الخميس، نوفمبر 19، 2009

الإسلام السياسي والسقوط المدوي 4

سعيد علم الدين
عندما كشرت حركات الإسلام السياسي عن أنيابها لحكم المجتمع بالعنف والاستيلاء على السلطة بالقوة مستغلة عواطف المؤمنين الطيبين المباحة والمستباحة، والشعارات الاسلامية البراقة في بناء دولة العدل والاحسان، وما أدراك ما العدل والإحسان!
حيث أثبتت الايام بأنها ما هي سوى دولة القمع والكراسي والبهتان، والقهر والفساد والطغيان، وكما هي الحال اليوم أمام أعيننا في دولة فوضى ولاية فقيه الاسلام السياسي الشيعي في ايران وقبلها في جارتها السنية دولة طالبان في افغانستان.
و عندما قررت حركات الإسلام السياسي تحقيق مشروعها العقيم من خلال المؤامرات الخفية، وبكل الوسائل الممكنة والإمكانيات المتاحة حتى ولو كانت فاسدة غير صالحة، وعنفية غير شرعية، وشريرة غير بريئَة، وعدوانية غير مسالمة، ومتطرفة غير معتدلة، وخفية غير ظاهرة، ودموية غير سياسية، ومسلحة بالمدفع والخنجر والبندقية وليس بالفكر المعتدل والعقيدة السوية، وإرهابية غير اسلامية، ومتوحشة غير انسانية: سقطت. نعم سقطت في الهاوية وكان سقوطها مدويا، وكما سقطت قبلها الخلافة العثمانية المريضة بالضربة الأتاتوركية القاضية الى غير رجعة!
وابشرها البشارة الكبرى:
بانها لن تقوم لها قائمة بعد اليوم. وفلولها مهزومة ومذعورة وخائفة ومرعوبة ومختبئة وفي كل انحاء العالم. وخلاياها النائمة هنا وهناك لن تستيقظ وان استيقظت فجيفة بلا رأس.
عندما عملت حركات الإسلام السياسي في السيطرة على المجتمع تحت ظلال شعارها الباطني الغير مرفوع: الغاية تبرر الوسيلة، سقطت. نعم سقطت وكان سقوطها في الجزائر مدويا بأكثر من مئة وخمسين ألف شهيد!
كيف لا وقد كانت هذه الوسيلة الدموية البشعة ذبح طفل، ونحر أمه، وقتل ابيه، وسبي اخته أمام عينية في سبيل هداية المجتمع بالقوة.
كيف لا وقد كانت هذه الوسيلة المنحطة الدنيئة ذبح عائلة او قرية أو حتى شعب بأكمله أو افتراسه في سبيل هدايته الى الإسلام.
ما حدث من مجازر رهيبة تقشعر لها الأبدان في الجزائر على يد هؤلاء وبكل خسة وتآمر وارهاب وقذارة وحقارة ونذالة ولصوصية تجعلنا نتأسف الى الدرك الاسفل من حضيض الحضيض الذي وصلت إليه حركات الاسلام السياسي. الهدف كان تركيع الشعب والدولة الجزائرية الديمقراطية التي انتصرت بمنطق الدولة على منطق الإرهاب.
لقد سقطت حركات الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي سقوطا تاريخيا مدويا لا قيامة لهم من بعده. وهم يتخبطون الآن تخبط الأعشى على غير هدى لما صنعته أيديهم بحق دولهم ومجتمعاتهم وأهلهم ومستقبل أطفالهم من مآسٍ وآلام وأزمات قاتلة غير مبررة وهزائم متتالية كنا في غنى عنها.
فهم لم يحاربوا أمريكا عدوهم الاكبر، بل استفزوها فدمرت العراق وافغانستان واحتلتهما.
وهم لم يحرروا فلسطين، بل قسموها بين غزة والضفة، مقدمين اثمن هدية لإسرائيل على يد حماس.
وهم لم يفتحوا بيت المقدس، بل ولم يحرروا مزارع شبعا وخسروا قرية الغجر فوقها في حرب تموز الخائبة. وها هو نتنياهو يبني مئات المساكن اليهودية في القدس الشرقية. وهم يوجهون صواريخهم مهددين بها الدولة اللبنانية.
وهم لم يحترموا القيم والاخلاق والمبادئ الاسلامية التي يتغنون بها، بل عاثوا في مجتمعاتهم خرابا، وفي دولهم تحطيما، وفي انسانهم اذلالا وتهجيرا وملاحقة وقتلا واغتيالا.
وهم لم يبنوا دولة اسلامية عادلة محترمة منظمة سليمة العقل والذهن . وامثلة التجارب الخائبة وما اكثرها تلاحقهم من ايران الى افغانستان الى باكستان الى الصومال والسودان.
كلها تجارب تثبت ان الاسلام السياسي لا يمكن ان يبني دولة، بل قادر على هدمها.
فهذه دولة السودان العربية الإفريقية الواسعة الأرجاء الكبيرة التعددية بأجناسها وأعراقها، والغنية بدياناتها وتراثها وشعوبها ومواردها الهائلة.
ابتلت باحلام وطموحات الاسلام السياسي في الاستيلاء على كرسي الحكم فيها فنكبها النكبة الكبرى على يد جماعات الاخوان المسلمين وعلى رأسهم مرشدهم الأكبر الشيخ المفكر فالق عصره وحافظ ذكره حسن الترابي الذي كان مع جماعته التي اسسها في الخمسينيات أحد أسباب بلاء السودان. فالطريقة التي أدارت بها جماعة الترابي الحكم بعد وصولهم اليه عبر الانقلاب العسكري من خلال اسلمة المجتمع لم تؤد الا الى اشتعال الصراعات والخلافات بينهم بالاضافة الى استعار الحرب في الجنوب وتمرد دارفور في الغرب. وانقلبوا على بعضهم كالعادة مذكرين بسقيفة بني ساعدة وبانقلاب المجاهدين الافغان على بعضهم. وزجوا مرشدهم الأكبر الترابي في السجن.
لقد حاول هؤلاء دعاة الإسلام السياسي أي الاسلام "دين ودولة" ان يبرهنوا من خلال التجربة السودانية على صلاحية "الإسلام لكل زمان ومكان"
وماذا كانت النتيجة او حصاد ما زرعوه؟
فشلا ذريعا ومحصولا فاسداً، ظلما وتخلفا، دما ودموعا، فقرا وجوعا، وحروبا ونزاعات وصراعات لا تنتهي لتبدأ من جديد.
وها هي دولة السودان الكبرى تسير بسببهم نحو الكارثة المنتظرة إلا اذا حصلت معجزة ما. أي نحو الشرذمة والتقسيم والمستقبل المجهول بعد ان كانت في الخمسينيات دولة حديثة ديمقراطية تعددية واعدة.
وها وللأسف رياح الاستقلال تعصف بالجنوب المسيحي لينفصل عن الشمال المسلم. بسبب محاولات الشمال المتكررة قهر الجنوب واسلمته وفرض الثقافة العربية القومية الاسلامية عليه.
وماذا عن دارفور؟ التي لن تكون مطالبتها بالاستقلال بعيدة في حال قيام دولة مستقلة في جنوب السودان.
أي بسبب الإسلام السياسي الذي أراد أسلمة كل السودان وفَرض الشريعة على أجزائه بالقوة، متسببا بقطع مئات بل الاف الارجل والايدي وبحرب أهلية طاحنة، نحن اليوم أمام واقع خطير يتهدد مستقبل هذه الدولة العربية الغنية الكبرى ويمزق شعبا كان من الممكن ان يعيش بصفاء متآخيا تحت ظلال دولة السودان العربية الافريقية الديمقراطية التعددية.
وماذا يفعل اليوم الإسلام السياسي في الصومال سوى الخراب والموت وجلب الوبال لشعب معذب مشرد مرتاع منذ عشرات السنين وهو يتعرض للجوع والقحط والعطش والحروب. وكلما اراد هذا الشعب ان ينعم بالراحة والهدوء والسلام تهب عليه عواصف الاسلام السياسي وحركاته العبثية المدمرة لتعيده مئات السنوات الى الوراء كما يحصل الان عبر حركة الشباب الأصولية المتطرفة التابعة لشراذم القاعدة.
وماذا يفعل الإسلام السياسي السني والشيعي في العراق مدعوما من سوريا وايران سوى نشر الفتنة والخراب وقتل الأبرياء وعرقلة الدولة العراقية الديمقراطية المستقلة عن النهوض بالبلاد.
وماذا فعل الاسلام الجهادي السياسي في مصر سوى قتل السياح الابرياء وارتكاب الجرائم والاغتيالات ضد العزل والمدنيين، وخلق جو سوداوي ما زالت مصر ترزح تحت ظلال شادوره ونقابه مما دفع بشيخ الازهر الى الانتفاض مانعا من ارتداء النقاب في معاهد الازهر.
وبعد ان تسببت حركات الاسلام السياسي من سفك دماء مصرية وغير مصرية بريئة اعلن شيوخها التوبة في السجون.
وما هو الدور الحقيقي لتنظيم الاخوان المسلمين السياسي سوى عرقلة قيام الدولة المصرية الديمقراطية عن النهوض بالمجتمع المنفتح الحر!
اما ما فعلته جماعة الأخوان المسلمين في سورية فقد تسبب في طحن الشعب السوري بمطحنة ال اسد بحجة مواجة ومحاربة الاخوان. بعد ان قدمت لحافظ الاسد الذريعة على طبق من ذهب. يتبع!

ليست هناك تعليقات: