقد سقط هؤلاء مع دوي كل انفجار يسقط فيه مدنيون وأبرياء وفي كل مكان من العالم.
وأعمالهم العسكرية كلها أعمال مبنية على اللصوصية والغدر والاحتيال والطعن في الظهر والاغتيال.
كهذه التفجيرات الرهيبة الوحشية البشعة البربرية المنحطة اخلاقيا التي يرتكبها في هذه الايام طلاب الإسلام السياسي تحت اسم طالبان ضد شعبي باكستان وافغانستان. هذه التفجيرات وغيرها ضد المجتمع هي الدليل الساطع على السقوط المدوي للإسلام السياسي وفي كل مكان من العالم ومع كل نقطة دم تسقط بسببهم على الأرض.
ولن يوجد مكان في هذا العالم لهذا الإسلام السياسي الجهادي المتطرف والمنفلت من عقاله وعقله هيجانا وجنونا على بني الإنسان.
وان وجد فإما بمغارة أو بكهف أو بسرداب أو بخندق أو بملجأ أو بمربع مدجج بالسلاح والصواريخ والسيارات المسروقة والمجرمين والحشاشين والمنرجلين والجواسيس، او بخيمة متنقلة يحملونها على ظهور عامتهم، كما كان يفعل البدو الرحل في غابر الأزمان على ظهور البعير.
وإن وجد فبصورة مؤقتة جدا، اصطناعية غير طبيعية، ومنفرة غير منسجمة مع مجتمعها كوجود جماعة حزب الله المنبوذة من الشعب اللبناني والتي تفرض نفسها بقوة السلاح فقط لا غير والتهديد باستعماله ثانية كما حدث في 7 ايار.
ولم يكن تاريخ 7 ايار وما ارتكب فيه من بشائع واجرام بحق اللبنانين سوى السقوط المدوي للاسلام السياسي الذي يمثله حزب الله عبر ولاية الفقيه جماهيريا وعربيا واسلاميا في بيروت الصابرة الأبية، الذي يحتمي الآن بسلاحه مرعوبا خائفا بعد ان فقد حضن شعبه الدافئ ولم يبق له الا العملاء والجواسيس والعدو الإسرائيلي.
والسبب الأساسي لكل العراقيل التي تحدث في لبنان من انتخابات رئاسة الجمهورية الى تشكيل الحكومة الى البيان الوزاري هو أن ايران وحزبها الإلهي في لبنان ومن لف لفهم يريدون ان يقولوا للمجتمع الدولي قاطبة وبالأخص أمريكا، أن صواريخنا وأسلحتنا هي صاحبة القرار، وميليشياتنا هي التي تقرر تشكيل الحكومة او ابقاء البلد سائبا حتى على حساب مصالح الشعب اللبناني وحل مشاكله الحياتية.
ولا ننسى ان الشعب اللبناني خذل حزب الله ومن لف لفه من جماعات 8 آذار في الانتخابات الأخيره إلا انه بقوة سلاحه يعمل على فرض قراره على أحرار الوطن وشرفائه من السياسيين الذي يضحون بالغالي من الأرواح لقيامة وطنهم من كبوته وخلاصه من محنته.
وإن وجد الإسلام السياسي الجهادي المتطرف فبصورة مؤقتة جدا كوجود جماعة حماس في غزة المحاصرة برا وبحرا وجوا ولم يكن احتلال حماس لغزة البائسة وطرد السلطة الشرعية الفلسطينية منها سوى السقوط المدوي لحماس امام اعين الشعب الفلسطيني. ومن هنا ترفض حماس الانتخابات لان الشعب سيخذلها اذا جرت انتخابات ديمقراطية نزيهة.
وكل هم حماس اليوم ليس تحرير شبر من فلسطين بقدر ما هو فتح معبر من هنا ولفتة أمريكية لحماس كقوة اقليمية عظمى من هناك. وهذا ما اكده احد قادة حماس منذ ايام تعليقا على زيارة وزيرة الخارجية الامريكية بانه لا سلام دون الاعتراف بحماس من قبل امريكا. أي انهم ينتظرون اشارة الرضا من امريكا حتى يجلسوا الى جانب اسرائيل على طاولة المفاوضات.
وان وجد الإسلام السياسي الجهادي المتطرف فبصورة مؤقتة كوجود الملالي في ايران حيث أكدت انتفاضة هذا الشعب الحي على انه سينتصر في النهاية على جلاديه وعلى شاهنشاهوره المعمم.
وما انتقاضة الشعب الإيراني بمظاهرته المليونية العفوية الجماهيرية، صارخا الموت للدكتاتور نجاد ومن ورائه خامنئي الا السقوط المدوي في شوارع طهران لبدعة ولاية الفقيه كنظام سياسي قمعي دموي دكتاتوري استبدادي.
وان وجد الإسلام السياسي الجهادي المتطرف فبصورة مؤقتة كوجود الوهابية الأصولية السلفية المتزمتة في السعودية حيث تخطو المملكة بقيادة ملكها الحكيم الهمام ونظامها الإسلامي السياسي المعتدل، ومثقفيها الشجعان خطوات واثقة وجبارة في تقليم أظافر هؤلاء وخلع أنيابهم بعد أن غرسوها في المجتمع تشددا واستبدادا وغرورا وانحرافا وتزمتا وتطرفا صَدَّروه بغفلتهم وليس بصحوتهم ارهابا دمويا وارهابيين الى كل مكان في هذا العالم.
وما طرد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله للشيخ الشثري من عضوية هيئة كبار العلماء، أعلى مرجعية دينية رسمية في السعودية، بعد ان انتقد الاخير الاختلاط في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" ، إلا خطوة شجاعة ومباركة من الملك لوضع حد لتفشي بلاء هؤلاء الشيوخ المتفلسفين على العالمين في المجتمع ولتقليم اظافرهم وخلع انيابهم. يتبع!

ليست هناك تعليقات: